وقّعت وزارة البترول والمعادن والطاقة الموريتانية يوم الإثنين الماضي، مذكرة تفاهم مع شركة “شاريوت” البريطانية، لتنفيذ مشروع “النور” لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
وتمتلك موريتانيا موارد كبيرة للطاقة المتجددة، خاصةً مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يمكنها أن تؤدي دورًا كبيرًا في تحوّل البلاد لمركز رئيس لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر على مستوى العالم، بما يدعم تعزيز نمو الاقتصاد وتحسين الوصول إلى الكهرباء.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمشروع الجديد “نور” للهيدروجين الأخضر، نحو 10 غيغاواط من مصادر الطاقة النظيفة، باستثمارات تصل إلى نحو 3.5 مليار دولار أميركي.
مشروع نور لإنتاج الهيدروجين
أشارت وزارة البترول والطاقة الموريتانية في بيان لها إلى أن المساحة المخصصة لمشروع “نور” تمتد على منطقة برية وبحرية تبلغ نحو 8600 كيلومتر مربع، إذ ستُجرى دراسات الجدوى المسبقة بهدف تحديد خيار توليد الكهرباء من مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لاستخدامها في التحليل الكهربائي لتقسيم جريئات الماء وإنتاج الهيدروجين والأكسجين والمياه الصالحة للشرب.
وقالت الوزارة، إن الطريقة التقليدية لإنتاج الهيدروجين تجري من خلال تقسيم الغاز الطبيعي إلى هيدروجين وثاني أكسيد الكربون، وهو ما يشكّل أحد العوامل السلبية في تغيّر المناخ.
ستعمل شركة شاريوت على تعبئة فريقها الفني الذي يملك سجلًا حافلًا في إنجاز وتسليم المشروعات المتجددة الكبيرة بنجاح في أفريقيا، وسيبدأ العمل في تقييم الخصائص الفنية والأثر البيئي وكذلك الاقتصاد الكلّي ودراسات الأثر الاجتماعي.
بفضل موارد الطاقة الشمسية والهوائية المعتبرة، سيسمح مشروع “نور” لموريتانيا بإنتاج الهيدروجين الأخضر الارخص في أفريقيا، وأن تصبح موريتانيا واحدة من المنتجين والمصدّرين الرئيسيين للهيدروجين الأخضر ومشتقاته في العالم، على مقربة من الأسواق الأوروبية الكبيرة المحتملة.
أكدت وزارة الطاقة الموريتانية أن هذه المنتجات تمتلك القدرة على استبدال الوقود الأحفوري التقليدي في كل من عمليات توليد الكهرباء والتصنيع الكيميائي، مع انخفاض كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون.
وستعمل الأطراف على تجسيد الشراكة حول المشروع بهدف تشكيل تحالف ذي مستوى عالمي.
اقتصاد الهيدروجين
قال وزير البترول والمعادن والطاقة السيد عبد السلام ولد محمد صالح، إن بلاده تسعى إلى تأمين مكانة ريادية لها على الخريطة العالمية لاقتصاد الهيدروجين الأخضر في العقود القادمة، نظرًا لمقدّراتها التي تشمل وفرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمساحات الصحراوية الشاسعة والقرب من مياه المحيط الأطلسي، إضافة إلى الموقع الجغرافي المتميز بقربه من الأسواق الأوربية والأميركية”.
وأضاف أن تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر في موريتانيا يَعِدُ بجلب الفوائد البيئية والاقتصادية والاجتماعية، مشيرًا إلى أن بلاده لديها القدرة والإرادة لأن تكون رائدة عالميًا في مجال إنتاج الهيدروجين من مصادر الطاقة المتجددة.
من جانبه، أوضح القائم بأعمال الرئيس التنفيذي لشركة شاريوت آدونيس بوروليس أن الاتفاقية تهدف إلى استغلال إمكانات الهيدروجين الأخضر في موريتانيا.
وقال: “من المتوقع أن يشكّل مشروع “نور” أحد أكبر المشروعات من نوعه في أفريقيا، ونتطلع إلى تقديم تحديثات بشأن دراسة الجدوى على المدى القريب وما بعده”.
ويعدّ مشروع “نور” ثاني مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في موريتانيا بعد المشروع المشترك مع شركة “سي دبليو بي غلوبال” الذي جرى توقيع مذكرة التفاهم حوله في نهاية مايو/أيار 2021.
وتحتل موريتانيا، بمقدّراتها الهائلة من الشمس والرياح والمساحات الشاسعة، صدارة دول العالم المهيّأة طبيعيًا لاداء دور بارز في إنتاج وتطوير الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، إذ أطلقت سنة 2020 رؤية وطنية طموحة لتحوّل قطاع الطاقة ترتكز على الاستغلال الأمثل لإمكانات البلاد الهائلة من الغاز والطاقات المتجددة على المدى المتوسط والبعيد.
دول عربية دخلت السباق نحو مشاريع الهيدروجين
وشهدت الفترة القليلة الماضية توجهًا واضحًا من قبل الحكومات في الشرق الأوسط، خصوصا السعودية والإمارات ومصر وعمان والمغرب نحو تعزيز الاستثمار في الهيدروجين بالتزامن مع الخطط العالمية في هذا المجال، حيث يساعد الهيدروجين في تقليل اعتماد الاقتصادات على الكربون ويساهم في دفع النمو الاقتصادي وتنويع إمدادات الطاقة.
وعند مراجعة مشروعات الدول العربية في مجال الهيدروجين، ظهرت السعودية من أوائل الدول التي أعلنت عن استثمارات عملاقة في هذا المجال، منها 5 مليارات دولار لبناء منشأة متخصصة في مشروع نيوم، إلى جانب الإمارات التي اتخذت خطواتها الأولى بالفعل من خلال التعاون مع شركة سيمنس الألمانية في هذا المجال.
وفي حين تستكشف مصر فرص الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، أعلنت سلطنة عمان عن إنشاء تحالف يضم كبار اللاعبين في السوق، لكنّها لم تحدّد حجما معينا للاستثمارات المرتقبة. ويخطط المغرب لتنفيذ مشروع ضخم مع ألمانيا لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
لماذا الهيدروجين الأخضر؟ وما هو؟
الهيدروجين الأخضر، عبارة عن وقود نظيف تشتمل انبعاثاته على بخار الماء فقط، لذلك يعتبر مصدرا لإنتاج الطاقة الخالية من انبعاثات الكربون. لكنّه فشل في جذب استثمارات على مدار السنوات الماضية، بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجه ونقله وتخزينه، ويتم إنتاج الهيدروجين الأخضر عن طريق التحليل الكهربائي، وهي عملية فصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين.
ويمكن إنتاج الهيدروجين من الغاز الطبيعي والطاقة النووية والطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومن خلال عدة طرق، أكثرها شيوعًا حاليا إعادة تشكيل الغاز الطبيعي من خلال عملية حرارية والتحليل الكهربائي.
وفيما يتم إنتاج الهيدروجين الأزرق من مصادر أحفورية، حيث يتم التقاط انبعاثات الكربون وتخزينها، يأتي الهيدروجين الأخضر من مصادر غير أحفورية ويفضل من قبل صانعي السياسة الذين يحذرون من استمرار الاقتصاد الأحفوري، حتى مع احتجاز الكربون وتخزينه.
ويتطلب بناء اقتصاد عالمي يعتمد على الهيدروجين ضخ استثمارات عملاقة تبلغ 15 تريليون دولار حتى عام 2050، ليس في القطاع فقط ولكن في البنية التحتية للطاقة المتجددة التي ستعتمد عليها زيادة إنتاج الهيدروجين.
ومن المتوقع زيادة استخدام الهيدروجين من 5 إلى 7 مرات مقارنة بالاستخدام الحالي البالغ 115 مليون طنا فقط، بحسب تقرير بعنوان “جعل الاقتصاد الذي يعتمد على الهيدروجين ممكنًا”، الصادر عن مؤسسة ETC التي تضم عددًا من اللاعبين الرئيسيين في مجال الطاقة، في أبريل/ نيسان الماضي.
يعتمد نجاح مشاريع توليد الهيدروجين الأخضر، على ثلاثة شروط ضرورية هي: الإنتاج بتكلفة تنافسية، موثوقية الإنتاج والامداد، والتحوّط من المخاطر لجذب المستثمرين، كما يظهر تقرير صادر عن Arthur D. Little للاستشارات الإدارية في يوليو/ تموز الماضي بعنوان: “تمهيد الطريق لعصر الهيدروجين الأخضر: الاعتبارات الرئيسية لدعم مشاريع الهيدروجين الأخضر”.
توجه عالمي
أطلقت الحكومة البريطانية مؤخرًا “استراتيجية الهيدروجين الخاصة بالمملكة المتحدة” لتحقيق هدفها المتمثل في إنتاج 5 غيغاوات من الهيدروجين منخفض الكربون بحلول عام 2030 حيث تخطط الحكومة لأن يحل الهيدروجين محل الغاز الطبيعي في توفير الإنارة لـ 3 ملايين منزل، بالإضافة إلى تعزيز استخدامه في الصناعة والنقل.
وذكرت الحكومة البريطانية أن تنفيذ هذه الاستراتيجية سيعمل على خلق 9 آلاف وظيفة إلى جانب المساهمة بـ 900 مليون جنيه إسترليني (1.24 مليار دولار) كقيمة مضافة إلى الاقتصاد بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن يعمل استثمار الحكومة في الهيدروجين على تشجيع القطاع الخاص على ضخ 4 مليارات جنيه (أكثر من 5.5 مليار دولار) بشكل مشترك في نفس المجال.
وفي ظل سيناريو استمرار زيادة استخدام الهيدروجين، ستتمكن بريطانيا من إضافة 100 ألف وظيفة إلى جانب 13 مليار جنيه إسترليني (18 مليار دولار) إلى الاقتصاد بحلول 2050.
ويستعد الاتحاد الأوروبي لضخ استثمارات بقيمة 430 مليار يورو (نحو 510 مليارات دولار) حتى عام 2030، في إطار تنفيذ استراتيجية جديدة لتعزيز استخدام الهيدروجين كمصدر من مصادر الطاقة.
وبينما رفعت الولايات المتحدة الأميركية إنفاقها على البحث والتطوير في قطاع الهيدروجين وخلايا الوقود خلال العام الماضي إلى 171.6 مليون دولار مقابل 120 مليون دولار فقط في عام 2019، بحسب إحصاءات الوكالة الدولية للطاقة IEA الصادرة في مايو/ أيار الماضي، ظل إنفاق الاتحاد الأوروبي على هذا البند العام الماضي عند نحو 113 مليون دولار خلال عامي 2020 و2019.
“نعتقد أننا في طريقنا للوصول إلى نقطة مهمة حيث يمكن للهيدروجين الأخضر توفير احتياجاتنا من الطاقة، وتزويد سياراتنا بالوقود، وتدفئة منازلنا، واستخدامه في الصناعات التي ليس لها بديل اقتصادي قابل للتطبيق مثل الوقود الأحفوري” وفقًا لرئيس استراتيجية الاستثمار الموضوعي في بنك أوف أميركا، حاييم إسرائيل.
جنبًا إلى جنب مع الكهرباء المتجددة، يوفر الهيدروجين الأخضر فرصة للوصول إلى اقتصاد عالمي خالٍ من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050، كما أضاف إسرائيل قائلًا: “أمامنا طريق طويل، لكن هذه ثورة طاقة تحدث الآن لأنها ضرورة حتمية، يمكن أن يوفر الهيدروجين الأخضر ما يصل إلى 24% من احتياجاتنا من الطاقة بحلول عام 2050، ما يساعد على خفض الانبعاثات بنحو الثلث.
المصدر: فوربس – وكالات – شهبا برس