في بقعة نائية كستها ثلوج بيضاء، وعلى سفوح الجبال البركانية الخامدة في “سنايفلسجوكول” الواقعة في أقصى غرب شبه جزيرة “سنايفلنيس” في أيسلندا؛ وقف البروفيسور الألماني غريب الأطوار “أوتو ليدنبروك” يفحص ويعاين طبيعة الصخور التي بطّنت أحد الأنابيب البركانية البالغ عمرها 700 ألف عام.
لا ريب بأنّ هذا المكان كان في ما سبق منجما، وعلى ما يبدو أنّه منجم ألماس، فبطبيعة الحال يُعد الألماس أكثر الأحجار صلابة على الإطلاق، ويتكوّن من عنصر الكربون الأساسي المركز بدرجة عالية بسبب التعرض للحرارة والضغط الهائل، وهذه الظروف البيئية لا توجد سوى تحت سطح الأرض على عمق قد يصل إلى 150 كيلومترا.
ولعلّ إحدى النعم القليلة التي تتسبب بها البراكين أنّها تلفظ معادن وأحجارا نفيسة من أحشاء الأرض، مع أهمية التحفظ هنا على لفظ أحشاء، فنصف قطر الأرض يعادل تقريبا 6370 كيلومترا، أي أنّ المسافة التي تقطعها البراكين في أقصى عمقٍ لها تمثل 2.3% من نصف القطر، أي أننا لا نكاد نتجاوز طبقة قشرة الأرض.
لكن هذا لم يمنع البروفيسور المجنون من أن يستأنف مشروعه البحثي في محاولة الكشف عن سر عظيم سيغيّر مستقبل البشرية لاحقا، بل مستقبل الأرض بمن عليها. لقد كان البروفيسور “ليدنبروك” على اعتقاد جازم بأنّ ثمة منافذ تقود إلى مركز الأرض، أخاديد أو أنفاق عظيمة، أو بالأحرى أنابيب حممية بركانية خامدة تصل بين ظاهر الأرض وباطنها.
لم تكن رحلته يسيرة مطلقا، ولم تخلُ من مغامرات وتحديات شيقة في سبيل الوصول إلى الحقيقة. لقد كانت هذه حبكة روائية من الخيال العلمي للكاتب الفرنسي “جول فيرن”، وقد نشرها في روايته “رحلة إلى مركز الأرض” في عام 1863.
وعلى الرغم من قدم الرواية، تبقى الحبكة مثيرة للاهتمام، فضلا عن التساؤل والسؤال، ماذا يمنعنا من الوصول إلى مركز الأرض مع كل ما وصل إليه الإنسان من تطور؟ وما هو أعمق شيء وصل إليه بنفسه أو نابت عنه آلة بسبب تعسر الوصول.
“إنجي ليمان”.. مكتشفة النواة الداخلية للأرض
إن دراسة الأرض وتضاريسها وطبقاتها سيفضي حتما لإجابات مرجوة، وكما أنّ للغلاف الجوي المحيط بالكوكب طبقات، فمن باب أولى وأحق أن يكون للكوكب نفسه تصنيف في هيكلته الداخلية. ويعود تاريخ أول تصنيف لطبقات الأرض إلى عصر النهضة الأوروبية في القرون الوسطى، بالتحديد إلى العالم الإنجليزي “إسحاق نيوتن” في عام 1700.
لقد اهتدى المختصون وعلماء الأرض الجيولوجيون منذ ذلك العهد إلى تقسيم منطقي للهيكل الداخلي للأرض، فقالوا إن ثمة ثلاث طبقات، الطبقة الخارجية وتُدعى القشرة (Crust)، فالطبقة الثانية الوشاح (Mantle)، وأخيرا الطبقة الثالثة اللب (Core) التي كان يُعتقد بأنها طبقة سائلة بالكامل. وكانت إحدى طرق دراسة طبقات الأرض عن طريق تحليل الموجات الاهتزازية والموجات الصدمية الناتجة من الزلازل، وتنقسم هذه الموجات إلى قسمين: موجات رئيسية (P-wave) وموجات ثنائية (S-waves).
إلا أنه في عام 1929 حدث زلزال شديد في نيوزيلندا، مما دفع عالمة الزلازل الدنماركية “إنجي ليمان” (Inge Lehmann) إلى الذهاب إلى موقع الحادثة ودراسة الموجات الصدمية (Shock Waves) الناتجة. لقد أثارت حيرتها في البداية، فنمط التردد الموجي الناتج كان مختلفا، لأنه كان توحي بأن هذه الموجات قبل ارتدادها نحو سطح الأرض، قد ارتدت بجسم صلب باللب.
وهذا ما قد دفعها إلى كتابة ورقتها البحثية في عام 1936 معللة بأنّ نواة أو لب الأرض ينقسم إلى جزئين، جزء سائل يحيط بجزء آخر صلب.1
ومنذ ذلك العام حُدّث تصنيف طبقات الأرض إلى أربع طبقات، ولكل طبقة خصائصها الميكانيكية والكيميائية.
طبقات الأرض.. عوالم خفية في جوف الكوكب
تعد القشرة الطبقة الصلبة الرقيقة الذي تغطي الكوكب، والتي تتصل بها جميع المخلوقات الحية مباشرة، ويبلغ سُمك هذه الطبقة حوالي 35 كيلومترا، وهو ما يمثل 0.5% من نصف قطر الأرض البالغ 6370 كيلومترا، ويتقلص عمق هذه الطبقة في المناطق المائية في المحيطات، فتصل إلى 6 كيلومترات فقط.
ثمّ تليها طبقة الوشاح أو الغطاء، وهي طبقة صلبة صخرية وأكثر كثافة من القشرة، ويبلغ سمكها 2900 كيلومتر، أي حوالي 46% من نصف القطر. وبسبب الضغط الكبير تتعرض بعض الأجزاء لعملية “الانصهار الموضعي” (Localized Melting)، فتنتج عنه حركة في الصخور يحاكي تدفق الجليد في الأنهار الجليدية “الجليدة”. وتعد هذه الطبقة مصدرا للبراكين والانزلاقات الأرضية.
ثم تعقبها طبقة اللب الخارجي، وتتميز عن غيرها بأنها في حالة فيزيائية سائلة وتتكون بشكل أساسي من الحديد والنيكل، وإلى هذه الطبقة السائلة يعود الفضل بوجود غلاف مغناطيسي محيط بالأرض، وذلك وفقًا لنظرية “الدينمو”.
وأخيرا تأتي طبقة اللب الداخلي، وهي الطبقة الصلبة التي تتمركز في وسط الكوكب، وتتكون من عنصر الحديد النقي.2
تضاريس الأرض.. نيازك وزلازل وبراكين تشكل السطح
منذ بدء تشكل الأرض قبل نحو 4.5 مليار سنة، وهي الفترة التي تتزامن مع تكوّن الشمس وفق تقدير علماء الأرض وعلماء الفلك؛ لم تستقر الأرض على شكل واحد، بل إن تغيرات عديدة كانت تطرأ عليها بين الحين والآخر، هذا إذا تحدثنا فقط على مستوى تضاريس سطح الكوكب.
فعلى سبيل المثال، تشير نظرية قارة “بانجيا” (Pangaea) التي تعني القارة العملاقة باليونانية القديمة، إلى أن اليابسة قبل نحو 360 مليون سنة كانت مجتمعة كلها في بقعة واحدة متمركزة على خط الاستواء، ومتمثلة بالقارات دون أن يفصل بينهما أي حدود مائية، وأن محيطا عظيما كان يحيط بهذه اليابسة ويُعرف بمحيط “بانثالاسا” (Panthalassa).
وفي عام 2017، قامت مجلة “جيوساينس فرونتييرز” (Geoscience Frontiers) بنشر ورقة بحثية لمجموعة علماء ابتكروا محاكاة رياضية ثلاثية الأبعاد لفهم الآليات الكامنة وراء الانجراف القاري الذي طرأ قبل 200 مليون على قارة “بانجيا”، وكيف أن سبب ذلك الانجراف إلى حركة الصفائح التكتونية (Plate Tectonics) بوجود عامل الحركة الزاحفة البطيئة لطبقة الدثار الأرضية الصخرية وهي ما يعرف علميا بالحمل الحراري للدثار (Mantle Convection).3
مثل هذه العوامل لا يمكن ملاحظتها في فترة حياة الإنسان، لكنها تبقى المسبب الأول والرئيس في تشكل تضاريس الأرض، ولا يبدو أن كوكب الأرض سيشهد أي تغيير آخر بعد اليوم، فالعلماء يرون بأنه آخر توزيع قاري وتضاريسي تتخذه الأرض لنفسها.
لكن ما هو وارد دوما هو التغير الممكن الذي يعقب الكوارث الطبيعية الطارئة مثل الزلازل والبراكين وكذلك النيازك في تشويه شكل الأرض الحالي. فعلى سبيل المثال، يعود سبب حدوث الزلازل إلى النشاط البركاني أو بسبب الانزلاقات الصخرية في طبقة القشرة، وتتسبب الزلازل بتشقق الأرض، وأحيانا حدوث مرتفعات ومنخفضات جديدة على سطح الكوكب.
وكذلك الأمر بالنسبة للنيازك، بل التأثير هنا أوضح، فالسجل التاريخي للأرض حافل بالصدمات النيزكية. ففي عام 2005 استطاع باحثون العثور على فوهة نيزكية قديمة، وهي فوهة “فريديفورت” الواقعة في جنوب أفريقيا، وقد وجدوا بأنّ هذا المكان تعرض لأشد النيازك على الإطلاق في التاريخ الجيولوجي للأرض، فتسبب بصدع عمقه يصل إلى 40 كيلومترا لحظة الارتطام.4
خندق ماريانا.. رحلة البحث عن أعمق مكان في الأرض
إنّ الأمر يبدو سهلا في تحديد ارتفاع أعلى نقطة فوق سطح الأرض، مقارنة بالبحث عن النقطة الأعمق، لا سيما إن كانت عملية التنقيب تجري في المسطحات المائية.
تذكر كتب التاريخ أنّ أول محاولة لقياس مسطح مائي كانت في عام 1521 حينما قرر البحّار البرتغالي الشهير “فرناندو ماجلان” إيجاد عمق المحيط الهادئ عن طريق قذف حبل في نهايته بعض الأوزان، إلا أنّه عجز عن تحقيق هدفه. وفي صيف 1930 استطاع عالما الأحياء البحرية “وليام بيب” و”أوتيس بارتون” أن يحققا أول إنجاز بشري في الوصول إلى قاع البحر بعدما غاصا لمسافة 305 أمتار في داخل كبسولة متصلة بحبل بالأعلى.
لكن ذلك لم يكن خيارا عمليا بسبب كمية الضغط الهائلة التي يتعرض لها الغواصون والغواصات كلما اتجهوا إلى الأسفل، وهو ما يعرف بالضغط الهيدروستاتكي (Hydrostatic Pressure)، لذا عكف العلماء على البحث على وسيلة أقل خطورة لقياس ودراسة وتحديد التضاريس في قيعان البحار والمحيطات.
وكانت إحدى التقنيات التي أثبتت كفاءتها لاحقا تقنية سبر الصدى (Echo Sounding)، وهي وسيلة تعتمد على إرسال الموجات الصوتية من جهاز صوتي إلى قاع البحر، فيصطدم ويرتد، وعند وصوله إلى الجهاز يحسب الوقت المقطوع.
ففي عام 1951 اعتمدت السفينة البريطانية “تشالنجر 2” (Challenger II) هذه التقنية واتجهت نحو غرب المحيط الهادئ شرق الفلبين، بالتحديد شرق جزر ماريانا، وفي أثناء عملية القياس، استطاعت السفينة أن تسجل رقما قياسيا لأعمق نقطة على الأرض بمسافة قرابة 11 كيلومتر. أي أننا لو وضعنا جبل “إفرست” الشهير في ذلك القاع، فإن قمته ستكون غارقة تحت سطح الماء بمسافة 1.6 كيلومتر.
أطلق على هذه البقعة “تشالنجر ديب” (Challenger Deep) وتنتمي إلى خندق هائل، هو خندق مارينا الواقع في أعماق المحيط الهادئ بطول يبلغ 2550 كيلومترا، ويؤمن علماء الأرض بأن هذا العمق السحيق جاء بسبب ارتطام صفيحتين تكتونيتين في طبقة الوشاح، مما دفع إحدى تلك الصفيحتين إلى أن تغوص تحت الأخرى.6
بئر كولا العميق.. تاريخ سباق الإنسان في حفر الأرض
والآن بعد أن استعرضنا نموذجا للثقوب التي نشأت بفعل الطبيعة، حان الدور أن نطرح موجزا للتاريخ البشري في استخدام آلات الحفر لخرق الأرض والوصول إلى أعماقها، وهو ما لم يمكن تحقيقه بأي وجه من الأوجه.
في بداية الستينيات من القرن الماضي، أقدمت جمعية المتنوعين الأمريكية (American Miscellaneous Society) بريادة مجموعة من العلماء على تبني مشروع أطلق عليه “برنامج موهول” (Project Mohole) لغرض حفر الأرض والوصول إلى الفاصل الذي يربط بين طبقتي القشرة والوشاح.
لقد كان هدف المشروع من ضمن الجبهات المشتعلة في الحرب الباردة التي كانت على صفيح ساخن آنذاك بين أمريكا والاتحاد السوفياتي، إلا أنه فشل في تحقيق أهدافه العلمية بسبب سوء الإدارة بعد أن وصل إلى عمق 183 مترا، فتحول لاحقا إلى “مشروع حفر أعماق البحار” (Deep Sea Drilling Project) تحت إدارة وتمويل جديد. استثمر المشروع في عملية الحفر في أعماق المحيطات، كون تلك النقاط هي الأقرب إلى طبقة الوشاح.7
وقد حملت المنصة الأمريكية “ديب واتر هورايزن” الرقم القياسي لأعمق حفرة في قاع مسطح مائي، إذ بلغ عمقها 8 كيلومترات قبل أن تنفجر المنصة في حادثة شهيرة في عام 2010 في خليج المكسيك، وأسفر عن ذلك أكبر تسرب نفطي بحري في العالم.
وفي المقابل، حيث أقصى الكوكب لم يكن الاتحاد السوفياتي مكتوف اليدين، بل كانت لديه مشاريع رائدة في هذا الصراع العلمي. وعلى عكس التجارب العلمية السابقة، قرر الاتحاد السوفياتي أن يتبنى مشروعا مماثلا في أرض يابسة مباشرة دون العمل تحت غطاء مائي.
ففي بقعة نائية في شبه جزيرة “كولا” ببحيراتها المتجمدة وغاباتها الغزيرة وضبابها الكثيف على أطراف الدائرة القطبية الشمالية، وفي وسط هذه الطبيعة الخلابة المعزولة تماما تظهر أنقاض مركز أبحاث علمي مهجور، وفي منتصف البناء يظهر غطاء معدني صدئ ثقيل ملتصق بإحكام بأرضية خرسانية.
على هذا الغطاء كتِبت الأرقام التالية 12.226، فبدت تسلسلا رقميا أشبه بمتتالية فيبوناتشي الشهيرة، لكنها بالطبع لم تكن كذلك، ولم تكن حتى أحد الرموز التشفيرية للعملاء السوفيات، بل كانت طول المسافة الموجودة تحت هذا الغطاء بالكيلومتر، فلو أسقطنا جسما بسقوط حر في هذه الحفرة، فسيستغرق 50 ثانية لكي يرتطم بالقاع، وهذا رقم كبير للغاية.
لقد بدأت عمليات حفر بئر كولا في 24 مايو/أيار 1970 واستمرّت 20 عاما حتى وصلت هذا العمق، ويصف سكان محليون بأن الأدوات والأجهزة التي كانت تستخدم بإمكانك سماعها من مسافات بعيدة، فكانت تبدو مروعة للغاية وكأنّك تسمع صرخات المعذبين في الجحيم لشدتها، على حد وصف أحدهم.
في عام 1992 توقف المشروع حينما تعرضت آلات الحفر لدرجات حرارة مرتفعة، وهو أعلى مما كان يتوقعه العلماء والمهندسون على هذا المسافة، إذ بلغت في ذلك العمق 180 درجة مئوية بدلا من 100، وهو ما كان متوقعا وعليه بنيت خطّة الحفر.8
رحلة الحفر في عوالم الجحيم السفلى.. خطة تعجيزية
إن الوصول إلى الطرف المقابل من كوكب الأرض يستغرق بعض الوقت بحكم المسافة التي يجب قطعها والبالغة 20 ألف كيلومتر، لكن ماذا لو كان من الممكن اختصار تلك المسافة وبالتالي كسب الوقت، والعبور من جوف الأرض إلى الطرف المقابل.
فعلى سبيل المثال، لو أراد أحدهم الذهاب إلى الصين، فعليه أن يختار إما الأرجنتين أو تشيلي لكي تكون نقطة انطلاق، ثم ستبدأ عمليات حفر النفق. سيكمن التحدي الأول في التخلص من الطبقة الأولى طبقة الغطاء.
وعند عمق 4 كيلومترات، سترتفع درجة الحرارة بشكل ملحوظ، إذ ستبلغ 80 درجة مئوية، ثمّ على بعد 12.2 كيلومترات وهو أقصى نقطة وصلتها آلات الحفر كما ذكرنا في بئر كولا سيكون الضغط 4000 مرّة أعظم مما يكون عليه الضغط على مستوى البحر، ناهيك عن درجة الحرارة المرتفعة، وقد سبق ذكرها.
على بعد 40 كيلومترا، نكون قد اجتزنا الطبقة الأولى ودخلنا في الطبقة الثانية طبقة الوشاح، هنا تصل درجة الحرارة 1000 درجة مئوية -الرقم تقديري، وقد يكون أعلى من ذلك- ودرجة الحرارة هذه كفيلة بإذابة عدد من المعادن مثل الفضة.
درجات حرارة مرتفعة
لكن آلات الحفر الفولاذية ستنجو وستمضي في الحفر، لكون الطبقة في هذا الجزء صلبة إلى أن تصل إلى 100 كيلومتر، وهنا ينبغي عليك أن تستعين بوسيلة أخرى فبسبب هول الضغط والحرارة ستذوب بعض الصخور فيكون قوامها شبيها بالكراميل، لذا سنستخدم مراوح بدلا من الفولاذ في الحفر. وعند عمق 410 كيلومترات تقريبا، ستظهر الطبقة الصخرية مجددا، وحينها ينبغي علينا الاستعانة بالآلات الفولاذية مرة أخرى.
ثمّ على بعد 3 آلاف كيلومتر سنصل إلى الطبقة الثالثة طبقة اللب الخارجي، وهنا ستكون درجة الحرارة مشابهة لدرجة حرارة سطح الشمس، فجميع المعادن تذوب عند هذه النقطة، ولا يوجد حتى اليوم معدن نقطة ذوبانه فوق 6000 درجة مئوية.
لذا ينبغي علينا الاستعانة بمروحة -أو مراوح- مصنوعة من مواد خارقة لاختراق المائع السائل في هذه الطبقة قبل أن نصل إلى طبقة اللب الداخلي الذي يتكون من الحديد الخالص الصلب على بعد 5 آلاف كيلومتر.
وإذا كنّا بشكل أو بآخر استطعنا اجتياز هذه الطبقة الصلبة، سنصل إلى منتصف الكوكب الذي يبعد عن سطح الأرض بمسافة 6.4 ألف كيلومتر تقريبا، وحينها سيكون الضغط علينا في هذه النقطة يعادل حرفيا كتلة كوكب الأرض كلها. وبعد المرور من تلك النقطة، ستعود عملية الحفر كما هي بالخطوات السابقة لكن بشكل عكسي حتى نصل إلى السطح من الجهة المقابلة.9
إنّ الأمر تعجيزي وخارق وخارج عن منظومتنا التقنية وحتى قدرتنا العملية، وبالنظر إلى أعمق حفرة استطاع الإنسان أن يصنعها وهي حفرة بئر كولا البالغ عمقها 12 كيلومتر، فإن الرقم يكاد لا يذكر مقارنة بقطر الأرض، ولعل هذا ما دفع الإنسان إلى أن يستهدف غياهب الفضاء بدلا من أعماق الأرض لسهولة الوصول نسبيا.
فباتت الحقيقة المثيرة اليوم تشير إلى أننا نعلم عن الفضاء أكثر بكثير عما نعلمه في باطن الأرض على الرغم من فرق المسافات.. (إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا). صدق الله العظيم.
المصدر: الجزيرة الوثائقية