قامت روسيا بتجربة “صاروخ” مضاد للأقمار الاصطناعية في الفضاء، وهو ما خلف آلافاً من قطع الحطام وأدانته الولايات المتحدة الأمريكية بشدة. التجربة أحيت المخاوف من تحوّل الفضاء إلى ساحة حرب بين القوى العظمى.
أكّدت وكالة الفضاء الروسية الثلاثاء (16 تشرين الثاني/نوفمبر 2021) أن “سلامة طاقم” محطة الفضاء الدولية هي “أولويتها الرئيسية”، بعد أن اتهمت واشنطن موسكو بإطلاق صاروخ مضاد للأقمار الصناعية عرّض محطة الفضاء الدولية للخطر. ولفتت الوكالة في بيان إلى أن “وحدها الجهود المشتركة لجميع القوى الفضائية ستكون قادرة على ضمان تعايش آمن قدر الإمكان والعمليات في مجال الفضاء”، بدون الردّ بشكل مباشر على الاتهامات الأميركية.
حقل حطام مداري
وكان مسؤولون أمريكيون قد قالوا إن صاروخا أطلقته روسيا باتجاه أحد أقمارها الصناعية خلال اختبار لأسلحة يوم الاثنين أدى لانتشار ما يشبه حقل حطام مداري عرض محطة الفضاء الدولية للخطر، وسيشكل خطرا على أنشطة الفضاء لسنوات مقبلة.
وذكرت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) أنه تم توجيه طاقم محطة الفضاء المكون من سبعة أفراد- أربعة رواد أمريكيين ورائد ألماني واثنان من الروس – للاحتماء في كبسولاتهم لمدة ساعتين بعد الاختبار كإجراء احترازي وذلك للسماح لهم بالهروب سريعا إذا كان ذلك ضروريا.
واستمر مختبر الأبحاث، الذي يدور على ارتفاع 402 كيلومتر فوق سطح الأرض، في المرور عبر مجموعة الحطام أو بالقرب منها كل 90 دقيقة، لكن متخصصين في ناسا قرروا أنه من الآمن أن يعود الطاقم إلى داخل المحطة بعد المرور الثالث للمختبر حسبما ذكرت إدارة الطيران والفضاء. وقال بيل نيلسون رئيس ناسا في بيان “ستواصل ناسا مراقبة الحطام في الأيام المقبلة وما بعدها لضمان سلامة طاقمنا في المدار”.
من جانبه، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان إنّه يوم الاثنين “أجرت روسيا بشكل غير مسؤول اختباراً تدميرياً على صاروخ مضادّ للأقمار الصناعية استهدفت خلاله أحد أقمارها الصناعية”. وأضاف أنّ هذه التجربة الصاروخية “خلّفت حتى الآن أكثر من 1500 قطعة من الحطام المداري المُمكن تتبّعه، وستخلّف على الأرجح مئات آلاف القطع من الحطام المداري الأصغر حجماً”. ولم يوضح بلينكن ما إذا كانت الولايات المتّحدة ستتّخذ إجراءات انتقامية ضدّ روسيا بسبب هذه التجربة، مكتفياً بالقول إنّ بلاده “ستوضح أنّها لن تتسامح مع هذا النوع من النشاط”.
أهمية متزايدة للأسلحة الفضائية
ويقول خبراء إن اختبار الأسلحة التي تدمر الأقمار الصناعية في مدارها يشكل خطرا فضائيا من خلال تكوين سحب من الشظايا التي يمكن أن تصطدم بأجسام أخرى مما سيؤدي لرد فعل متسلسل من المقذوفات عبر مدار الأرض. ولم يتسن حتى الآن الحصول على تعليق من الجيش الروسي أو وزارة الدفاع الروسية.
وقللت رسالة نشرتها وكالة الفضاء الروسية روسكوزموس على موقع تويتر من شأن أي خطر. وكتبت وكالة “روسكوزموس” على تويتر “مدار الجسم، الذي أجبر طاقم المحطة اليوم على الدخول إلى المركبة الفضائية وفقا للإجراءات المعتادة، ابتعد عن مدار محطة الفضاء الدولية. المحطة في المنطقة الخضراء (الآمنة)”.
وهذه ليست أول تجربة صاروخية على استهداف قمر اصطناعي أثناء دورانه حول الأرض، إذ سبق أن أجرت مثل هذه التجربة أربع دول هي الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا. ولقي هذا النادي الرباعي بسبب تجاربه هذه انتقادات شديدة لأنّ الحطام الذي يخلّفه قصف القمر الاصطناعي سرعان ما يتحوّل إلى مقذوفات خطرة يمكن أن تصطدم بآلاف الأقمار الاصطناعية الموجودة في المدار والتي تعتمد عليها دول بأسرها في العديد من الأنشطة، كالاتصالات وتحديد المواقع الجغرافية.
ومن هنا فإنّ حيازة دولة ما تكنولوجيا الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية تزيد من رصيدها العسكري كثيراً إذ يصبح بمقدورها تدمير أقمار تابعة لدول أخرى. وأجرت الولايات المتحدة أول اختبارات مضادة للأقمار الصناعية عام 1959 عندما كانت الأقمار الصناعية نفسها نادرة وجديدة.
اختبارات علمية محضة
وقال عالم الفلك جوناثان ماكدويل لوكالة فرانس برس إنّ “وقوع أحداث بسبب حطام ناجم عن تجارب على أسلحة مضادّة للأقمار الاصطناعية أمر لا يحدث كثيراً، وآخرها كان اختبار أجرته الهند” في آذار/مارس 2019. وأضاف أنّه بناء على مسارات محطة الفضاء الدولية والأجسام المعروفة في المدار يمكن استنتاج أنّ القمر الصناعي الذي استهدفته التجربة الروسية هو كوزموس 1408 وقد خرج من الخدمة منذ ثمانينيات القرن الماضي. وأعرب ماكدويل عن أسفه لأنّ التجربة الصاروخية أسفرت عن تدمير القمر الاصطناعي، وقال “تدميره لم يكن ضرورياً على الإطلاق”. وأضاف “هذا اختبار عسكري بحت”، مذكّراً بأنّ “لدينا أصلاً الكثير من الحطام هناك وتوليد المزيد منه عمداً هو أمر لا يغتفر”.
وطمأن الخبير إلى أنّ بعضاً من الحطام الناجم عن هذا الاختبار سيتفكّك عند دخوله الغلاف الجوي “في الأشهر المقبلة”، في حين يمكن أن يبقى البعض الآخر في المدار لمدة تصل إلى عشر سنوات. ويطالب العديد من الخبراء بمزيد من التنظيم لمواجهة هذه المخاطر.
المصدر: أ.ف.ب + رويترز