تخيّل أن تسير بسيارتك في طريقك إلى العمل، وفجأة تظهر بجانبك سيارة من العدم يقودها مطربك المفضل الذي كنت تتصفح مؤخراً أخبار حفلته المقبلة، وتفاجأ بأن يطل عليك من نافذة سيارته ليقول لك بأنه في انتظارك في الحفلة، وعندها يظهر أمامك زر كبير محلق في الهواء يشجعك على حجز تذكرتك الآن.. أهلاً بك في عالم الميتافيرس.
فرض مصطلح “الميتافيرس” نفسه خلال الشهر الأخير على العالم التقني، وكشفت شركات كثيرة عن أوراق لعبها التي ستعتمد عليها في السوق الجديد الذي سيغيّر طريقة تعامل المستخدمين مع العالم الرقمي، والذي أطلق عليه مارك زوكربرج، مدير شركة “ميتا” وأحد مؤسسيها، أنه “الإنترنت المتجسد”.
ويعد التسويق من بين جوانب العالم الرقمي التي ستتغير داخل الميتافيرس، فالآن تدخل عبر هاتفك إلى أحد المتاجر الرقمية وتقوم بالبحث عن بعض المنتجات التي ترغب بشرائها، مثل حذاء جديد، ثم تجد إعلانات أحذية تلاحقك في كل مكان داخل العالم الرقمي، والتقنية الرئيسية التي يعتمد عليها استهدافك الإعلاني هي ملفات الارتباط أو الكوكيز، ولكن الأمر سيختلف تماماً داخل عالم “الميتافيرس”.
مقاييس جديدة
في الوقت الذي يعتمد سوق التسويق الإلكتروني حالياً على معايير، مثل الوقت الذي يقضيه المستخدم أمام محتوى مدفوع معين واهتماماته، والكلمات المفتاحية التي يبحث بها على محركات البحث والمتاجر الإلكترونية، ستختلف تلك المعايير في عالم الميتافيرس بشكل ما.
على اعتبار أن عالم الميتافيرس ليس مجرد عالم افتراضي منعزل عن الواقع الحقيقي، فالاثنان متداخلان بشكل كبير، فإن النظارة الذكية للواقع الافتراضي VR أو المعزز AR، التي سيرتديها المستخدم ستكون قادرة على جمع كم كبير من البيانات بشأن طبيعة المستخدم وتعامله واستخدامه وتفاعله داخل الميتافيرس.
لذلك، سيكون داخل عالم الميتافيرس مقاييس مختلفة لتوجيه الإعلانات المناسبة للمستخدم، وتتمثل في حركة العين ومدة تركيزها على محتوى بعينه، وكذلك تكرار مشاهدة محتوى من النوع نفسه أو يتعلق بموضوعات محددة، بالإضافة إلى تحليل الواقع الحقيقي المحيط به، بما يشمله من عناصر وأماكن وأشخاص.
تتبع العين
تعتبر حركة العين ومجال رؤيتها وتركيزها من أهم العوامل التي ستلعب دوراً أساسياً في تفاعلك مع عالم الميتافيرس، فأغلبية الشركات التقنية التي تقوم بتصميم وتصنيع تقنيات ونظارات الواقع المعزز والافتراضي والمختلط، تعتمد على العين كعنصر رئيسي لاستخدام تقنياتها ونظاراتها، وكذلك للتفاعل مع المحتوى داخل الميتافيرس.
على سبيل المثال، تستخدم شركة Tobii، الرائدة لأكثر من 20 عاماً في مجال تقنيات تتبع العين، تقنيات متنوعة لتتبع وفهم وتحليل حركة العين، وتقوم بناء على ذلك بدعم عملائها ببيانات تساعدهم على تطوير خدماتها للمستخدمين، اعتماداً على حركة عيونهم وتركيزهم. إضافة إلى ذلك فإنها تسهل على عملائها فهم النقاط التي تجذب انتباه عين المستخدم، وبالتالي يتم في تلك النقطة وضع أهم الخدمات والمنتجات التي يرغب عملاؤها في جذب زبائنهم إليها.
وهذا تماماً ما ستعتمد عليه فكرة أماكن وضع المساحات الإعلانية داخل عالم الميتافيرس، فإن أنظمة تشغيل النظارات الذكية وتقنيات تتبع حركة العين ستحدد النقاط المميزة التي تجذب انتباه المستخدم، وتلك النقاط ستتغير بحسب طبيعة كل مستخدم، بحيث تحصد المساحات الإعلانية أعلى نسبة مشاهدة وتفاعل وتأثير.
وبحسب الموقع الخاص بمايكروسوفت لشرح طريقة عمل تتبع العين وتحليل حركتها، مع نظارتها HoloLens 2 للواقع المختلط، تؤكد الشركة أنه من أهم التطبيقات التي يمكنها استخدام البيانات الناتجة من ذلك التحليل لفهم ما يلفت انتباه المستخدم، خلال تجربته التي يعيشها داخل نظارته.
الخرائط الحرارية
بحسب المستندات المسرّبة من داخل شركة “ميتا”، فيسبوك سابقاً، فإن مدى انتشار المنشورات على منصة فيسبوك يتحدد من خلال الاعتماد على عدد النقاط التي تحصل عليها المنشورات، بناء على تفاعل المستخدمين معها، فكلما زادت أشكال التفاعل من ترك تعليقات وعمليات إعادة النشر Shares، وكذلك استخدام تفاعلات مختلفة Reactions بدلاً من زر اللايك، زاد انتشار تلك المنشورات وظهرت في قمة صفحة “النيوز فيد”.
وبذلك، فإن المنشورات الأكثر رواجاً على فيسبوك تعتبر من النقاط الساخنة Red Zones على الخرائط الحرارية Heat Map، وهي نوع من الخرائط التي يتم الاعتماد عليها لمعرفة أكثر النقاط التي تجذب المستخدمين، ويتواجدون فيها ويترددون عليها بشكل متكرر، وبالتالي تصبح مناطق مميزة.
وهذا النوع من الخرائط يتم استخدامه لأغراض كثيرة، منها ترتيب المنتجات داخل المحال التجارية، وكذلك بيع المساحات الإعلانية على السوشيال ميديا، وكذلك سيكون الحال مع بيع مساحات الإعلانات في الميتافيرس.
وجسّدت شركة ميتا هذه الفكرة، من خلال عرضها التوضيحي بشكل مقطع كارتوني لصديقتين تحضران تجمعاً بعد حفلة موسيقية لمغنيهما المفضل داخل الميتافيرس، فتُفاجآن بوجود مساحة إعلانية تستعرض منتجات مختلفة تتعلق بحبهما للمغني، وكذلك بعض المقتنيات القيّمة المشفرة NFT، وبالتأكيد كل ذلك يمكن شراؤه مباشرة بعملات افتراضية في العالم الرقمي الجديد.
منتجات أم أكواد؟
وستخرج المنتجات التي يتم الإعلان عنها من المنتجات المادية التقليدية إلى منتجات افتراضية، إذ بدأ العديد من العلامات التجارية تقديم مجسمات ثلاثية الأبعاد يمكن لجمهورهم أن يشتريها داخل عالم الميتافيرس، بحيث يمكنهم جعل شخصياتهم الافتراضية Avatars يرتدونها عندما يلتقون أصدقاءهم ويستمتعون بالتجارب الرقمية المختلفة.
فعملاق مستحضرات التجميل “لوريال” قام منذ سنوات بإطلاق مجموعة ضخمة من مستحضرات التجميل الافتراضية التي تسهّل على الزبائن تجربة كل منتجاته رقمياً قبل شرائها على أرض الواقع.
تخيّل أن تقوم فتاة بتجربة بعض المستحضرات على نسختها الرقمية، عبر متجر إلكتروني في الميتافيرس، وتتقدم بطلب شراء من داخل المتجر، ثم يصلها بالفعل على عنوان منزلها في الحقيقة.
وظهر العديد من الشركات الناشئة التي تعمل في مجال المنتجات الافتراضية وخاصة الموضة، مثل DessX التي تقوم بتوفير كل مستلزمات أناقة شخصيتك الافتراضية، فيمكنك شراء ملابس افتراضية تستخدمها في الميتافيرس، وكذلك يرتديها الأفاتار الخاص بك في وسائل التواصل الاجتماعي ومكالمات الفيديو.
لا بد من التسويق للمشروعات التجارية كي تنجح، وحتى يتم التسويق لها يجب وضع الإعلانات بشكل مميز مدروس، يناسب طريقة رؤية عين المستخدم، بحيث يتم خطف انتباهه واستثماره ليرى إعلاناً عن منتج يناسب احتياجاته واهتماماته.
وقد طبقت شركة إيبك جيمز هذا الأسلوب بشكل مميز، عندما استضافت لعبتها الشهيرة بالعوالم المتداخلة المفتوحة “فورتنايت” العديد من الفعاليات المدفوعة، وكذلك الإعلانات مثل إطلاق إعلان فيلم Tenet داخل فعاليات Party Royale داخل اللعبة.
ويبقى السؤال الأهم: هل تتوقع أن يكون هناك زر Skip Ad بجانب الإعلانات لتتخطاها؟ بالتأكيد، سنعرف ذلك قريباً.
المصدر: الشرق