لم يتوقع الأميركي بريان شيلتون (64 عاما) أن يتعافى من مرض السكري الذي قلب حياته رأسا على عقب وتسبب في فقدان وظيفته، ويشعر الآن أن حياته “تغيرت تماما”.
حالة شيلتون تعزز الآمال بإمكانية إيجاد دواء لمرض السكري من النوع الأول، بعيدا عن وخز الإبر بالإنسولين الذي قد لا يتوافر للجميع، فضلا عن ارتفاع تكلفته، وذلك بطريقة علاجية جديدة تعتمد على الخلايا الجذعية.
ووفقا لما ترجم موقع “الحرة” تقريرا لصحيفة نيويورك تايمز استعرض حالة الأميركي الذي وصف ما حدث له بأنه “معجزة” وأشار إلى الطبيب وراء هذا الابتكار، الذي صمم على إيجاد علاج لهذا المرض بعد إصابة اثنين من أبنائه، به في مرحلة مبكرة من حياتهما.
والسكري من النوع الأول، وهو أقل شيوعا من النوع الثاني، ويظهر عادة في مرحلة الطفولة أو المراهقة، يحدث بسبب عجز البنكرياس عن إنتاج الإنسولين، أو عجز الجسم عن الاستخدام الفعال له، مما يحتم على المريض أخذ الإنسولين يوميا في شكل حقن.
وتشمل أعراض هذا الداء فرط التبول والعطش والجوع المستمران وفقدان الوزن وتشوش الرؤية والتعب. وعلى عكس مرض السكري من النوع الثاني، قد يؤدي النوع الأول لمضاعفات خطيرة تصل إلى الوفاة ما لم يحصل المرضى على حقن الإنسولين.
والعلاج الوحيد الآخر المتوفر هو زرع البنكرياس، لكنه لا يتوفر بشكل يتانسب مع عدد المرضى.
ويشير تقرير الصحيفة إلى عبء توافر الإنسولين للمرضى.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد قالت في تقرير هذا العام بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لاكتشاف الإنسولين، إنه لايزال بعيدا عن متناول الكثيرين.
تجربة مريرة ونهاية سعيدة
ويشير تقرير نيويورك تايمز إلى أن شيلتون كان يفقد وعيه أثناء العمل في خدمة البريد، مما أدى إلى إحالته إلى التقاعد بعد ربع قرن في الخدمة.
وهذا العام، دعي شيلتون إلى المشاركة في تجربة سريرية للمصابين بداء السكري من النوع الأول، كانت تجريها شركة “فيرتيكس” لاختبار علاج طوره عالم أميركي على مدى عقود.
وكان شيلتون المريض الأول الذي يخصع للتجربة، وفي 29 يونيو الماضي، حصل على حقنة من خلايا البنكرياس، نمت في المختبر عن طريق خلايا جذعية، والآن بات الإنسولين متوفرا تلقائيا لديه وبات قادرا على التحكم في مستويات الإنسولين في الدم.
وقال شيلتون، الذي قد يكون أول شخص يتعافى من المرض بالعلاج الجديد “إنها حياة جديدة تماما… إنها مثل معجزة”.
ترحيب خبراء
ورحب خبراء لم يشاركوا في التجربة بالنتائج. وقال الدكتور إيرل هيرش، خبير السكري في جامعة واشنطن للصحيفة الأميركية: “كنا نبحث عن شيء كهذا لعقود”، وأعرب عن تمنياته أن تتكرر التجربة في العديد من الأشخاص، وعدم حدوث آثار ضارة غير متوقعة، وقال إنه يريد أن يعرف ما إذا كانت الخلايا ستستمر مدى الحياة، أو إذا كان سيتعين تكرار العلاج.
وقال الدكتور بيتر بتلر، خبير مرض السكري في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: “إنها نتيجة رائعة.. أن تكون قادرا على عكس مرض السكري من خلال إعادة الخلايا المفقودة إلى الجسم يشبه معجزة اكتشاف الإنسولين قبل 100 عام”.
وحث الخبراء على ضرورة توخي الحذر بشأن النتائج، ودعوا إلى الانتظار لتنتهي التجارب التي سوف تستمر 5 سنوات، وتشمل 17 شخصا يعانون من حالات شديدة من مرض السكري من النوع الأول، ونبه الخبراء إلى أنها لا تنطبق على مرضى السكري من النوع الثاني الأكثر شيوعا.
تجربة عائلية وراء الابتكار
وتقول الصحيفة إن عالم الأحياء في جامعة هارفارد، دوغ ميلتون، كان قد بدأ البحث في العلاج الجديد بعد أن أصيب ابنه الرضيع “سام”بالمرض عام 1991، بينما لم يتجاوز ستة أشهر من العمر، ثم اكتشف لاحقا إصابة ابنته “إيما”، التي تكبر سام بأربع سنوات، بالمرض ذاته، عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها.
وبعد معاناة ابنه من وخز الإبر وعدم توافر الإنسولين، صمم ميلتون على إيجاد علاج لمرض السكري، ودرس مسألة تحويل الخلايا الجذعية الجنينية، إلى خلايا تنتج الإنسولين لعلاج المرضى.
وحصل العالم على تمويل خاص من معهد هوارد هيوز الطبي، وجامعة هارفارد، وآخرين، لإنشاء مختبر، ودرس وفريقه المسألة لمدة 20 عاما.
وبعد 10 سنوات من الفشل في إنتاج خلايا تنتج الإنسولين، حدثت “المعجزة” أخيرا عندما رصدت باحثة الدكتوراه فيليسيا باجليوكا في المختبر، في إحدى الليالي عام 2014 تحول الخلايا الجذعية إلى اللون الأزرق، ما كان إشارة إلى الحصول على خلايا البنكرياس.
وأنشأ الدكتور ميلتون بعد ذلك شركة أجرت تجاربها على الفئران والجرذان، وأظهرت بالفعل أن العلاج يعمل بشكل جيد، ثم استحوذت “فيرتيكس” على الشركة لإجراء التجارب السريرية، التي تقدم شيلتون للمشاركة فيها، وحصل على أدوية مثبطة للمناعة حتى لا يوقف جهاز المناعة لديه عمل الخلايا الجديدة.
وبعد أيام قليلة من العملية، قاس شيلتون نسبة السكر في دمه ووجدها مثالية، وحتى بعد أن تناول مع زوجته وجبة عادية، اكتشف أن السكر في دمه بقي في المعدل الطبيعي.