تلقى آلاف الطيور حتفها سنويًا عندما تقترب جدًا من طائرة تحلق في الأجواء دون أن تتمكّن من الابتعاد عنها، فتصطدم بها.
وفي عام 2019، أبلغت إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) عن أكثر من 17 ألف حالة اصطدام بالطيور في الولايات المتحدة وحدها، مع تسجيل آلاف من الحوادث الأخرى المبلغ أو غير المبلغة عنها، حول العالم.
وتقع هذه معظم هذه الاصطدامات على ارتفاع يناهز 914 مترًا، وذلك خلال عمليتي الإقلاع والهبوط، مع تسجيل نسبة 3% فقط خلال مسار الطائرة.
قد تشكّل المساحات الشاسعة في المطار مغناطيسًا جاذبًا للطيور المهاجرة، والأسراب المقيمة التي قرّرت العيش بالقرب من المدرج.
وتستخدم فِرَق إدارة الحياة البرية في المطارات الألعاب النارية، والأضواء، والليزر، والكلاب، والطيور الجارحة، بما في ذلك الصقور، والنسور، في محاولة لإخافة الطيور وإبعادها عن أجواء المطار.
وفيما تقلّل هذه الجهود من فرصة الاصطدام بالطيور، إلا أن قادة الطائرات ما برحوا يتعاملون مع الحوادث الوشيكة مع الطيور، الكبيرة أو الصغيرة الحجم.
المخاطر التي تفرضها الطيور
وقد تكون نسبة وقوع حادث كارثي ضئيلة، إلا أنه سبق أن وقعت حوادث تسببت بأضرار جسيمة لهيكل الطائرة.
ويرجّح أنّ أكثر حادث مروع لاقى شهرة هو ذلك الذي وقع في يناير/كانون الثاني عام 2009، المعروف بـ”معجزة على نهر هدسون، حين إقلاع طائرة من طراز “إيرباص A320” للخطوط الجوية الأمريكية من مطار لاغوارديا في نيويورك واصطدمت بسرب من الإوز الكندي.
وأدى ذلك، إلى فشل المحركين بعد ابتلاع الطيور الكبيرة. وقام الكابتن تشيسلي سولينبرغر، والضابط الأول، جيف سكيلز، بتوجيه الطائرة بمهارة للهبوط فوق مياه نهر “هدسون”، وتم إنقاذ جميع أفراد الطاقم، والركاب.
لكنّ هذا الأمر لا يسري على أولئك الذين كانوا على متن رحلتين، أوائل الستينيات.
فبعد إقلاعها من بوسطن في أكتوبر/تشرين الأول عام 1960، فقدت طائرة “Lockheed Electra” قوة المحرك بعد اصطدامها بسرب من طيور الزرزور، ولقي 62 شخصًا حتفهم جراء هذا الحادث المأساوي.
وفي 1962، اصطدم عصفوران بذيل طائرة “Vickers Viscount” خلال هبوطها من ارتفاع 1828 مترًا.
وكان الاصطدام شديداً لدرجة أن جهاز الموازن الأفقي أخفق، وتحطّمت الطائرة، وفارق 17 شخصًا الحياة.
وأدّت هذه الحوادث إلى قيام منظمي الطيران حول العالم بفحص معايير الاعتماد الخاصة بالطائرات، والمحرّكات التجارية، وتطوير طريقة لاختبار مكوّنات الطائرة في حال الاصطدام بالطيور.
تطوّر مدفع الدجاج
بين المنظمات الرائدة، عندما يتعلّق الأمر باختبار الطائرات، مركز الأبحاث الفضائية الجوية (Aerospace Research Centre) التابع للمجلس الوطني للبحوث في كندا (NRC)، ومقره في عاصمة البلاد، أوتاوا.
في أعقاب الحادثتين اللتين وقعتا في الستينيات، أنشأ المجلس،مع خبراء من الجيش، ومنظمي طيران، ومصنعين، وطيارين لجنة للتحقيق في حوادث الاصطدام بالطيور، وأنشأ جهازًا لاختبارها.
وقامت اللجنة بجولة على مرافق المملكة المتحدة، واعتمدت مفهوم تصميم من المؤسسة الملكية للملاحة الجوية (Royal Aeronautical Establishment)، وهو عبارة عن مدفع يعمل بالهواء المضغوط.
وأما الذخيرة المُستخدمة؟ فهي عبارة عن جيف طيور.
دواجن من الدرجة الفضائية الجوية
واليوم، يمتلك فريق المجلس الوطني للبحوث في كندا أربعة مدافع في مستودع الأسلحة، ذات تجاويف يبلغ قطر كل منها تباعًا نحو 9، و12،7، و15،24 سنتيمترات، وما يُعتقد أنه أكبر مدفع في العالم، “Super Cannon”، يبلغ قطر تجويفة 43،8 سنتيمترًا.
وفي مرفق محاكاة الاصطدام خلال الطيران التابع للمجلس، يتواجد نوعان مختلفان من اختبارات اصطدام الطيور التي يتم اختبارها.
وتستهدف إحدى الاختبارات المكونات الهيكلية للطائرة، مثل الزجاج الأمامي، وأقسام الجناح، والذيل، بينما يقوم الاختبار الآخر بإطلاق طائر إلى محرك يعمل.
ومع تحديد لوائح اعتماد الطائرات لحجم ووزن الطائر المُستخدم، وسرعة الارتطام على مُكَوِّن معين، يمكن لفريق NRC أن يستغرق أسابيع لتحضير اختبار.
وفي مقابلة مع CNN، قال كبير الباحثين في المجلس، عزالدين دادوش إنّ “الجزء الأول هو معايرة المدفع للتأكد من أننا نطلق الطائر بالسرعة المطلوبة”.
وأضاف دادوش: “لإجراء اختبار المعايرة، يمكننا استخدام الطيور الهلامية، أو الدجاج الذي نشتريه من متجر البقالة. وبمجرد أن نكون في النطاق، نستخدم طيوراً حقيقية لإنهاء المعايرة، وبالطبع، نحن نستخدم طيوراً حقيقية للقيام باختبار الاعتماد. وتدخل الطيور، النافقة منها دائماً فقط، المدفع بريشها وكل أعضائها”.
أسرع دجاجة في العالم
ويتم تحديد مزيج ضغط الهواء في الخزان، ووزن القذيفة، وطول البرميل السرعة التي سيصطدم بها الطائر مادة الاختبار بما يتناسب مع السرعات التي تستخدمها الطائرة المستهدفة أثناء الإقلاع، والتصاعد الأولي، والطيران، والاقتراب، أو الهبوط.
ولكن، في أواخر السبعينيات، أجرى المجلس اختبارات بسرعات أعلى بكثير، تفوق سرعة الصوت.
ووصلت سرعة مقذوف هلامي يزن رطلين إلى 1,36 ماخ، أو أكثر من 1,600 كيلومتر في الساعة تقريباً.
وبلغت سرعة اختبار آخر مع طائر حقيقي بلغ وزنه رطلين 1346 كيلومترًا في الساعة.
وأدى ذلك إلى ملصق، لا يزال يزين جدار المجلس، يعلن بفخر أن منشأة الأبحاث “موطن أسرع الدجاجات في العالم”.
وهناك مدافع أصغر تعمل لدى الشركات، ومختبرات الأبحاث حول العالم، ولكن تم تكليف “Super Cannon” التابع للمجلس بمهمة جديدة، وهي اختبار ارتطام طائرات الـ”درون” بدون طيار.
وانتشرت طائرات الـ”درون” بالقرب من المطارات بشكل خطير.
وأكّد دادوش: “هذا مجال مهم للغاية يعمل عليه الكثير من منظمي الطيران بسبب عدم وجود لوائح تتعلق باصطدام الطائرات بدون طيار (حالياً).
المصدر: CNN