يعتقد البعض أن جميع مجموعة الديناصورات الآكلة للحوم الأكثر غرابةً على الإطلاق، والتي يُطلق عليها اسم “سبينوسوريد” تشبه الديناصور العملاق ذا الأشواك الطويلة على ظهره “سبينوصورس”، والذي لعب دور البطولة في الجزء الأول من سلسلة أفلام “جوراسيك بارك”.
ومما لا شك فيه أن هذه المجموعة من الديناصورات تحديدًا ما زالت محيرةً للعلماء إلى يومنا هذا، سواء بالنسبة لمكانها الأصلي أو من حيث سلوكياتها الغريبة ونوع الغذاء الخاص بها؛ إذ يتغذى بعضها على الأسماك، ويتغذى بعضها الآخر على الزواحف الطائرة، هذا إلى جانب طول الشوكة العصبية للفقرات مقارنةً ببقية الديناصورات.
وفى السياق، ذكرت دراسة نشرتها دورية “بلوس وان” أن فريقًا من الباحثين عثر على نوع جديد من ديناصورات الـ”سبينوسوريد” الشرسة عاش في البرتغال منذ حوالي 125 مليون سنة، وتميز بأن له جمجمة تشبه جمجمة التمساح، وتمتع بالقدرة على الخوض في المياه وافتراس الأسماك العملاقة للتغذي عليها.
يوضح “داريو لوبيز” -المتخصص في الحفريات الفقارية بمدرسة نوفا للعلوم والتكنولوجيا بالبرتغال ومتحف “دا لورينها”، والباحث الرئيسي في الدراسة- أن “الباحثين ذهبوا في صيف عام 2020 إلى محجر سبق أن اكتشفوا فيه عظامًا لهذا الديناصور بحثًا عن مزيد من هذه العظام؛ لمراجعة نوع هذا الديناصور الغامض ودراسة صلته ببقية ديناصورات السبينوسوريد الشرسة”.
يقول “لوبيز” في تصريحات لـ”للعلم”: تلك المخلوقات فتاكة وعديمة الرحمة، ذهبنا إلى أحد شواطىء جزيرة أيبيريا وفيها بعض طبقات الصخور التي تحتوي على عظام الديناصورات المتحفرة وفي نفوسنا الرعب وفي أعيننا نظرات التأهب، وكانت المفاجأة أن لحظات الرعب التي عاشها الفريق البحثي لم تكن بسبب الديناصورات، بل بسبب مطاردة بعض الكلاب لنا، والتي كان يمتلكها صاحب بيت قريب جدًّا من مكان التنقيب، تخيلنا لبرهة من الوقت استحالة التنقيب في هذا المكان، وفقدنا الأمل في العثور على العظام المتحفرة، لكن وبعد محاولات، أصبحت الكلاب في غاية الود، واستطعنا أخيرًا العثور على فقرات الديناصور، وهنا كانت اللحظة الأكثر إثارة.
درس الباحثون الفقرات المتحفرة، ثم أعادوا دراسة العينات القديمة، واتضح أنها ترجع إلى نوع جديد من ديناصورات الـ”سبينوسوريد” لم يكن معروفًا من قبل.
سُمّي الديناصور الجديد باسم “أيبيروسبينس ناتاروي”(Iberospinus natarioi)؛ حيث اشتُق الجزء الأول من الاسم (أيبير) من جزيرة أيبيريا البرتغالية، التي اكتُشفت عينات الدراسة على ضفاف أحد شواطئها، أما “سبينس” فتعني ذو الأشواك نسبةً إلى مجموعة ديناصورات سبينوسوريد التي ينتمي إليها، أما اسم النوع (ناتاروي) فيرجع إلى هاوٍ لجمع الحفريات (كارلوس ناتاروي)، وهو أول مَن عثر على حفريات الديناصور في هذا المكان.
وبمقارنة العينات من جميع أنواع الـ”سبينوسوريد” بالكثير من الديناصورات آكلة اللحوم المكتشَفة حول العالم، اتضح جليًّا وجود قرابة بين النوع البرتغالي الجديد “أيبيروسبينس ناتاروي” والـ”سبينوسوريد” المكتشفة سابقًا من أفريقيا مثل ديناصور سوكومايمس (Suchomimus)، وقد أشارت بعض الدراسات السابقة التي تمت على أنسجة “أيبيروسبينس ناتاروي” العظمية أن هذا الديناصور مات عن عمر 23-25 سنة، أي أنه فرد بالغ؛ إذ تبلغ هذه الديناصورات عند سن 13-15 سنة.
يقول “لوبيز”: كانت مفاجأةً حقيقيةً بالنسبة لجميع أفراد الفريق العلمي؛ إذ كان من المتوقع أن تُظهر شجرة الأنساب علاقة قرابة وثيقة بين نوع “أيبيروسبينس ناتاروي” البرتغالي الجديد وديناصور “باريونكس” (Baryonyx) الأوروبي، لكن شجرة الأنساب كشفت قرابة نوعنا الجديد مع السبينوصورات الأفريقية من نوع “سوكومايمس”، كما أظهرت الدراسات التشريحية تشابهًا شديدًا بين رأس ديناصور “أيبيروسبينس ناتاروي” مع رأس التمساح، وبدراسة السلوك لهذا الديناصور تمكَّن العلماء من إثبات قدرته على الخوض في المياه واعتماده في تغذيته على الأسماك.
ويتابع: نسعى إلى اكتشاف مزيد من ديناصورات الـ”سبينوسوريد” في الصخور الأقدم في غرب أوروبا للتحقق مما إذا كانت أوروبا هي الموطن الأصلي لتلك المجموعة من الديناصورات أم أن هناك سيناريو آخر لم نتوصل إليه بعد.
اقرأ أيضاً: عهد الديناصورات على الأرض انتهى خلال الربيع
انتهى عهد الديناصورات على الأرض خلال فصل الربيع في نصف الكرة الشمالي، مع سقوط كويكب عملاق قبل حوالى 66 مليون سنة، ما أدى إلى واحدة من أكبر مراحل انقراض الأجناس على الكوكب، بحسب دراسة حديثة.
وأوضحت المعدة الرئيسية للدراسة ميلاني دورينغ خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء أن تحديد هذا الفصل مهم للمساعدة في فهم “كيف نجا ما تبقى من الديناصورات وكيف ازدهرت بعدها”.
يستحيل علميا في مثل هذا النطاق الزمني، وضع تقويم دقيق لتاريخ الحدث الذي وقع في منطقة تشيكشولوب بشبه جزيرة يوكاتان الحالية في المكسيك. وتسبب اصطدام الكويكب، أو ربما قطعة من مذنّب وفقًا لدراسة حديثة، في سلسلة كوارث أعقبتها اضطرابات مناخية.
نهاية العصر الطباشيري
وشكلت هذه الحوادث نهاية العصر الطباشيري وزوال أسياد هذه الحقبة عن الأرض، أي الديناصورات غير الطيرية، مما انعكس أيضا في الهواء عبر انقراض التيروصورات أي الزواحف الطائرة.
وقدّم الفريق بقيادة عالمة الاحاثة وطالبة الدكتوراه ميلاني دورينغ والمتخصص في الفقاريات دينيس فويتن، وكلاهما في جامعة أوبسالا السويدية، إضاءة مهمة على الحدث من خلال دراسة أحافير أسماك.
واحتفظ موقع تانيس في ولاية داكوتا الشمالية الأميركية حاليا، بذكرى هذا الانقراض، إذ يضم مجموعة من الأنواع المتحجرة عُثر على معظمها تحت رواسب مد بحيري، وفق الدراسة.
في هذه الظاهرة، اجتازت موجات الزلزال الصدمية في بضع عشرات من الدقائق أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، ورفعت مياه بحر داخلي كان يمر في قارة أميركا الحالية، ما قضى على كل أشكال الحياة في طريقه.
شتاء “نووي”
في تانيس، درس العلماء بقايا ثلاثة من أسماك الحفش وثلاثة أخرى من نوع الأسماك المجدافية، مستخدمين على وجه الخصوص تحليلا عالي الدقة عبر التصوير المقطعي بالأشعة السينية من المرفق الأوروبي للإشعاع السنكروتوني في مدينة غرونوبل الفرنسية.
وأثبت الباحثون في البداية أن الأسماك هلكت بالفعل خلال موجة المد البحيري التي كانت مصحوبة بسيل من الكرات الزجاجية، إذ سُجل طوفان حقيقي من رمال تحولت إلى زجاج بفعل حرارة الاصطدام وتناثرت في الهواء، قبل أن يسقط على الأرض مرة أخرى لمسافات كبيرة.
ونفقت الأسماك “في غضون 15 إلى 30 دقيقة” بعد الاصطدام، بحسب ميلاني دورينغ. والدليل على ذلك هو أن كان لديها ما يكفي من الوقت لتناول كمية كافية من الماء لتمكين الجهاز التابع للمرفق الأوروبي للإشعاع السنكروتوني من التعرف على الكريات الموجودة في الخياشيم، ولكن ليس بما يكفي لنقلها إلى الجهاز الهضمي.
في المرفق الأوروبي المذكور، أتاحت دراسة مجهرية لتكوين عظام المتحجرات الاستخلاص بأن هذا التكوين الذي يحدث في دورة نمو سنوية، كان في المرحلة الأولى من دورة جديدة.
مرحلة النمو المتجدد
وأوضح دينيس فويتن في المؤتمر الصحفي “كانت الخلايا العظمية صغيرة نسبيا، لكنها كانت في بداية مرحلة النمو المتجدد، وهو ما يحصل عادة في الربيع”.
وتم تأكيد النتيجة من خلال تحليل التركيز في عظام نظير جزيء الكربون، والذي يرتفع تبعا لغنى النظام الغذائي بالعوالق، وهي بدورها موسمية.
وخلصت ميلاني دورينغ إلى أن “الأسماك نفقت في الربيع وانتهى عهد الديناصورات في الربيع”.
وقد كان للاصطدام، والذي تعادل قوته بالحد الأدنى عشرات المليارات من قنابل هيروشيما الذرية، تبعات على الكوكب بأسره، بعضها فوري تجلى بإبادة كل أشكال الحياة القريبة ونشوب حرائق هائلة امتدت لمسافات بعيدة.
كذلك كان لذلك تبعات على المدى الأطول، من خلال إحداث شتاء “نووي” لسنوات: فقد أدى القذف الهائل للكبريت والغبار إلى تكوين رذاذ في الغلاف الجوي تسبب في هطول أمطار حمضية وحجب أشعة الشمس، وبالتالي تقليل عملية التمثيل الضوئي.
انقراض انتقائي
وقد أدى موت النباتات إلى تجويع الحيوانات العاشبة، مثل الصربوديات، وهي ديناصورات كبيرة. ويفترض العلماء أن الكارثة أصابت حيوانات نصف الكرة الشمالي بشكل أشد، في أوج مرحلة التكاثر والنمو خلال الربيع، مقارنة بالجنوب الذي دخلت بعض أنواعه مرحلة سبات وراحة.
وتسبب هذا الحدث في “انقراض انتقائي”، بحسب ميلاني دورينغ التي قالت إنه “من أجل البقاء على قيد الحياة في الشتاء النووي، كان يجب الإفلات أولا من الاصطدام، وبالتالي كانت الفرص أعلى للكائنات التي كانت قادرة على السبات”.
وتشير الدراسة في هذا الصدد إلى أن النظم البيئية في نصف الكرة الجنوبي تعافت من الكارثة بسرعة أكبر من تلك الموجودة في الشمال.
المصدر: أ.ف.ب