اكتشف العلماء ثقبًا أسود ضخمًا يحاصر ثلاثة ثقوب سوداء أخرى ضمن القرص الهائل الذي يدور حوله، حيث يبدأ الزمكان بالالتواء والانحناء.
مع وجود ثلاثة ثقوب سوداء بهذا التقارب النسبي، تسود الفوضى بيئة الزمكان في المنطقة، إذ تتصادم موجات الجاذبية ما يؤدي إلى تمدد نسيج الكون وانفلاته، يمكن القول إنه لا يمكن العيش طويلًا في هذه الظروف
تأثير الثقب الأسود الهائل يؤدي إلى اندماج الثقوب السوداء الصغيرة:
كشف البحث الجديد عن حدث حيّر العلماء ظهر في مايو 2019 وهو موجة جاذبية غريبة. موجات الجاذبية تشابه التموجات التي تنتشر عبر الزمكان، إذ يتغير النسيج الفيزيائي نتيجة أحداث كارثية، مثل اندماج الثقوب السوداء. لكن الحدث في هذه الدراسة نتج عن ثقب أسود متوسط الحجم لا يمكن رؤيته بوضوح أو تفسيره.
الأمر الأكثر غموضًا أن المسار الدائري لهذه الموجة قد تغير بشكل غريب عند تقارب ثقبين أسودين. قال إيمري بارتوس، الفيزيائي بجامعة فلوريدا: «موجة الجاذبية (GW190521) هي الاكتشاف الأكثر إثارة للدهشة حتى الآن».
عندما ظهرت تلك الإشارة الغريبة أول مرة في البيانات، اعتقد العلماء أنه قد يكون ثقبًا أسود مندمجًا في مكان ما من الفضاء حيث تكثر الثقوب السوداء. عندما يموت نجم كبير تظهر ثقوب سوداء بحجم النجوم، قد تبلغ كتلة كل منها عشرة أضعاف كتلة شمسنا. تظهر الثقوب السوداء الهائلة في مركز المجرات -ومنها مجرتنا- وتختزن مواد تفوق مثيلاتها في الثقوب السوداء ذات الحجم النجمي بملايين المرات.
ثقب أسود هائل يتربص بالقرب من اندماج كارثي:
الاندماج الذي حدث عام 2019 أنتج غالبًا ثقبًا أسود متوسط الحجم بكتلة 100 – 1000 ضعف كتلة الشمس، لكن حدثًا آخر بالقرب منه جعل من الصعب فهم كيفية ظهور هذا الثقب بدقة.
افترض العلماء أن أحد الثقوب السوداء المشاركة في هذا التصادم كان جزءًا من ثقب سابق.
تبلغ كتلة الثقب الأسود الجديد نحو 142 ضعف كتلة شمسنا. لتفسير حدوث تصادمين متتاليين، اقترح العلماء أن الحدث كان قرب نواة مجرة نشطة، تحتوي ثقبًا أسود ديناميكي فائق الكتلة. في هذه المنطقة من الفضاء تنتشر الثقوب السوداء بكثرة، إذ تنتقل النجوم كبيرة الكتلة إلى مرحلة حاسمة من التحول.
تقدم الدراسة الجديدة تفسيرًا مختلفًا: عند الاصطدام، لم يكن الثقبان الأسودان يدوران أحدهما حول الآخر، وكانت مداراتهم ضخمة وبيضاوية الشكل وليست دائرية. وذلك أمر غير مسبوق.
الثقوب السوداء الهائلة تعطل اندماج الثقوب الصغيرة:
صمم الفيزيائيون نموذجًا يوضح تصادم الثقوب السوداء، مع افتراض وجود ثقب أسود ضخم قريب. عند إدخال ثقب أسود هائل إلى هذا النظام، فإنه يخلق قرصًا هائلًا من المادة يدور حوله، بشكل مشابه للنظام الشمسي لكنه أكبر بكثير.
بدلًا من الكواكب، يحيط بالثقب الأسود فائق الكتلة ثقوب سوداء نجمية أصغر، تنتشر في أنحاء القرص، مثل حفنة من الرخام الأسود تُلقى في قُمع. تحدد الدراسة هذا النموذج بوصفه نظامًا ثنائي الأبعاد، يتميز بالقوة الهائلة للجاذبية.
قال يوهان سامسينج، عالم الفيزياء الفلكية في معهد نيلز بور في الدنمارك، إن هذا قد يتسبب في حدوث اندماج غريب -شبه بيضاوي- بين ثقبين أسودين أصغر حجمًا، وهو احتمال قابل للحدوث بنسبة كبيرة.
بحسب قاعدة الميول اللامركزية، فإن نصف عمليات الاندماج في هذا القرص ليست دائرية.
قال عالم الفيزياء الفلكية بينس كوكسيس من جامعة أكسفورد: «في وسط كهذا، تكون السرعة والكثافة النموذجية للثقوب السوداء عالية جدًا، لدرجة أن الثقوب السوداء الأصغر تنفلت وتنتشر مثل كرات البلياردو، وتختفي الأزواج الدائرية».
بعد اكتشاف هذا الثقب الأسود الديناميكي الجديد، الخطوة التالية هي العثور على المزيد من تصادمات الثقوب السوداء في مثل هذه البيئات.
المصدر: interestingengineering.com ترجمة: ibelieveinsci
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تتوقع عدد الثقوب السوداء في الكون
نظرًا لعدم قدرتنا على رؤية الثقوب السوداء، يصعب تحديد عددها في كوننا الكبير الواسع، لكن هذا لا يعني أن ليس لدينا وسيلة قد تمكننا من اكتشاف ذلك. الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية هي النوى المنهارة للنجوم الضخمة الميتة، وقد مكّن بحث جديد يتضمن كيفية تشكل هذه النجوم والثنائيات وتطورها من استنباط طريقة جديدة لتقدير عدد الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية في الكون.
الرقم مذهل للغاية: 40 كوينتيليون أو 40.000.000.000.000.000.000 ثقب أسود، وهو ما يناهز 1٪ من المادة الطبيعية الموجودة في الكون المرئي.
يشرح عالم الفيزياء الفلكية أليكس سيسيليا من المدرسة الدولية للدراسات المتقدمة (SISSA) في إيطاليا: «يتمثل الجانب المبتكر لهذا العمل بالجمع بين نموذج مفصل للتطور النجمي وطرق متقدمة لتشكيل النجوم وإثراء المعادن في المجرات الفردية. هذا واحد من أقوى أوائل الحسابات الأولية لوظيفة كتلة الثقب الأسود النجمي عبر التاريخ الكوني».
الثقوب السوداء هي علامة استفهام ضخمة نحو فهمنا للكون، أو بالأحرى الكثير من علامات الاستفهام. ولكن إذا كانت لدينا فكرة جيدة عن عدد الثقوب السوداء الموجودة، فقد يساعد ذلك في الإجابة عن عدد من هذه التساؤلات.
تتمثل إحدى الطرق في تقدير تاريخ النجوم الضخمة في الكون. سنكون قادرين بعد ذلك على حساب عدد الثقوب السوداء التي يجب أن تكون في أي مساحة معينة من الفضاء، وقد يقدم الأمر أدلة على نمو وتطور الثقوب السوداء الهائلة التي تزيد عن ملايين أو بلايين المرات من كتلة الشمس التي تشكل نوى المجرات.
لقد اعتمد سيسيليا وزملاؤه نهجًا حسابيًا، إذ تضمنت أبحاثهم فقط الثقوب السوداء التي تتشكل من خلال تطور النجوم الفردية أو الثنائية، مع الأخذ بعين الاعتبار دور اندماجات الثقوب السوداء التي تنتج بدورها ثقوبًا سوداء ذات كتل أكبر قليلًا، ويمكن تقدير أعدادها بناءً على بيانات موجات الجاذبية.
سمح لهم ذلك بحساب معدل ولادة الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية بين 5 و 160 ضعف كتلة الشمس على مدى عمر الكون.
يشير معدل الولادة هذا وجوب ما يقرب من 40 كوينتيليون من الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية منتشرة في جميع أنحاء الكون المرئي اليوم، مع وجود عدد من الثقوب السوداء الهائلة ذات الكتلة النجمية ناتجةٍ عن اندماجات ثنائية لثقوب سوداء في التجمعات النجمية.
قارن الفريق نتائجهم ببيانات موجات الجاذبية، ووجدوا أن تقديرهم لمعدل اندماجات الثقوب السوداء كان متوافقًا جيدًا مع بيانات الرصد. يشير الأمر إلى أن اندماج التجمعات النجمية من المحتمل أن يكون وراء تصادمات الثقوب السوداء التي رأيناها.
بواسطة حساب معدل الولادة بمرور الوقت، تمكّن الباحثون أيضًا من استنباط تقديرٍ لعدد الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية في الكون المبكر. ومن غير الواضح إلى حد اللحظة كيف نمت هذه العمالقة بمثل هذه السرعة. تتعلق بعض الأسئلة الحالية بكتلة «بذور» الثقوب السوداء التي نشأت منها، سواء كانت ثقوبًا سوداء ذات كتلة نجمية صغيرة أو ثقوبًا سوداء ثقيلة متوسطة الكتلة.
سيوفر بحث الفريق أساسًا للتحقيق في هذه الأسئلة. هذه الورقة البحثيّة هي الأولى في سلسلة كاملة. ستبحث الأوراق القادمة في الثقوب السوداء متوسطة الكتلة والثقوب السوداء فائقة الكتلة للحصول على صورة أكثر اكتمالاً لتوزيع الثقوب السوداء عبر الكون.
يقول عالم الفيزياء الفلكية لومن بوكو من SISSA: «يقدم عملنا نظرية قوية لكيفية نشوء بذور صغيرة للثقوب السوداء الهائلة عند انزياح أحمر مرتفع، ويمكن أن يشكل نقطة انطلاق للتحقيق في أصل البذور الثقيلة التي سنتابعها في ورقة قادمة».