طور العلماء بالأردن إسفنجًا جزيئيًّا بلوريًّا يمكنه تجميع بخار الماء من الهواء، حتى في أشد الأحوال الجوية جفافًا، وإنتاج مياه صالحة للشرب عند الحاجة1، وتمكّن هؤلاء الباحثون -الذين يعملون في مركز البحوث المتقدمة بالجمعية العلمية الملكية (RSS) بعمان في الأردن- من دمج تقنيتهم تلك في جهاز مستجمع للمياه محمول وصغير الحجم.
وقد صرحوا بأن المعالجة التي طوروها، عند إجرائها باستخدام الكهرباء، تنتج لتر المياه الواحد بتكلفة تقل بنسبة 46% عن سعر المياه المعبأة والمتاحة تجاريًّا.
وتَجدُر الإشارة إلى أن الأردن تحتل المرتبة الثانية بين الدول الأكثر معاناةً من شح المياه، وفي هذا السياق يقول كايل كوردوفا، المدير التنفيذي للبحث العلمي بالجمعية العلمية الملكية، والمتخصص في علم كيمياء المواد: “إن تأمين الحصول على المياه يمثل أزمة وجودية، [لذا] سعينا للاستفادة من المخزون غير المستغَل في الغلاف الجوي، الذي يحتوي على كميات هائلة من المياه في شكل رطوبة”.
تعتمد هذه المعالجة على إطار فلزي عضوي (MOF)، وهو عبارة عن مادة هجينة تتألف من مراكز فلزية تربط بينها مجموعات من الروابط العضوية (المصنوعة من الكربون)، تحتوي الأطر الفلزية العضوية على بنى هيكلية ثلاثية الأبعاد، وعالية المسامية، ويؤدي تنويع المكونات الفلزية ومجموعات الروابط إلى خلق تنوُّع كبير في البنى الهيكلية الناتجة، ويستكشف الكيميائيون حول العالم إمكانيات تلك البنى في إجراء عمليات الفصل الجزيئي والتحفيز، من بين تطبيقات أخرى.
يحتوي الإطار الفلزي العضوي الذي يستخدمه كوردوفا وزملاؤه على مسام من شأنها التقاط جزيئات المياه من الهواء بشكل انتقائي، ويمكن تحفيزها بعد ذلك كي تُطلق ما جمعته على هيئة مياه سائلة.
ووجد الفريق أن التقلُّبات في درجات الحرارة والرطوبة لها تأثيرٌ كبيرٌ على كفاءة تجميع المياه، وكم الطاقة اللازمة لتشغيل الجهاز الذي ابتكروه، وقادهم ذلك إلى تطوير خوارزميات تحكُّم تُحسِّن من أداء دورات جمع المياه تلقائيًّا بما يتماشى مع الظروف البيئية، حسّنت هذه الميزة التي تساعد على التكيُّف الذاتي من أداء الجهاز لينتج 3.5 لترات من المياه لكل كيلوجرام من الإطار الفلزي العضوي يوميًّا.
يقول كوردوفا: “يمثل هذا زيادةً في كفاءة الإنتاج تعادل 169% مقارنةً بالجهاز التالي الأفضل أداءً”.
علاوةً على ذلك، يصف يويه-بياو جانج -الأستاذ بجامعة شنغهاي تك بالصين، والباحث المتخصص في الأطر الفلزية العضوية- الجهاز بأنه “إنجازٌ كبير، يدفع باستخدام الأطر الفلزية العضوية في مجال تجميع المياه من الغلاف الجوي خطوةً إضافيةً إلى الأمام نحو التطبيقات على أرض الواقع”، ويضيف أنه يشعر بالحماس لأن الأطر الفلزية العضوية “ستغير العالم عبر استخلاص المياه الصالحة للشرب من هواء الصحراء في الشرق الأوسط وأماكن قاحلة أخرى”، والجدير بالذكر أن جانج لم يشارك في ابتكار هذا الجهاز.
ويأتي مركز البحوث المتقدمة بالجمعية العلمية الملكية نتاجًا للمبادرة العالمية للعلوم2، التي بدأت في جامعة كاليفورنيا حيث عمل كوردوفا سابقًا، تتيح هذه المبادرة للعلماء المتمرِّسين أن يُنشئوا مراكز خبرة في البلدان التي تعاني من قواعد بحثية ضعيفة نسبيًّا، وهكذا يقدم باحثون مثل كوردوفا الإرشاد والتوجيه للباحثين الناشئين، يعلق كوردوفا على ذلك بقوله: ” تهدف المبادرة إلى توفير الفرص، وإضفاء الطابع الديمقراطي على إمكانية الاطلاع على الأبحاث العلمية في جميع أنحاء العالم”.
ويأمل الفريق الآن الانتقال سريعًا إلى مرحلتَي الاستغلال التجاري والتطبيق الواسع النطاق للجهاز الذي طوروه، يمثل تصنيع الأطر الفلزية العضوية الجزء الأكبر من تكلفة إنتاج الجهاز، لذا يتعاون الفريق مع شركاء محليين ودوليين من أجل تصنيع هذه المواد على نطاق واسع، ويعمل الفريق حاليًّا على تجربة نسخة تجارية أولية، ويأملون أن يُسهم الدعم المقدم من الحكومة الأردنية في تصنيع وحدات منزلية فردية بحلول العام القادم.
المصدر: “scientificamerican”