عند النظر إلى القمر في سماء الليل، سيكون من الصعب تخيل أنه يتحرك ببطء بعيدا عن الأرض. لكن هذا هو ما يحدث بالفعل.
في عام 1969، قامت بعثات أبولو التابعة لناسا بتركيب ألواح عاكسة على سطح القمر. وأظهر ذلك أن القمر يتحرك بما يقدر بـ3.8 سم بعيدا عن الأرض كل عام.
وأشارت الدراسة، التي نُشرت مؤخرا في مجلة PNAS، إلى أن المسافة بين كوكبنا والقمر قبل نحو 2.46 مليار سنة كانت تقدر بـ321.800 كم، بينما هي 384.400 كم حاليا، وكان طول اليوم 16.9 ساعة مقابل 24 ساعة اليوم.
وعندما تشكل القمر قبل حوالي 4.5 مليارات سنة كان أقرب بحوالي 16 مرة من الأرض، وهو ما جعله يظهر في الأفق أكبر بنحو 24 مرة.
لكن ما الذي من الممكن أن يحدث إن اختفى القمر تماما أو ابتعد عن الأرض سارحا في الفضاء؟ كيف سيؤثر ذلك على الحياة؟ وهل حدث أن اختفى القمر من قبل؟
وفقا لموقع “ساينس آلرت” Science Alert، فإن القمر اختفى تماما من سماء الليل لسبب غير مفهوم في مايو/أيار 1110، إلا أنه وبعد 900 عام تقريبا توصل العلماء إلى أن الغازات التي انبعثت من البراكين في ذلك الوقت قد غطت السماء وأن القمر لم يترك الأرض أبدا في الحقيقة.
أما في حال ابتعد القمر تماما عن كوكبنا أو اختفى، فستختلف الحياة على الأرض اختلافا جوهريا إن لم تكن معرضة لخطر الدمار، فالقمر ليس مجرد منارة للضوء في سماء الليل، إذ إن وجوده يعد أمرا حاسما لتحقيق التوازن الدقيق الذي يجعل الحياة على الأرض ممكنة.
ماذا سيحدث للمحيطات؟
وفق موقع المتاحف الملكية في جرينتش (Royal Museums Greenwich) فإن للقمر التأثير الأكبر على المد والجزر الذي نشهده على الأرض، وبدونه سيتقلص المد والجزر بنسبة تقدر بـ 75%. ولن يختفي المد والجزر تماما لأنه -في الوقت الذي يقوم القمر بمعظم الجاذبية التي تؤدي لوجود المد والجزر على الأرض- تلعب الشمس دورا أيضا.
وبدون المد والجزر ستتعرض للخطر حياة العديد من أنواع الحيوانات التي تعتمد على المد والجزر للبقاء على قيد الحياة مثل السرطانات وبلح البحر والقواقع البحرية مما يعطل النظام الغذائي للحيوانات الكبيرة التي تعتمد عليها في الغذاء. وهذا سيهدد بدوره النظم البيئية الساحلية بأكملها، ويمكن أن يؤدي إلى انقراضات جماعية.
إضافة إلى ذلك، فإن واحدة من أكبر أحداث التفريخ في العالم تحدث بالحاجز المرجاني العظيم في نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام الأيام التي تلي اكتمال ضوء القمر، حيث تطلق المستعمرات المرجانية عبر الشعاب المرجانية ملايين البويضات وأكياس الحيوانات المنوية على بعد دقائق من بعضها البعض. والعلماء على يقين من أن البدر يلعب دورا في اختيار هذا التوقيت، ولكنهم لا يعرفون كيف يحدث ذلك بالضبط.
ماذا سيحدث للطقس؟
تساعد حركات المد والجزر أيضا على استقرار مناخ الأرض، حيث تساعد على مزج مياه القطب الشمالي الباردة بالمياه الدافئة في المناطق الاستوائية. وهذا يوازن درجات الحرارة، ويعمل على استقرار المناخ في جميع أنحاء العالم.
وبدون وجود القمر ستكون التنبؤات الجوية مستحيلة عمليا، ويمكن أن يزيد متوسط الفرق بين أكثر الأماكن حرارة وأكثرها برودة على وجه الأرض إلى حدود قصوى تهدد الحياة.
ماذا سيحدث للحيوانات في الظلام؟
ذكر موقع “بيزنس إنسايدر” (Business Insider) أن القمر المكتمل يكون في المتوسط أكثر إشراقا بـ 14 ألف مرة من ألمع جسم في السماء ليلا، وهو كوكب الزهرة. وبالتالي في حال اختفاء القمر ستعاني الأرض من الكثير من الظلام الذي سيؤثر على حياة الحيوانات ليلا.
وتعتمد الحيوانات المفترسة على كل من ظلام الليل وقدر قليل من ضوء القمر للصيد بشكل فعال. وبدون أي ضوء في الليل ستواجه الحيوانات المفترسة صعوبة في العثور على الفريسة. ويمكن أن يتسبب هذا في تغيير جذري في النظام البيئي، وربما يؤدي إلى انقراض بعض الحيوانات المفترسة.
ماذا سيحدث للفصول؟
تميل الأرض حول محورها عند 23.5 درجة بسبب جاذبية القمر في الغالب. وبالتالي فإن قوة جاذبية القمر على الأرض هي التي تبقي كوكبنا في مكانه، وبدونها قد يتغير ميل الأرض بشكل كبير ليتأرجح ما بين 10 و45 درجة.
ويقدر بعض الخبراء أن كوكب المشتري يمكن أن يساعد في منع انحراف ميل الأرض تماما وخروجه عن السيطرة. ولكن حتى حدوث ميل إضافي بمقدار 10 درجات فقط يمكن أن يتسبب في فوضى مناخية على الكوكب.
الدليل على ذلك، أنه في السابق حينما تغير ميل الأرض بنحو 1-2 درجة فقط أدى ذلك إلى حدوث العصور الجليدية، وفقا لما يعتقده العلماء. لذا من الصعب معرفة ما سيفعله الميل بمقدار 10 درجات أو 45 درجة كاملة، ولكن من المؤكد أن ذلك لن يكون جيدا لمعظم أشكال الحياة على الأرض.
أما إذا زاد ميل الأرض إلى 90 درجة، فسيظل جانب واحد من الأرض في ظلام دامس لمدة 6 أشهر، وسوف تسطع الشمس على الجانب الآخر من الأرض لنفس المدة.
ماذا يحدث لمحور الأرض وعدد ساعات اليوم؟
وفق موقع “أسترونومي” (Astronomy) سيؤثر القمر المختفي أيضا على حركة الأرض حول محورها وعدد ساعات اليوم المتاحة لنا. فمنذ فترة طويلة من الزمن كانت الأرض تدور حول محورها لمدة 4 ساعات فقط، ولكن مع وجود القمر تباطأ دوران الأرض حول نفسها حتى وصل إلى 24 ساعة، وهو طول اليوم كما نعرفه الآن. وإذا اختفى القمر اليوم ستدور الأرض حول نفسها بشكل أسرع وتقل عدد ساعات اليوم مرة أخرى.
اختفاء مصدر معلومات مهم
إن اختفاء القمر أيضا يعني فقدان ثروة من المعلومات، ونظرا لكونه غير نشط جيولوجيا فإن القمر يعمل كمستودع للمعلومات حول شكل الأرض والنظام الشمسي منذ مليارات السنين.
وهذا غير متاح على الأرض بسبب النشاط التكتوني وعدم توفر صخور قديمة على الأرض. على سبيل المثال، فإن عدد الحفر الكبير على القمر يعني أنه كانت توجد فترة من القصف الثقيل من قبل الكويكبات منذ حوالي 4.1 -3.8 مليارات سنة.
كما أن التحليل الكيميائي لصخور القمر ساعدنا على معرفة مقدار المياه التي جلبتها المذنبات والكويكبات إلى الأرض. وباختصار: يقربنا التعرف على القمر أكثر من التعرف على تكوين الأرض.
يمكن القول أيضا إن القمر ليس ضروريا للحياة على الأرض فقط اليوم، حيث يعتقد الخبراء أن القمر ربما قد لعب دورا رئيسيا في نشأة الحياة على الأرض منذ أكثر من 3.5 مليارات سنة.
المصدر: ترجمات