حيرت درجات الحرارة الأكثر سخونة في الإكليل الشمسي من السطح المرئي للشمس علماء الفيزياء الشمسية منذ نحو قرن من الزمان.
وتمكن فريق دولي من العلماء من الحصول على إجابة جديدة على هذا السؤال، يشار إليها عادة باسم مشكلة التسخين الإكليلي، باستخدام بيانات رصد جديدة حصلوا عليها من تلسكوب Goode Solar Telescope (GST) الذي يبلغ ارتفاعه 1.6 مترا في مرصد “بيغ بير الشمسي” (BBSO)، والذي يديره مركز أبحاث الطاقة الشمسية الأرضية (CSTR)، التابع لمعهد نيوجيرسي للتكنولوجيا.
وفي الدراسة التي نُشرت في مجلة Nature Astronomy، كشف العلماء النقاب عن اكتشاف طاقة موجية مكثفة من منطقة بلازما باردة ومظلمة وممغنطة بقوة نسبيا على الشمس، قادرة على عبور الغلاف الجوي الشمسي والحفاظ على درجات حرارة تصل إلى مليون درجة كلفن داخل الهالة (الإكليل الشمسي).
ويقول الفريق إن هذا الاكتشاف هو أحدث مفتاح لكشف مجموعة من الألغاز ذات الصلة المتعلقة بأقرب نجم للأرض.
وقال ويندا كاو، مدير مرصد “بيغ بير الشمسي”، وأستاذ الفيزياء في معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا الذي شارك في الدراسة: “مشكلة التسخين الإكليلي هي واحدة من أكبر الألغاز في أبحاث الفيزياء الشمسية. إنها موجودة منذ ما يقارب القرن. من خلال هذه الدراسة، لدينا إجابات جديدة لهذه المشكلة، والتي قد تكون مفتاحا لحل العديد من الأسئلة المربكة في نقل الطاقة وتبديدها في الغلاف الجوي الشمسي، فضلا عن طبيعة طقس الفضاء”.
وباستخدام قدرات التصوير الفريدة لتلسكوب GST، تمكن الفريق بقيادة يوان دينغ في البداية من التقاط التذبذبات المستعرضة في أحلك وأبرد منطقة على الشمس، تسمى البقع الشمسية المظلمة (umbra).
ويمكن أن تتشكل مناطق البقع الشمسية المظلمة لأن المجال المغناطيسي القوي للنجم يثبط التوصيل الحراري ويعيق إمداد الطاقة من الداخل الأكثر سخونة إلى السطح المرئي (أو الفوتوسفير)، حيث تصل درجات الحرارة إلى ما يقارب 5 آلاف درجة مئوية.
وللتحقيق، قاس الفريق النشاط المتعلق بالعديد من السمات المظلمة التي تم اكتشافها في بقعة شمسية نشطة مسجلة في 14 يوليو 2015 بواسطة تلسكوب GST، بما في ذلك الحركات العرضية المتذبذبة لألياف البلازما داخل البقع الشمسية المظلمة حيث يكون المجال المغناطيسي أقوى بأكثر من 6 آلاف مرة من الأرض.
وأوضح فاسيل يورشيشين، أستاذ الأبحاث في الفيزياء الشمسية مركز أبحاث الطاقة الشمسية الأرضية، وكبير علماء مرصد “بيغ بير الشمسي”: “تظهر الألياف على شكل هياكل مخروطية الشكل بارتفاع نموذجي من 500-1000 كم، وعرضها نحو 100 كم”.
ويتراوح عمرها من دقيقتين إلى ثلاث دقائق وتميل إلى الظهور في نفس الموقع داخل أحلك أجزاء البقع الشمسية المظلمة (umbra)، حيث تكون الحقول المغناطيسية أقوى.
وأشار كاو: “لوحظت هذه الألياف الديناميكية المظلمة في منطقة الظل الشمسي لفترة طويلة، ولكن للمرة الأولى، تمكن فريقنا من اكتشاف التذبذبات الجانبية التي تمثل مظاهر موجات سريعة. وهذه الموجات المستعرضة المستمرة والمنتشرة في كل مكان في الألياف الممغنطة بقوة تجلب الطاقة إلى الأعلى من خلال قنوات مغناطيسية طويلة رأسيا وتسهم في تسخين الغلاف الجوي العلوي للشمس”.
وأضاف: “من خلال محاكاة عددية لهذه الموجات، يقدر الفريق أن الطاقة المنقولة يمكن أن تكون أقوى بآلاف المرات من فقد الطاقة في بلازما المنطقة النشطة في الغلاف الجوي العلوي للشمس، ما يؤدي إلى تبديد طاقة تصل إلى أربع مرات من الحجم أقوى من معدل التسخين اللازم للحفاظ على ارتفاع درجات حرارة البلازما الحارقة في الإكليل الشمسي”.
وقال يورتشيشين: “تم رصد موجات مختلفة في كل مكان على الشمس، ولكن طاقتها عادة ما تكون منخفضة جدا بحيث لا يمكنها تسخين الإكليل الشمسي. الموجات السريعة المكتشفة في البقع الشمسية هي مصدر طاقة دائم وفعال قد يكون مسؤولا عن تسخين الإكليل الشمسي فوق البقع الشمسية”.
وفي الوقت الحالي، يقول العلماء إن النتائج الجديدة لا تُحدث ثورة في نظرتنا للبقع الشمسية فحسب، بل تقدم خطوة مهمة أخرى نحو تعزيز فهم الفيزيائيين لعمليات نقل الطاقة وتسخين الإكليل الشمسي.
ومع ذلك، ما تزال ثمة أسئلة حول مشكلة التسخين الإكليلي قائمة. تابع كاو: “في حين أن هذه النتائج هي خطوة للأمام نحو حل اللغز، فإن تدفق الطاقة الخارج من البقع الشمسية قد يكون مسؤولا فقط عن تسخين تلك الحلقات المتجذرة في البقع الشمسية. وفي غضون ذلك، هناك مناطق أخرى خالية من البقع الشمسية مرتبطة بالحلقات الإكليلية الساخنة ما تزال تنتظر شرحها”.
المصدر: phys.org
المصدر: شهبا تك