تُراقب إسرائيل عن كثب ما يجري في سوريا الآن وتحديداً في جزئها الشمالي الشرقي باعتباره مفترق طرق مهم وملتقى قوى إقليمية، ما يجعله ساحة مهمة لحسم هوية القوى الفاعلة في سوريا خاصة والشرق الأوسط عامّةً، لا سيما في ظل الصياغة الجارية لنظام إقليمي جديد.
وحاولت كاسنيا سفتلوفا الباحثة الإسرائيلية في معهد "هرتسيليا" للدراسات الاستراتيجية المتعدد المجالات، أن تقرأ سيناريوهات الصراع النّفطي في سوريا، وذلك عبر مقال بعنوان "حرب النفط في سوريا- أضواء على روسيا في الشرق الأوسط".
تستهلّ سفتلوفا قراءتها بالعودة إلى الوراء لأربعة وعشرين شهراً؛ إذ تقول إنه "بعد نحو عامين على الإعلان المفاجئ للولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا، تعمل شركات النفط الأميركية على ترسيخ وجودها في شمال شرق سوريا وتوقّع اتفاقات مع ميليشـ.ـيات قسد رغماً عن استياء روسيا".
وفق الباحثة الاستراتيجية الإسرائيلية، فإنه رغم نجاح موسكو في تحقيق السيطرة على غالبية المناطق السورية لمصلحة نظام بشار الأسد، إلاّ أنّ حقول النفط الموجودة في الشمال الشرقي السوري ستبقى في الوقت الراهن خارج نطاق سيطرة الأسد وحلفائه.
بالنسبة إلى روسيا، ما يجري هو نقطة ضعف مهمة وعقبة في طريق تحقيق أهدافها في سوريا، والمتمثلة بالسيطرة على كل الأراضي، إضعاف اللاعبين الآخرين والسيطرة على الموارد الطبيعية، مثل الغاز والنفط والفوسفات. كذلك بقي خارج السيطرة محور المواصلات المهم في شمال شرق سوريا، والذي يُستخدم لنقل الغاز السوري إلى أوروبا، وأيضاً للربط بين إيران وكردستان العراق وتركيا وسوريا.
وتسلط قراءة الباحثة الإسرائيلية سفتلوفا الضوء على نقاط الضعف الروسي، وكأنها تريد أن تقول إن "شمال شرق سوريا ونفطه هو الفيصل بالانتصار والنفوذ لا غيره"؛ ذلك أنّ معظم النفط السوري موجود في منطقة شمال شرق سوريا، أي تحت سيطرة ميليشـ.ـيات قسد.
ويؤكد المقال أن الاتفاق الأخير المتعلق بتحديث حقول النفط في هذه المنطقة السورية بين قسد والشركة الأميركية "Delta Crescent"، والذي وُقّع قبل بضعة أيام، أثار ردوداً غاضبة، بصفة خاصة في الكرملين. بالاستناد إلى ما نشرته وسائل إعلام أميركية، يمنع أحد بنود الاتفاق المذكور قوات "قسد" من تقاسم أرباح استخراج النفط مع نظام بشار الأسد.
وبرز الغضب الروسي جليّاً على لسان الممثل الدائم لروسيا في مجلس الأمن حينما دعا مجدداً الولايات المتحدة إلى "إنهاء احتلالها للأراضي السورية وإعادة ثرواتها الطبيعية".
ويذهب معهد "هرتسليا" إلى تبيان أهمية هذا النفط بالأرقام؛ مشيراً إلى أن المداخيل من بيعه تبلغ حالياً نحو 40 مليون دولار، مؤكداً أنه ليس لدى الولايات المتحدة أي نية لإعادة مصدر الدخل هذا إلى يدي الأسد.
ومن أجل الدفاع عن حقول النفط شرقي نهر الفرات، بدأ الأميركيون بتشكيل وحدات خاصة تجمع بين الأكراد والعرب المتعاونين مع ميليـ.ـشيات قسد، وأيضاً عناصر من وحدات حماية الشعب الكردية، والغرض منها الرد على هجمات ميليشيات موالية لإيران تنشط في محافظة دير الزور.
في نهاية المعارك، اتضح لحلفاء بشار الأسد أن أغلبية مصادر النفط موجودة حالياً خارج سيطرتهم، وخاضعة لسيطرة كردية-أميركية. المتضرر جداً من ذلك هو إيران التي لم تنجح في الدفع قدماً بالسيطرة على البوكمال والقائم، المنطقة الواقعة بين سوريا والعراق من أجل إقامة ممر مفتوح للمواصلات بين إيران والعراق وسوريا.
وهنا، تواجه إيران أيضاً منافسة من جانب روسيا التي لا تسمح لها بتوقيع اتفاقات مربحة في مجال الطاقة مع دمشق، خاصة وأن شركات النفط الروسية حصلت على حقوق التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية (وزارة الطاقة في نظام الأسد قدّرت أن مخزون الغاز البحري يصل إلى نحو 250 مليار متر مكعب).. لكن الباحثة الإسرائيلية كاسنيا سفتلوفا تقول إن "التجربة اللبنانية تقدم نموذجاً على أن حقوق التنقيب لا تُترجم بالضرورة إلى أرباح مؤكدة".
وتذهب الدوائر الإستراتيجية في تل ابيب إلى استشراف السيناريوهات المحتملة بشأن مصير حقول النفط في شمال شرق سوريا مستقبلاً.. إذ تعتقد أن روسيا لن تتنازل عن تجربة استعادة الأسد السيطرة على شمال شرق سوريا، من أجل الحصول على أرباح من استخراج النفط في المنطقة وتغطية نفقات الحرب، وأيضاً من أجل تحقيق استقرار الاقتصاد السوري.
وتتنبأ أوساط أمنية إسرائيلية بازدياد الاحتكاك الحالي بين القوات الروسية والأميركية، موضحة أن المحاولة الأخيرة للسيطرة بالقوة على حقول النفط في شمال شرق سوريا بدأت فعلياً في سنة 2018. وبحسب تقارير أجنبية، قُتـ.ـل هناك مئات من مقاتـ.ـلي القوة العسكرية الروسية الخاصة "فاغـ.ـنر". ويُتوقّع أن تتكرر هذه المحاولات كلما ازداد وضع سوريا الاقتصادي تفاقماً.
ما تعتبره إسرائيل "خطـ.ـراً" في هذا الملف هو أن أي قرار أميركي بالتنازل عن الوجود في شمال شرق سوريا أو التوصل إلى اتفاق يسمح بتوزيع أرباح النفط بين "قسد" ونظام الأسد وروسيا، يعني أن يصبح محور المواصلات الذي يمكن أن يربط إيران بالعراق وسوريا ودول أُخرى متاحاً أكثر للإيرانيين مما هو اليوم.
وترصد "المدن" ترجيحات "الأمن القومي" الإسرائيلي بأن الاستراتيجية الأميركية ذاهبة نحو البقاء في سوريا، لتحقيق أهداف عديدة، وهي: مدخول مادي مهم، قطع التواصل البري الإيراني (بالإضافة لخطتها في العراق)، تحديد الدور الروسي في سوريا والشرق الأوسط عموماً، ومروراً بتهديد المصلحة الوطنية التركية العليا التي تتحسس من الصعود الكردي.
المصدر: المدن