إذا كان كل لتر من ماء البحر يحتوي على 35 غراما من الأملاح المذابة فيه، فإن كل لتر من المياه العذبة يحتوي على 0.5 غرام فقط
تشير التقديرات إلى وجود ما يكفي من الملح في محيطات العالم لتغطية جميع أسطح اليابسة بطبقة يبلغ سمكها حوالي 40 طابقا؛ حيث إن حوالي 3.5% من وزن مياه البحر يتكون من الأملاح الذائبة.
لكن مياه البحر لم تكن دائما مالحة جدا، وعندما تشكلت محيطات الأرض لأول مرة منذ حوالي 3.8 مليارات سنة -حينما برد سطح الكوكب بدرجة كافية للسماح لبخار الماء أن يتحول إلى سائل- كانت المحيطات في الغالب مياه عذبة. إذن من أين أتى كل هذا الملح؟
يمكن القول إن الصخور الموجودة على الأرض هي المصدر الرئيسي للأملاح الذائبة في مياه البحر. ولكن كيف تصل أملاح الصخور إلى هناك؟
الجريان السطحي للماء العذب
وفقا لموقع “ذا كونفرسيشن” (The Conversation) يغمر الماء ثلثي سطح الأرض، وإن 97% منه مياه مالحة و3% فقط مياه عذبة، و2% محاصرة ومجمدة في القمم الجليدية والأنهار الجليدية والتربة، وهذا يترك لنا أقل من 1% من المياه العذبة والسائلة في الأنهار والبحيرات والجداول، وبالرغم من ذلك تلعب المياه العذبة هذه الدور الأكبر في ملوحة البحار.
ويتحرك الماء حول كوكبنا في دورة تعمل بالطاقة الشمسية، من البحر إلى الغلاف الجوي ثم الأرض ثم العودة إلى البحر. وحسب موقع “كوزموس مغازين” (Cosmos Magazine)؛ فإن المطر الذي يسقط من السماء ليس مجرد ماء نقي، حيث إن بخار الماء يمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي مشكلا حمض “الكربونيك” (H2CO3)، وبالرغم من كونه حمض ضعيف؛ فإنه يسبب التآكل.
ويتساقط حمض الكربونيك على الصخور الغنية بالملح، ويتخللها ببطء فيذيب كميات صغيرة من الأملاح المعدنية بما في ذلك الصوديوم والكلوريد، والتي تدخل الماء بعد ذلك.
ويحمل الجريان السطحي للماء الملح ببطء إلى البحيرات والأنهار القريبة، والتي بدورها تحمله إلى البحار. وعلى الرغم من أن الكمية المودعة من أي منفذ واحد تكون صغيرة؛ فإن مساهمة ملايين المنافذ على مدى ملايين السنين أدت تدريجيا إلى زيادة ملوحة المحيطات.
الانفجارات البركانية تحت الماء
تأتي بعض أملاح المحيطات أيضا من الانفجارات البركانية تحت الماء، والتي تطلق المعادن مباشرة في الماء.
ويمكن مقارنة البراكين الموجودة في البحار بتلك الموجودة فوق سطح الأرض باستثناء أن حممها البركانية تبرد بسرعة أكبر بكثير، مما يسمح لها بالنمو السريع وتكوين الجزر. كما تعمل الصهارة التي تنفجر من خلال الشقوق على غلي المياه المحيطة، وإطلاق آلاف الأطنان من الملح خلال هذه العملية.
الفتحات في قاع المحيطات
تذكر صفحة “الخدمة الوطنية الأميركية للمحيطات” (National Ocean Service) أن هناك مصدرا آخر للأملاح في المحيط وهو السوائل الحرارية المائية، والتي تأتي من الفتحات الموجودة في قاع البحر.
وتتسرب مياه المحيط إلى الشقوق في قاع البحر ويتم تسخينها بواسطة الصهارة من قلب الأرض، فتتسبب الحرارة بسلسلة من التفاعلات الكيميائية، وتفقد المياه خلالها الأكسجين والمغنيسيوم والكبريتات، وتلتقط المعادن مثل الحديد والزنك والنحاس من الصخور المحيطة.
قباب الملح
تسهم قباب الملح أيضا في ملوحة المحيط. وقباب الملح هي رواسب ضخمة من الملح تتشكل على فترات زمنية جيولوجية، وتوجد تحت الأرض وتحت سطح البحر في جميع أنحاء العالم، وهي شائعة عبر الجرف القاري للخليج الشمالي الغربي للمكسيك.
هل ما زالت ملوحة البحار تزداد؟
نظرا لأن الملح يتدفق دائما من الأرض إلى البحر، فقد تعتقد أن البحر يزداد ملوحة؛ ولكن على الأغلب هذا لم يعد يحدث، فقد أصبح للمحيطات اليوم مدخلات ومخرجات متوازنة من الملح، وبالتالي لم يعد المحيط يزداد ملوحة.
ما يحدث أنه تتم إزالة بعض من هذا الملح على طول الطريق من الصخور إلى البحر، حيث تستهلك الكائنات الحية ومنها الطحالب والحيوانات التي تعيش في البحر نفسه نسبة لا بأس بها من الملح المنطلق من الصخور.
فمعروف أن الملح ضروري لكل من الحياة النباتية والحيوانية، فهو ينظم كمية السوائل في الخلايا ووظيفة الخلايا العصبية. وفي النهاية عندما يموت كائن حي ويتحلل، يتم تحرير الملح لمواصلة رحلته نحو البحر.
والبعض الآخر من هذا الملح أيضا يترسب في قاع المحيط؛ لذا فإن الملح الذي يدخل البحر يحافظ على التوازن مع الملح الذي يتم ترسيبه أو إزالته.
مم يتكون ملح البحار؟
وفقا لصفحة الخدمة الوطنية للمحيطات، يعد الكلوريد والصوديوم -وهما المكونان الأساسيان لملح الطعام- عنصرين من أكثر الأيونات انتشارا في مياه البحر، وهما يشكلان معا حوالي 85% من جميع الأيونات الذائبة في المحيط. ويشكل المغنيسيوم والكبريتات 10% أخرى من الإجمالي. وتوجد بعض الأيونات الأخرى بتركيزات صغيرة جدا.
نسب ملوحة مختلفة في العالم
بينما تحتوي مياه البحر -في المتوسط- على حوالي 35 غراما من الملح لكل لتر، فإن المحيطات والبحار ليست مالحة بشكل موحد وعام، فكلما اقتربت من القطبين قلت ملوحة الماء، حيث إن الماء العذب المنطلق من جليد القطبين المتجمدين يخفف من تركيز الملح. أما في المناطق الاستوائية الأكثر دفئا، يحدث المزيد من التبخر، وبالتالي يكون الماء أكثر ملوحة.
ووفقا لموقع “متحف التاريخ الطبيعي” (NHM) العلمي البريطاني، يمكن أن تصبح المسطحات المائية المعزولة أيضا شديدة الملوحة بسبب عملية التبخر. ويعد البحر الميت مثالا على ذلك. وبشكل عام يختلف تركيز الملح في مياه البحر باختلاف درجة الحرارة، والتبخر، وهطول الأمطار.
ووفقا لموقع “ذا كونفرسيشن” فإن الاختلافات في ملوحة المسطحات المائية قد تزداد أيضا في المستقبل بسبب تغير المناخ. حيث يؤدي المناخ الأكثر دفئا إلى مزيد من الأمطار وذوبان الجليد بنصف الكرة الشمالي، والمزيد من التبخر في نصف الكرة الجنوبي، مما قد يغير ملوحة بحارنا.
وكلما كان الماء أكثر ملوحة، يصبح أكثر كثافة؛ مما يؤثر على كيفية تحرك المياه بالمحيطات، وهو ما قد يؤثر على جميع أشكال الحياة على كوكبنا، وليس فقط الكائنات التي تعيش في البحر.
الأنهار تنقل الملح إلى المحيط وتبقى عذبة
إذا كان معظم الملح في البحر يأتي عبر الأنهار والجداول، فلماذا هي ليست مالحة أيضا؟ الإجابة هي أن الملح يتدفق بدلا من أن يتراكم، فنجد أن مياه البحار والمحيطات تجمع كل الملح والمعادن من جميع الأنهار التي تتدفق فيه.
وتشير التقديرات إلى أن الأنهار والجداول المتدفقة من الولايات المتحدة وحدها تصب 225 مليون طن من المواد الصلبة الذائبة و513 مليون طن من الرواسب المعلقة سنويا بالمحيط. بينما تنقل الأنهار في جميع أنحاء العالم ما يقدر بنحو 4 مليارات طن من الأملاح الذائبة إلى البحر سنويا.
وبالرغم من ذلك؛ فإن مياه الأنهار تحتوي على الملح أيضا، لكن بتركيز أقل بكثير، حيث تحتوي مياه البحار على أملاح مذابة أكثر بحوالي 300 مرة من متوسط مياه النهر.
فإذا كان كل لتر من ماء البحر يحتوي على 35 غراما من الأملاح المذابة فيه، فإن كل لتر من المياه العذبة يحتوي على 0.5 غرام فقط. كما أن المطر يغذي المياه العذبة في الأنهار والجداول، حتى لا يكون طعمها مالحا.
المصدر: الجزيرة نت