هناك حاجة لما لا يقل عن ٢٠٠٠٠ زوجاً من الصامولات والمسامير لتجميع ١٦ عربة على متن قطار الرصاصة شينكانسن. ومع وصول سرعة القطار إلى ٢٥٠ كيلومترا في الساعة، يمكن لمسمار واحد غير مثبت أن يسبب كارثة كبرى. فحوصات السلامة المضنية وإعادة تثبيت الصمولات بانتظام هو أحد السبل لمنع وقوع الحوادث، التي تشمل وجود استثمارات جدية من الوقت والمال. واحد من الأبطال المجهولين الذي مكن الشينكانسن للعمل بأمان وكلفة معقولة عام بعد عام هو واكاباياشي كاتسوهيكو، الرئيس البالغ من العمر ٨٣ عاما لشركة Hard Lock Industry المحدودة، الذي أحدث ثورة سلامة السكك الحديدية عن طريق اختراع الصمولة الفريدة التي تبقى مثبتة ولا ترتخي أبدا.
تطبيق مبدأ الإسفين مع اثنتين من الصمولات
الفكرة وراء الصمولة Nut Hard Lock بسيطة: تستخدم مبدأ الإسفين لتثبيت العزقة في مكانها. إدخال إسفين بين الصامولة والبرغي هو ما يكفي لمنع الارتخاء. ولكن هذا غير واقعي في العالم الحقيقي، لأنه يتطلب من العمال إدخال إسفين في كل مرة يتم فيها تثبيت الصمولة المسمار معاً.
عانى واكاباياشي وهو يبحث عن وسيلة لخلق تأثير مماثل للإسفين باستخدام الصمولات وحدها. وقد تمثل الحل في استخدام اثنتين من الصامولات مختلفة الشكل لكل مسمار: واحدة مقعرة، والأخرى محدبة. العزقة المقعرة (العزقة العلوية) لديها تقعر كروي تماما، ولكن العزقة المحدبة (العزقة السفلى) لديها انحراف صغير، مع إسفين رقيق على جانب واحد واسفين سميك من الجهة الأخرى. تثبيت الصمولة المقعرة على الصمولة المحدبة ينتج تأثير مشابه لإدخال الإسفين بمطرقة.
تجربة غيرت الحياة
تحولت أفكار واكاباياشي أولا إلى إمكانيات تصميم الصمولات بعد زيارة إلى المعرض التجاري الدولي في أوساكا عام ١٩٦١، حيث شاهد عزقة بآلية لمنع المسامير من الارتخاء. عندما أخذ عينة إلى المنزل لفحصها، وجد أن المسمار يتميز بآلية معقدة حيث يستخدم أسلاك الفولاذ المقاوم للصدأ للحفاظ على تثبيت الصمولة بقوة مع المسمار. وهذا ما جعل الصمولة مكلفة جدا. بالتأكيد، فكر واكاباياشي، أنه يجب أن يكون هناك طريقة أبسط وأقل تكلفة من تأمين الصمولات التي تثبت في مكانها.
ما جاء به أولا كان عبارة عن وسيلة لربط نابض ورقي في لولب البرغي. أثبت هذا عن فعالية عالية في منع الصمولات من الارتخاء، وفي عام ١٩٦٢ أنشأ واكاباياشي مع أخيه وصديقه شركة لإنتاج وبيع نوع جديد من الصامولات، والتي سماها ”U Nut“. وقد حققت الشركة خلال عقد من الزمن نموا مطردا. لكن واكاباياشي وجد نفسه في نهاية المطاف في مواجهة صعوبة جديدة.
بدأت تظهر عدة حالات حيث تخلخلت الصامولات لا سيما عندما كانت تستخدم في الحفارات، وآلات دق الركائز وغيرها من المعدات التي تتعرض لهزات قوية مستمرة. وأصبحت الشكاوى أكثر تواترا حيث نما مجال الصناعات والتطبيقات التي تستخدم الصمولات. أدرك واكاباياشي حينها أنه يجب العودة إلى لوحة التخطيط.
جاء الإلهام في أحد الأيام في وقت متأخر من عام ١٩٧٣. كان واكاباياشي ينظر إلى بوابة التوري الموجودة على مدخل “معبد سوميوشي” الذي لا يبعد كثيرا عن منزله في أوساكا، عندما لفت نظره الأسافين التي تثبت الدعامة الخشبية في المكان. قال لنفسه، ”إذا كان بوسعي استخدام إسفين من هذا القبيل، فمن المؤكد أن تكون الصمولات قوية بما يكفي لتحمل أي اهتزازات“. وعلى الفور عاد إلى السؤال الأساسي في كيفية دق إسفين في الفضاء بين الصمولات والمسامير. هذا الإلهام من إحدى المعابد التي هي أشياء من الحياة اليومية في اليابان ”قد يكون نوع من الإلهام الإلهي“، بحسب قوله.
بدايات صناعة الصامولات
قرر واكاباياشي وهو على ثقة بالفوز بالرهان بكل شيء من أجل تحقيق فكرته حيث أسس الشركة الحالية في عام ١٩٧٤. وباع شركة ”U Nut“ إلى زملائه مقابل مبلغ لا يذكر. لا تزال شركة ”U Nut“ تنتج الصمولات وهي واحدة من الشركات المنافسية الرئيسية لشركة Hard Lock Industry.
وجاء الإنجاز الرئيسي للمنتج الجديد في عام ١٩٧٦ عندما فاز واكاباياشي بعقد مع شركة للسكك الحديدية في أوساكا لتوريد الصامولات للآلات الكهربائية. من هناك، توسعت سمعة العمل بشكل كبير. فقد حققت الصمولة نتائج ممتازة في اختبار الاهتزاز الذي أجري تحت صرامة المعايير الفضاء القومي للولايات المتحدة والذي يعتبر أكثر تشددا في العالم. على الرغم من أنه يكلف أربع أو خمس مرات أكثر من العزقات التقليدية، العزقة لا تتطلب أي صيانة أخرى بعد التثبيت. وهذا يؤدي إلى توفير كبير في المصاريف، ويعتبر الاستثمار بها أكثر اقتصادا في المدى الطويل.
وتستخدم صامولات Hard Lock Nut بالسكك الحديدية في أستراليا، بريطانيا، الصين، بولندا، وكوريا الجنوبية، كما ساعدت السكك الحديدية عالية السرعة في تايوان على تسجيل رقما قياسيا من عدم وقوع أي حوادث خطيرة منذ دخولها حيز الخدمة في عام ٢٠٠٧. عندما تم عرض سجل السلامة المتميز والخاص بالشركة في فيلم وثائقي على قناة بي بي سي عن حوادث السكك الحديدية في عام ٢٠٠٦، تحولت شركات السكك الحديدية في بريطانيا إلى صمولات Hard Lock Nut بين عشية وضحاها.
إن صامولات Hard Lock Nut لا يقتصر استخدامها على السكك الحديدية في العالم. فقد تم استخدام الصمولات في جسر أكاشي-كايكيو، أطول جسر معلق في العالم، وبرج طوكيو سكاي تري، أطول برج بث قائم بذاته في العالم. و حالياً تستخدم صمولات Hard Lock Nut في جميع أنحاء العالم في المعدات الثقيلة مثل الحفارات البحرية. وقد جرى حتى استخدام صمولات في منصات إطلاق المكوك الفضائي.
كما تم تواصل الشركة مع شركات من أمثال بوينج ورولز رويس القابضة. ويشارك واكاباياشي وفريقه حاليا في البحوث لتطوير الصمولات الأخف للاستخدام في الطائرات.
حماس المخترع
حتى بعد النجاح الدولي الذي حققته شركة Hard Lock Industry، رفض واكاباياشي أن يستند على أمجاده. فقد عمل لتطوير العديد من الابتكارات منذ ذلك الحين، بما في ذلك صامولات Space Lock Nut (صمولة واحدة مع تعزيز الكفاءة) وصمولات Hard Lock Bearing Nut (صمولة للاستخدام في المحامل).
واكاباياشي هو أيضا من الهواة الجادين في جمع نماذج القطارات، الذي قال إن لها الفضل في إلهامه بعض من أفكاره المبتكرة. مجموعة رائعة من القطارات معروضة في الطابق الثاني من أحد مصانع الشركة. يسلط الضوء على قطار مصغر كبير بما يكفي لحمل عشرة أشخاص على مدار مسار طوله ١٠٠ متر. زوار المصنع يتسلقون بفارغ الصبر على متن القطار. كما يقول ”في العمل واللعب، لا شيء يشعرني بالمتعة أكثر من جعل إسعاد الناس“.