أثناء دراسة الهاكمانايت، وهو معدن يتشكل عادة في الصهارة القلوية منخفضة السيليكا، وجد الباحثون أنه يمكن أن يغير لونه عند التعرض للأشعة فوق البنفسجية بشكل متكرر دون أن يتلف.
وقامت مجموعة بحثية في جامعة توركو (University of Turku) الفنلندية بدراسة خصائص مادة الهاكمانايت ذات المواد العجيبة، وقاموا بتطويرها لما يقرب من عقد من الزمان، وتمكنوا من إطلاق تطبيقات مثل المراقبة الشخصية للأشعة فوق البنفسجية، والتصوير بالأشعة السينية، بناء على قدرة الهاكمانايت على تغيير اللون.
وأظهرت الدراسة التي نشرت بدورية “بروسيدنغز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس” الأميركية (بناس) (The Proceedings of the National Academy of Sciences PNAS)، يوم 2 يونيو/حزيران الجاري، أن الهاكمانايت مادة تمتاز بمتانتها العالية وقابليتها للتشكيل وللتطبيق وللتوظيف في أغراض مختلفة.
وتم اكتشاف الهاكمانايت لأول مرة في جرينلاند في عام 1896 من قبل LC Boergstroem ، وسُمي لاحقًا على اسم فيكتور أكسل هاكمان (1866-1941) ، وهو عالم جيولوجي فنلندي. ومع ذلك ، لم يتم اكتشاف أول رواسب من أحجار الهاكمانايت بجودة الأحجار الكريمة إلا مؤخرًا (1991) في كيبيك ، كندا.
مادة طبيعية عجيبة
وصف الجيولوجيون المعدن لأول مرة في القرن الـ19، وكانوا مفتونين بميله للتوهج بهدوء عند كسره أو وضعه في الظلام، ثم معاودة فقده للتوهج في الضوء.
والهاكمانايت معروف بقدرته على إظهار اللونية الضوئية القابلة للانعكاس عند التعرض للأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية، وقد وجد الهاكمانايت الطبيعي استخداما متميزا، في الأحجار الكريمة بسبب هذه الخاصية.
وكان فريق دولي متعدد التخصصات قد كشف عن كيفية احتفاظ أنواع معينة من الهاكمانايت بتوهجها أثناء انتقالها من الضوء إلى الظلام، وأوضحت دراستهم السابقة المنشورة في دورية “كيمستري أوف ماتيريالز” (Chemistry of Materials) أن مفتاح هذه الخاصية هو التفاعل الدقيق بين الشوائب الطبيعية للمعدن، والتي تحددها كيفية تكوينها.
وتُمكّن الميزات الهيكلية للهاكمانايت من تغيير لونه من الأبيض إلى الأرجواني تحت إشعاع الأشعة فوق البنفسجية وعودته في النهاية إلى اللون الأبيض في حالة عدم وجود الأشعة.
ومؤخرا، وعند دراسة 3 معادن طبيعية متغيرة الألوان وهي الهاكمانايت (Hackmanite) والتوغتوبايت (Tugtupite) والسكابوليت (Scapolite)، وجد الباحثون أن المعادن الطبيعية التي تم فحصها هي مواد طبيعية غير عضوية، لكن بها شوائب عضوية، مثل الهيدروكربونات، التي يمكن أن يتغير لونها بشكل عكسي بسبب التعرض للإشعاع.
مع ذلك، لا يمكن لهذه الهيدروكربونات تغيير اللون إلا بضع مرات قبل أن تنهار بنيتها الجزيئية، لأن تغيير اللون ينطوي على تغيير جذري في الهيكل، والخضوع لهذا التغيير بشكل متكرر يكسر الجزيء في النهاية.
يقول ميكا لاستوساري الأستاذ في قسم الكيمياء في جامعة توركو الفنلندية “في هذا البحث، اكتشفنا لأول مرة أن هناك بالفعل تغييرا هيكليا متضمنا في عملية تغيير اللون أيضا.
وعندما يتغير اللون، تتحرك ذرات الصوديوم في الهيكل بعيدا نسبيا عن أماكنها المعتادة ثم تعود مرة أخرى. هذا يمكن أن يسمى التنفس الهيكلي، ولا يدمر الهيكل حتى لو تكرر عددا كبيرا من المرات”.
وأثبت الباحثون أن قدرة الهاكمانايت على التناوب بين الأشكال البيضاء والبنفسجية قابلة للتكرار بدرجة كبيرة، ووفقا للاستوساري، فإن المتانة ترجع إلى الهيكل العام القوي الذي يشبه القفص ثلاثي الأبعاد لهذه المعادن، والذي يشبه ذلك الموجود في الزيوليت.
ذرات الصوديوم
وكما أورد البيان الصحفي للدراسة المنشور على موقع “يوريك ألرت” (eurekalert) بتاريخ 21 يونيو/حزيران الجاري، كما يشرح سامي فوري طالب الدكتوراه في جامعة توركو، أن “في هذه المعادن المتغيرة اللون، يسمح الهيكل الشبيه بالقفص بالحركة الذرية بداخله مع الحفاظ على القفص نفسه سليما. هذا هو السبب في أن المعادن يمكن أن تغير لونها وتعود إلى لونها الأصلي عمليا إلى أجل غير مسمى”.
في السابق، كان من المعروف أن سكابوليت يتغير لونه أسرع بكثير من الهاكمانايت، في حين أن تغييرات التوغتوبايت تكون أبطأ بكثير. وبناء على نتائج هذا العمل، اكتشف الباحثون أن سرعة تغيير اللون ترتبط بالمسافة التي تتحرك بها ذرات الصوديوم.
وتعلق باحثة الدكتوراه هانا بايرون بأن “هذه الملاحظات مهمة لتطوير المواد في المستقبل، لأننا نعرف الآن ما هو مطلوب من الهيكل المضيف للسماح بالتحكم في خصائص تغيير اللون وتفصيلاتها”.
يقول لاستوساري “لم تكن هناك طرق توصيف متاحة للبحث عن المعادن المتغيرة اللون، ولهذا السبب قمنا بتطوير طرق جديدة بأنفسنا. ومع ذلك، من الصعب تفسير النتائج بشكل لا لبس فيه بناء على البيانات التجريبية وحدها”.
ففي الواقع، لم يتمكن العلماء من الوصول إلى الاستنتاجات الحالية دون دعم قوي من الحسابات النظرية. وأضاف لاستوساري “نحن مدينون بالكثير من الشكر لتعاون البروفيسور تانغي لو باهيرز ومجموعته، الذين طوروا طرقا حسابية مناسبة لمثل هذه التفاصيل والدقة التي لم تكن ممكنة قبل بضع سنوات فقط”.
إمكانات مذهلة للتطبيقات
أجرت مجموعة أبحاث المواد الذكية في قسم الكيمياء بجامعة توركو، بقيادة لاستوساري، منذ فترة طويلة بحثا رائدا حول المواد ذات الخصائص المتعلقة بالضوء واللون، وخاصة على الهاكمانايت.
ويوضح فوري أن “قوة لون الهاكمانايت تعتمد على مقدار الأشعة فوق البنفسجية التي يتعرض لها، مما يعني أنه يمكن استخدام المادة، على سبيل المثال، لتحديد مؤشر الأشعة فوق البنفسجية لإشعاع الشمس”.
وسوف يتم استخدام الهاكمانايت في المحطة الفضائية بطريقة مماثلة، لكن يمكن أيضا استخدام هذه الخاصية في التطبيقات اليومية. على سبيل المثال، طوّر الباحثون بالفعل تطبيقا للهاتف المحمول لقياس الأشعة فوق البنفسجية يمكن لأي شخص استخدامه.
ويطور الباحثون حاليا العديد من التطبيقات الخاصة بالهاكمانايت، فبدلا من مصابيح “الليد” ومصابيح الإضاءة الأخرى ستحل المعادن الطبيعية في التصوير بالأشعة السينية، وأجهزة الكشف عن الجرعات، وقياس جرعة الإشعاع من المواد التي يتم امتصاصها أثناء الرحلات الفضائية للكشف عن الجوانب السلبية لمحطة الفضاء الدولية.
المصدر: يوريك ألرت