الرئيسية » كيف حوّل عثمان بن أرطغرل نظاما قبليا إلى إمارة أنتجت الإمبراطورية العثمانية؟

كيف حوّل عثمان بن أرطغرل نظاما قبليا إلى إمارة أنتجت الإمبراطورية العثمانية؟

هي دولة إسلامية عمّرت أكثر من 600 عام، امتدت رقعة أراضيها لمساحات شاسعة في 3 قارات، هي أوروبا، وآسيا، وأفريقيا. تأسست على يد عثمان الأول بن أرطغرل عام 1299م، وانتهت بسقوط الدولة عام 1924م.

أصل العثمانيين

يعود أصل العثمانيين إلى قبيلة قايي، وهم جماعة من قبائل الغز (أوغوز) التركمانية، التي كانت تسكن وسط آسيا، لكنها تعرضت للغزو المغولي فأُجبرت على الترحال ناحية الغرب باتجاه الأناضول، حيث استقرت هناك تحت حكم دولة سلاجقة الروم عام 1123م.

وكان قائدهم سليمان شاه ينتقل بهم من منطقة إلى أخرى، فبعد استقرارهم في الأناضول قرر الترحال باتجاه حوض الفرات، إلا أنه مات غرقًا أثناء عبوره النهر، وانقسمت القبيلة بعد موته إلى فريقين، فريق قرر العودة إلى الموطن الأصلي وسط آسيا، والفريق الآخر قرر العودة إلى الأناضول بقيادة أرطغرل بن سليمان شاه، والتحق أرطغرل ومن معه لخدمة الدولة السلجوقية والقتال معها، وتحقيق أمجادها.

وفي كل مرة كان السلطان السلجوقي يعطي أرطغرل بعض الأراضي في منطقة أنقرة إلى أن توفي أرطغرل عام 1281م، وخلفه ابنه عثمان الأول بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية.

مرحلة التأسيس (1299-1451م)

تبدأ هذه المرحلة منذ تولي عثمان قيادة القبيلة بعد أبيه، وإعلانه الاستقلال عن السلاجقة بعد هزيمتهم أمام المغول، وتستمر المرحلة حتى نهاية حكم مراد الثاني الحاكم السادس للدولة العثمانية.

وفي هذه المرحلة تأسست الدولة العثمانية، واستقلت، وأنشأت جيشها النظامي، ووحّدت الأناضول تحت قيادتها، وفتحت مدن البلقان، ووصلت إلى وسط أوروبا، وعقدت معها الدولة البيزنطية الهدن والمعاهدات. وأصبحت دولة ذات سيادة مستقلة، وذات شأن بين الدول.

مرحلة القوة والتوسع (1451–1595م)

تبدأ هذه المرحلة خلال فترة حكم محمد الفاتح، وهو سابع حكام الدولة العثمانية، وتستمر حتى نهاية حكم سليمان القانوني، وفيها توسعت الدولة العثمانية توسعا كبيرا، وفُتحت القسطنطينية (إسطنبول)، أهم معاقل الدولة البيزنطية على يد محمد الفاتح، وتم إخضاع الشيعة الذين ثاروا في آسيا الصغرى على يد السلطان سليم.

وانتقلت الخلافة من الدولة العباسية إلى الدولة العثمانية في عهد السلطان سليم، وتم إنهاء حكم المماليك، وفتح مصر والحجاز واليمن والشام والمغرب الأوسط وتوحيد حكم كل هذه المناطق تحت الدولة العثمانية، التي ضمت إلى سيادتها كذلك أجزاء من أوروبا الشرقية.

وشهدت الدولة في تلك الفترة تنظيما سياسيا وقانونيا وترسيخا للعدالة، وتطورا حضاريا وثقافيا، وانفتاحا على مختلف العلوم والفنون والآداب، واهتماما بالعمارة وتشييد القصور وفتح الطرق وإقامة الجسور، وانتعاشا اقتصاديا عاما نتيجة للسيطرة على الأراضي الزراعية، والطرق التجارية.

مرحلة الركود والتوقف (1566-1774م)

وتمتد هذه المرحلة منذ حكم سليم الثاني خليفة سليمان القانوني، وحتى توقيع معاهدة (قاينارجه)، والتي تنازلت بموجبها الدولة العثمانية عن كثير من أراضيها لصالح روسيا، فبدأت في هذه المرحلة مظاهر الضعف تظهر على الدولة، وانهزم الأسطول العثماني في المعركة البحرية أمام الجيش الأوروبي في عهد سليم الثاني.

وعلى الرغم من توسع الدولة العثمانية شرقا خلال هذه المرحلة فإن سلاطينها لم يكونوا على ذات القدر من القوة والهيبة، وبدأت التنازلات عن أجزاء من الدولة لصالح الدول الأخرى، ومحاولات استعادتها، وحاول بعض السلاطين إعادة الهيبة للدولة مثل السلطان محمد الرابع، إذ قامت القوات العثمانية في عهده بالهجوم على بلاد المجر وتهديد فيينا والاستيلاء على أوكرانيا.

إلا أنه بعد عزل محمد الرابع عمت الفوضى من جديد، وتوالت الهزائم، واحتُلت أجزاء من الدول الأوروبية وبلاد البلقان، وتميزت هذه المرحلة بمحاولة استعادة المناطق والدول التي سُلبت من الدولة، ولم تفتح أي مناطق جديدة، وقامت عدة حروب مع روسيا انتهت بتوقيع معاهدة عام 1772 مقابل تنازل الدولة العثمانية عن كثير من الأراضي لصالح روسيا، وغرقت الدولة العثمانية في الضعف.

مرحلة الضعف والانحلال (1774-1918م)

بعد تسلم السلطان سليم الثالث الحكم حاول إجراء إصلاحات عامة للدولة والجيش، واستغل انشغال الدول الأوروبية بالحرب لتنظيم جيشه وتحديثه، وتحالف مع الإنجليز للقضاء على حملة نابليون على مصر، وتمكن من ذلك، إلا أنه لم يستطع القضاء على الإنكشاريين الذي عمدوا إلى إشعال الفتن في الجيش باستمرار، وتمكنوا في النهاية من عزل سليم الثالث وقتله، ومن ثم ثاروا على مصطفى الرابع وعزلوه، ونصبوا مكانه أخاه محمود الثاني.

واستقلت عدة دول أوروبية عن الدولة العثمانية في عهد محمود الثاني، وبدأت روسيا في حربها على العثمانيين، واحتلت البغدان والأفلاق، واحتلت فرنسا الجزائر، وقام والي مصر محمد علي باشا بتوسيع رقعة نفوذه لتشمل الشام وفلسطين ومدن الساحل اللبناني، ووصل إلى الأناضول وألحق هزيمة بالجيش العثماني.

واستعان السلطان محمود الثاني بروسيا لصد هجوم الوالي المصري، وتدخلت دول أوروبا لعقد صلح بين والي مصر والسلطان العثماني، وحاول هذا الأخير استعادة الأراضي المصرية وبلاد الشام من والي مصر، إلا أن الهزيمة لحقت بالجيش العثماني، وتوفي محمود الثاني، وخلفه عبد المجيد الأول الذي حاول استعادة الأراضي الشامية بالتعاون مع البوارج البريطانية والنمساوية.

عادت مدن الشام إلى الدولة العثمانية، وعقدت بعدها اتفاقية بين الدول الأوروبية والدولة العثمانية سميت اتفاقية لندن للمضائق، أرست نظاما للمضائق ظل مطبقا حتى الحرب العالمية الأولى، ووقعت في عهد السلطان عبد المجيد الأول الكثير من الفتن الداخلية، وسميت الدولة بدولة “الرجل المريض”، نتيجة لتراجعها وكثرة انقساماتها الداخلية، وضعفها.

وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني قامت الأزمة الأرمينية، إذ طالب الأرمن بتحسين أوضاعهم، وحاولوا القيام بثورة، إلا أن السلطان أرسل جيوشه إليهم وهزمهم، وحاول اليهود إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، إلا أن السلطان أصدر فرمانًا منع فيه هجرة اليهود إلى فلسطين.

لكنه اضطر للتنازل عن الحكم لأخيه محمد رشاد الخامس، الذي لم يكن له الحكم الفعلي للدولة، إذ كان الحكم بيد الجيش، وخسرت الدولة العثمانية ليبيا -آخر معاقلها في أفريقيا- ثم قامت حرب البلقان الأولى وفقدت معها الدولة العثمانية ما تبقى من أراضيها في البلقان، وأدت إلى انسحاب مئات الآلاف من المسلمين إلى تركيا.

وحين قامت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) تحالفت الدولة العثمانية مع ألمانيا ضد روسيا، فقام الحلفاء بحملة عسكرية ضخمة على شبه جزيرة غاليبولي بهدف إنشاء ممر بين البحرين الأبيض والأسود، والاستيلاء على القسطنطينية لإنقاذ روسيا من عزلتها، وتطويق ألمانيا، غير أن هذه الحملة فشلت وانهزم الأسطول الإنجليزي وكانت كارثة كبيرة للحلفاء، فعمدوا إلى مهاجمة الدولة العثمانية في ممتلكاتها في الشرق الأوسط، كما استولوا على الممتلكات الألمانية في الشرق الأقصى والمحيط الهادي.

وتم تجييش العرب ضد العثمانيين بالاتفاق مع بريطانيا، مقابل منحهم استقلالهم، وثار شريف مكة حسين على العثمانيين فأخرجهم من الحجاز، وشارك القوات البريطانية للسيطرة على بلاد الشام، وخسرت الدولة العثمانية الكثير من أراضيها، وأُبرمت معاهدة مودروس مع الحلفاء، وخرج بموجبها العثمانيون من الحرب.

بعد الحرب العالمية الأولى.. مرحلة السقوط

وبعد أشهر من توقيع المعاهدة هاجم الأسطول البحري للحلفاء موانئ البحر الأسود وسيطر عليها، واحتل الحلفاء الأراضي التركية، فقامت ثورة وطنية ضد هذا الاحتلال بقيادة مصطفى أتاتورك، الذي رفض الاستسلام للاحتلال اليوناني في إزمير، ثم استقر في أنقرة وأعلن أن حكومتها هي الحكومة الشرعية، وسعى لإقامة حكومة وبرلمان جديدين.

وفرضت على السلطان معاهدة سيفر ووقع عليها مرغما عام 1920، وبموجب هذه المعاهدة انتقلت معظم المناطق القريبة من إسطنبول إلى اليونان، وأصبحت سوريا تحت سلطة الاحتلال الفرنسي، والعراق وفلسطين وشرق الأردن تحت الاحتلال البريطاني.

ولكن مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه رفضوا تلك المعاهدة وبنودها. وجرت عدة معارك بين المقاومة التركية والقوات اليونانية وانتهت بتحرير الأراضي التركية وتوقيع معاهدة لوزان، التي أنهت شروط معاهدة سيفر، وبذلك انتهى حكم الدولة العثمانية، وأعلنت تركيا جمهورية رسمية عام 1923م.

أبرز قادة الدولة العثمانية

عثمان بن أرطغرل (1299-1326م)

وهو مؤسس الدولة العثمانية، استطاع تحويل النظام القبلي إلى إمارة، وإعلان الاستقلال عن الدولة السلجوقية، وتوطيد علاقاته بالإمارات التركمانية حوله، ولقب نفسه (پاديشاه آل عثمان) أي عاهل آل عثمان، وحين وفاته عام 1326م كانت مساحة إمارته تبلغ 16 ألف كيلومتر مربع.

أورخان بن عثمان (1326-1362م)

فتح بورصا في بداية حكمه، وهي أهم مدينة بيزنطية في الأناضول، واتخذها عاصمة لدولته، وكوّن جيشا نظاميا متفرغا للقتال، وأعلن الاستقلال الرسمي للدولة العثمانية عام 1335م بعد سقوط الدولة الإيلخانية، وأمر بكتابة القوانين، وسك العُملة، وحوّل إمارته إلى دولة، وعبر بالعثمانيين إلى الشاطئ الأوروبي عام 1352م. وقد وصلت مساحة الدولة العثمانية عند وفاة أورخان 95 ألف كيلومتر مربع.

مراد الأول بن أورخان (1362-1389م)

فتح أدرنة، وهي أهم مدينة في الأناضول بعد القسطنطينية، ثم فتح مدن البلقان، وأدخل العثمانيين إلى 5 دول جديدة هي: بلغاريا وصربيا وألبانيا وكوسوفو ومقدونيا، وزادت مساحة الدولة العثمانية في عهده إلى 500 ألف كيلومتر مربع.

بايزيد الأول (1389-1402م)

أكمل فتوحات البلقان بانتصارات كبيرة، ووسّع إمارته نحو وسط أوروبا وغربها ووصلت مساحة الدولة العثمانية في نهاية عهده إلى 942 ألف كيلومتر مربع، إلا أنه هزم أمام التيموريين وأسر، وأدى ذلك إلى تمزيق الدولة وتشتتها من بعده.

مراد الثاني (1421-1451)

وهو الحاكم السادس للدولة العثمانية، ساعد على استقرار وضع الدولة، وحقق انتصارات عدة على الدولة البيزنطية، مما اضطرها إلى عقد هدنة معه، وانتصر على المجر وصربيا، وعقدت معه البندقية هدنة واتفاقات تجارية بعد حصار دام 5 سنوات، وأعلنت البوسنة في عهده التبعية للدولة العثمانية.

محمد الثاني / محمد الفاتح (1451-1481م)

فتح القسطنطينية (إسطنبول) عام 1453 وأنهى حكم البيزنطيين، وأعلنها عاصمة للدولة العثمانية، وأُطلق عليها “إسلام بول” (مدينة الإسلام)، ولقب بمحمد الفاتح، وفتح بلاد الصرب، وبلاد المورة، والأفلاق، والبغدان، والبوسنة والهرسك، وفتح طرابزون، ووافته المنية قبل فتح إيطاليا.

سليم الأول (1512-1520م)

وهو تاسع سلاطين العثمانيين، حارب الشيعة وأخضعهم لحكمه، ووحّد الأمصار الإسلامية، وفتح القاهرة وضم مصر والحجاز واليمن والشام والمغرب الأوسط إلى حكمه بعد معارك متعددة، وانتقلت الخلافة الإسلامية في عهده من الدولة العباسية إلى الدولة العثمانية، بعد تنازل آخر خلفاء الدولة العباسية محمد الثالث المتوكل على الله عن الخلافة للسلطان سليم، الذي أصبح أميرا للمؤمنين، وخليفة المسلمين، واستطاع السلطان سليم جعل الدولة العثمانية قوة إقليمية موحدة وكبيرة.

سليمان القانوني (1521-1566م)

سمي عهده بالعهد الذهبي للدولة العثمانية، إذ تميزت هذه الفترة بالقوة العظمى، والاستقرار، والثروة، وأُنشئ في عهده نظام قانوني موحد، ونظم الموازنة العامة، وشيد القصور، والمساجد، والمكتبات، والمستشفيات، والطرق والجسور، ورحب بالفنون والآداب والعلوم المختلفة، ووسّع الدولة العثمانية لتشمل مناطق من أوروبا الشرقية.

سيلم الثالث (1789-1803م)

حين وصل إلى الحكم كانت الدولة بحاجة إلى إصلاحات داخلية في جميع المجالات، فبذل جهوده لتنقية الطرق التجارية البحرية من القراصنة، وأصلح الثغور، وأنشأ القلاع عليها، وبنى عدة مراكب حربية حديثة الطراز، وجلب عددا من المهندسين السويديين والفرنسيين لصب معظم قوالب المدفعية، واستقدم الخبراء والضباط الفرنسيين لتدريب العساكر وتحسين قوة الجيش.

وحين قام نابليون بونابرت باحتلال مصر، تحالف السلطان سليم الثالث مع الجيوش الإنجليزية لطرد الفرنسيين ونجح في ذلك وعقد معاهدة مع الفرنسيين، وحاول السيطرة على الانكشاريين الذين سعوا إلى الفتنة في الجيش، ولم ينجح في ذلك لقيامهم بثورة عليه، وحاصره الإنجليز بسبب تحالفه مع الفرنسيين واستطاع فك الحصار بعد مساعدة الفرنسيين، وأجج الانكشاريون الفتنة في الجيش ضده واستطاعوا عزله وأسره، وقتله.

عبد الحميد الثاني (1876 – 1909م)

هو الحاكم الـ34 للدولة العثمانية، وقام بعمل إصلاحات داخلية للبلاد ففتح مدارس للبنات، واهتم بزيادة عدد المدارس الثانوية والابتدائية، وبناء محطة مواصلات، وبناء سكة حديد الحجاز، وتحويل مؤسسة البريد والبرق إلى وزارة عام 1877م.

كما أنشأ بريد المدن عام 1901م، وأنشأ بنية تحتية للهواتف في تركيا، وأسس مستشفى للأطفال في شيشلي عام 1899م، ودارا للعجزة عام 1906، ورفض توطين اليهود في فلسطين، وقضى على ثورة الأرمن، وبسبب الفتن التي قامت تنازل عن الحكم لأخيه محمد رشاد عام 1909.

المصدر: الجزيرة نت – مواقع إلكترونية