لا يتنقل وزير الصناعة المغربي رياض مزور إلى اجتماعاته في جهة الرباط إلا بسيارة كهربائية بتصميم مغربي تصنع فقط في المملكة، وحسب مقربين منه فإن الوزير يريد بهذه الخطوة تشجيع المواطنين على استعمال السيارات الكهربائية.
وخاطب الوزير النواب في الغرفة الثانية للبرلمان في إحدى الجلسات قائلا “إذا كان لديكم بعض الوقت فسيارتي الموجودة في المرآب هي سيارة كهربائية تصنع فقط في المغرب وعليها إقبال في العالم بأكمله، أنا اشتريت واحدة ومن أراد اقتناءها فسعرها لا يتجاوز 100 ألف درهم” (حوالي 9 آلاف دولار).
وتولي المملكة المغربية أهمية بالغة لقطاع إنتاج السيارات الكهربائية بتقديم عدد من الحوافز لاستقطاب الاستثمارات في هذا المجال، حسب ما قال وزير الصناعة والتجارة في مجلس النواب المغربي الأسبوع الماضي.
وأشار إلى أن الطاقة الإنتاجية حاليا في قطاع السيارات الكهربائية بالمغرب تتراوح بين 40 و50 ألف سيارة يتم تصنيعها سنويا، مؤكدا أن البرامج الحالية تهدف لرفع هذا الرقم إلى 120 ألف سيارة خلال 3 سنوات.
وإنتاج السيارات الكهربائية بالمغرب هو فصل من رحلة طويلة قطعها قطاع صناعة السيارات منذ نهاية الخمسينيات إلى اليوم، وتوجت بتحول المغرب إلى رائد قاري وإقليمي في هذه الصناعة، فكيف بدأت الحكاية؟
الرحلة بدأت منذ عقود
بدأت رحلة صناعة السيارات في المغرب سنة 1959 عندما أنشأت الجمعية المغربية لبناء السيارات (صوماكا) المملوكة للدولة آنذاك أول مصنع تجميع في الدار البيضاء، واقترنت هذه الخطوة بزيادة الرسوم الجمركية على استيراد السيارات، مما أدى إلى انخفاض حاد في الواردات.
في مرحلة الستينيات لم يشتر المغاربة سوى السيارات التي يتم تجميعها في خطوط التجميع بمصانع صوماكا، ففي عام 1962 بدأ تجميع سيارات “فيات” ثم “سيمكا” في المصانع المغربية وتم خلال تلك السنة إنتاج 2247 سيارة، وانضافت إليهما “رينو” سنة 1966 ثم “سافيم” سنة 1967 و”بيجو” 1980 و”سيتروين” في عام 1986.
بعدها افتتحت سلسلة مصانع لإنتاج المركبات وتجميعها من قبل شركات مشهورة مثل “رينو” (Renault) و”بيجو” (Peugeot) و”بي واي دي” (BYD).
في التسعينيات اتجه المغرب نحو تحرير الاقتصاد، وتم تخفيض الرسوم الجمركية على السيارات، مما أدى إلى تدفق السيارات المستعملة بأسعار منخفضة وجودة رديئة، ونتج عن ذلك تضاعف عدد السيارات المستعملة التي دخلت إلى البلاد، إذ بلغ عددها سنة 1992 حوالي 70 ألف سيارة يتجاوز عمرها 5 سنوات مقابل 35 ألفا عام 1991.
هذا التوجه سبّب ضربة قوية لشركة “صوماكا” ومصانعها، إذ تراجع الإنتاج من 20 ألف سيارة سنويا إلى 8482 سيارة في عام 1995، مما جعلها مهددة بالاختفاء ومعها كل نسيج المقاولات من الباطن.
وفي عام 1995 وقعت الحكومة المغربية مع شركة “فيات” (Fiat) اتفاقية لتجميع أول سيارة اقتصادية “فيات أونو”، وفي الوقت نفسه زادت الرسوم الجمركية على السيارات المستعملة.
وفي عام 2003 تمت خصخصة “صوكاما” بعد توقيع الدولة المغربية اتفاقية تسمح لشركة “رينو” بأن تصبح المساهم الرئيسي فيها.
وفي مارس/آذار 2005 استحوذت مجموعة “رينو” على ملكية الشركة المغربية، واحتفل مصنع صوماكا في الدار البيضاء في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بإنتاج سيارته المليون منذ استحواذ رينو على أغلبية أسهمه.
هيمنة شركتين
تهيمن “رينو” إلى جانب شركة “ستيلانتس” (Stellantis) الإيطالية الأميركية على قطاع السيارات بالمغرب، غير أن هناك شركات أخرى أوروبية وصينية وأميركية استثمرت خلال العقد الماضي في مصانع متخصصة في الكابلات والبطاريات وأجزاء الألمنيوم.
وكان إطلاق مدينة طنجة للسيارات سنة 2012 وإنشاء المنطقة الحرة الأطلسية في القنيطرة والمنطقة الحرة “تكنوبوليس” في الرباط- سلا نقطة تحول مهمة في قطاع السيارات بالمغرب، اذ جذبت هذه المناطق التجارية الاستثمارات الأجنبية بشكل متزايد، مما اعطى دفعة قوية لعلامة “صنع في المغرب”.
كما أن إطلاق خطة التسريع الصناعي 2014-2020 في أبريل/نيسان 2014 عزز إنجازات هذا القطاع الديناميكي وبدأ مرحلة تطوير النظم البيئية للسيارات.
رائد قاري وإقليمي
يعتبر المغرب اليوم رائدا قاريا وإقليميا في صناعة السيارات بفضل النمو المتسارع لهذا القطاع خلال العقود الماضية، إذ تمكن من ترسيخ مكانته كأول منتج للسيارات بالقارة الأفريقية، حيث يتكون نسيج قطاع صناعة السيارات الوطني من أكثر من 250 موردا لأجزاء السيارات ومصنعين اثنين للسيارات هما رينو وستيلانتس.
وبفضل هذين المصنعين تنتج المملكة سيارات تصدر لأكثر من 70 وجهة عالمية، بمعدل إدماج محلي يناهز 69%، حسب بيانات رسمية أدلت بها وزارة الصناعة والتجارة للجزيرة نت.
كما يتم تصنيع سيارتين كهربائيتين من مجموعة ستيلانتس حصريا في مصنعها بالقنيطرة: “سيتروين إمي”، و”أوبل روكس إي”، وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت شركة “رينو” مؤخرا عن تصنيعها سيارة كهربائية تدعى “موبيليز” بمصنعها في طنجة ابتداء من العام المقبل.
وحسب المصدر نفسه، فإن المغرب يتوفر على طاقة إنتاجية تعادل 960 ألف سيارة سنويا، 510 آلاف بالنسبة لرينو في مصنعيها بطنجة والدار البيضاء، و450 ألفا لستيلانتس في مصنعها بالقنيطرة، بعد إعلان هذا الأخير مضاعفة طاقته الإنتاجية.
عوامل الريادة
بدورها، تعزو وزارة الصناعة والتجارة تطور قطاع السيارات الوطني بشكل فعال وفي زمن قياسي في العقدين الماضيين إلى سلسلة من الإستراتيجيات الصناعية تتسم بالاستباقية، إلى جانب عدة مزايا يتمتع بها المغرب، من بينها:
- موقع إستراتيجي يجعل المملكة واحدة من أهم مفترقات الطرق في العالم الرابطة بين أفريقيا وأوروبا وأميركا.
- مناخ أعمال ديناميكي يتسم بالاستقرار السياسي والاقتصادي.
- رأس مال بشري مؤهل لمواكبة الاستثمارات وخلق القيمة المضافة.
- بنية تحتية ذات جودة عالية، بما في ذلك المناطق الصناعية والموانئ والمطارات والطرق السريعة.
- انفتاح على السوق العالمية بتوقيع أكثر من 50 اتفاقية تجارة حرة تتيح الولوج إلى أكثر من 1.3 مليار مستهلك.
- إطار دعم مالي وتشريعي للمشاريع الاستثمارية (مزايا ضريبية، إعانات للاستثمار والتدريب.. إلخ).
- نسيج صناعي متماسك وفي تطور مستمر مبني على منظومات صناعية فعالة جدا وتنافسية.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي أبو العرب عبد النبي في حديث للجزيرة نت أن هناك عاملا أساسيا ومهما في هذه الطفرة يتمثل في الإرادة السياسية والاقتصادية للسلطات العليا في البلاد التي قررت وفق رؤية تنموية الاستثمار في صناعة السيارات، وانخرطت بكل الإمكانيات والمؤهلات لإطلاق وإنجاح هذا القطاع الصناعي المهم.
انعكاس على الاقتصاد
انعكس التطور السريع لقطاع صناعة السيارات على الاقتصاد الوطني بشكل إيجابي من خلال خلق دينامية في الاستثمارات، وتوفير فرص عمل للشباب، وتمكين المغرب من عائدات مهمة من العملة الصعبة.
وحسب وزارة الصناعة، فقد بلغت صادرات صناعة السيارات 83.78 مليار درهم (حوالي 8 مليارات دولار) عام 2021 بزيادة 15% مقارنة بعام 2020، فيما تشير التوقعات للوصول إلى 100 مليار درهم (حوالي 9 مليارات دولار) كحجم صادرات بنهاية 2022، كما تمكن قطاع صناعة من إيجاد أكثر من 190 ألف فرصة عمل منذ 2014.
طموح لا يتوقف
وفي غضون سنوات قليلة استطاع المغرب أن يحتل المرتبة الثالثة من حيث القدرة التنافسية بعد الهند والصين، غير أن الطموح لا يتوقف حسب وزارة الصناعة والتجارة المغربية، إذ تطمح المملكة لأن تصبح منصة السيارات منخفضة الكربون الأكثر تنافسية في العالم، كما يعد التحول إلى التنقل الكهربائي تحديا وجب رفعه لضمان استدامة القطاع وإيجاد فرص عمل جديدة.
وفي هذا الصدد، تقول الوزارة انها تعمل حاليا على جلب مصنع للبطاريات الكهربائية، والذي سيضع المغرب على خريطة العالم كمنصة تنافسية للتنقل الكهربائي.
أما الخبير أبو العرب فيتوقع مستقبلا واعدا لهذا القطاع بشكل سيمكن المغرب من توسيع دائرة قدرته التصنيعية والتصديرية بالتوجه نحو أسواق جديدة.
المصدر: الجزيرة نت