لاحظ علماء الفلك وجود ثقب أسود هائل يلتهم بقايا نجم كان يتجول على مسافة قريبة جدا منه، ويشهد تكوّن هالة غازية ساخنة بتفاصيل غير مسبوقة.
ونظرا لأن الثقب الأسود، الواقع في قلب مجرة تقع على بعد 250 مليون سنة ضوئية، يتغذى على بقايا النجم، لاحظ العلماء ارتفاعا كبيرا في ضوء الأشعة السينية العالي الطاقة.
وأشارت هذه الانبعاثات إلى أنه عندما يتم سحب المادة نحو الثقب الأسود فإنها تشكل تركيبة بلازما شديدة الحرارة فوق الثقب الأسود تسمى “الهالة“.
ويُطلق على تدمير النجوم بسبب تأثير جاذبية الثقوب السوداء اسم “حدث الاضطراب الموجي العنيف” (tidal disruption event) أو المعروف اختصارا بـ TDE .
وتضمن “حدث الاضطراب الموجي العنيف“، الذي رصدته وكالة ناسا، والذي أطلقت عليه اسم AT2021ehb، ثقبا أسود تبلغ كتلته نحو 10 ملايين ضعف كتلة شمسنا، أدى إلى تحويل نجم يدور بالقرب منه إلى مجرد شريط من الغاز.
وتقدم ملاحظات AT2021ehb، خامسِ أقرب مثال على “حدث الاضطراب الموجي العنيف” (TDE) تمت ملاحظته حتى الآن، للعلماء وجهة نظر هي الأكثر تفصيلا على الإطلاق لتكوين هيكل ساخن فوق الثقب الأسود يسمى “الهالة“.
ويمكن أن تساعد النتائج العلماء على فهم أفضل للفيزياء المعقدة التي تلعب دورا عندما تسقط المواد على الثقوب السوداء، وهي عملية تسمى “التراكم” وما يحدث للمواد النجمية من النجوم المنكوبة قبل التهامها.
وقال سوفي جزاري، المؤلف المشارك في الدراسة، وعالم فلك في معهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور بولاية ماريلاند، في بيان: “أحداث الاضطراب الموجي العنيف هي نوع من المختبرات الكونية. إنها نافذتنا إلى تغذية ثقب أسود ضخم كامن في وسط مجرة في الوقت الحقيقي“.
وفي “أحداث الاضطراب الموجي العنيف“، تسحب الجاذبية جانبا واحدا من النجم أكثر من الآخر، ما يؤدي إلى توليد قوة المد التي تمزق، أو “تتسبب في صنع سباغيتي” من النجم الذي يلتهمه الثقب الأسود فيترك وراءه تيارا طويلا من الغاز الساخن.
وتلتف هذه “المعكرونة” النجمية حول الثقب الأسود المركزي، وتصطدم بنفسها في هذه العملية. وينتج عن هذا التأثير موجات صدمية وتدفق غازات خارجية تولد ضوءا في نطاق واسع من الأطوال الموجية، بما في ذلك الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية.
وفي النهاية، تستقر المادة في هيكل يشبه القرص يُسمى قرص التراكم مع مادة تدور حول الثقب الأسود وتتم تغذيتها تدريجيا على سطحه.
وتحدث “أحداث الاضطراب الموجي العنيف” خلال بضعة أسابيع أو أشهر فقط من البداية إلى النهاية. على سبيل المثال، حدث AT2021ehb على مدار 100 يوم فقط.
وهذه المدة القصيرة تجعل “حدث الاضطراب الموجي العنيف” جذابا لعلماء الفلك الذين يمكنهم استخدامها لتحديد كيفية تعامل جاذبية الثقوب السوداء مع المواد لخلق انبعاثات قوية وبيئات فيزيائية غريبة.
وتم رصد AT2021ehb لأول مرة بواسطة مرفق زويكي العابر (ZTF)، الموجود في مرصد بالومار في جنوب كاليفورنيا، في 1 مارس 2021.
وتبع هذه الملاحظة مرصد نيل غيريلز سويفت وتلسكوب النجم النيوتروني مستكشف التكوين الداخلي (NICER).
وبعد ما يقارب عشرة أشهر من هذه الملاحظة الأولى، بدأ القمر الصناعي التلسكوبي الطيفي النووي (NuSTAR) في دراسة AT2021ehb في ضوء الأشعة السينية.
وقدم NuSTAR مفاجأة لعلماء الفلك عندما رصدوا لأول مرة هالة فوق الثقب الأسود. وجاء ذلك كمفاجأة لأن هذه السحب من البلازما الساخنة عادة ما تُرى بالاقتران مع نفاثات الغاز المنبعثة من الثقوب السوداء، لكن AT2021ehb لم يكن لها نفاثات مرتبطة بها.
ويقول يوهان ياو، طالب الدراسات العليا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، المشارك في الدراسة: “لم نشهد قط حدثا للاضطراب الموجي العنيف مع انبعاث الأشعة السينية مثل هذا دون وجود حزم نفاثة، وهذا أمر مذهل حقا لأنه يعني أنه من المحتمل أن نفصل بين أسباب النفاثات وما يسبب الهالة.
وتتفق ملاحظاتنا حول AT2021ehb مع فكرة أن المجالات المغناطيسية لها علاقة بكيفية تشكل الإكليل، ونريد أن نعرف ما الذي يجعل هذا المجال المغناطيسي قويا للغاية“.
وسيبحث ياو والفريق الآن عن المزيد من “أحداث الاضطراب الموجي العنيف” للدراسة باستخدام التلسكوبات مثل Swift وNICER وNuSTAR. ويمكن أن تضيف هذه الملاحظات مزيدا من التفاصيل إلى ظاهرة تشكل الإكليل التي شوهدت حول AT2021ehb.
المصدر: سبيس