تدخل وكالة الفضاء الوطنية الأميركية “ناسا” (NASA) مرحلة التصميم والتصنيع النهائية لـ”ماسح الأجسام القريبة من الأرض” (NEO Surveyor)، وهو تلسكوب فضائي صمم للبحث عن الكويكبات والمذنبات التي يصعب العثور عليها والتي تشرد في المناطق المدارية للأرض، وذلك بعد اجتيازه مراجعة فنية وبرمجية صارمة مؤخرا، وتبدأ ناسا بوضع خط الأساس الفني والتكلفة والجدول الزمني لتصنيعه.
صائد الأجسام الخطرة
يذكر البيان الصحفي -الذي نشرته وكالة ناسا يوم 28 ديسمبر/كانون الماضي أن مكتب تنسيق الدفاع الكوكبي “بدكو” (PDCO) التابع لناسا في واشنطن يهدف لاكتشاف وتمييز 90% على الأقل من الأجسام القريبة من الأرض التي يزيد ارتفاعها على 140 مترا والتي تقع ضمن 48 مليون كيلومتر من مدار كوكبنا، حيث يمكن للأجسام بهذا الحجم أن تسبب ضررا إقليميا كبيرا، أو أسوأ من ذلك إذا اصطدمت بالأرض.
يقول ليندلي جونسون مسؤول مكتب تنسيق الدفاع الكوكبي -في حديث لموقع وكالة ناسا- “يمثل (ماسح نيو) الجيل التالي لقدرة ناسا على اكتشاف وتتبع وتمييز الأجسام القريبة من الأرض بسرعة. وتظل التلسكوبات الأرضية ضرورية بالنسبة لنا لمراقبة السماء باستمرار، ولكن المرصد الفضائي بالأشعة تحت الحمراء هو المنصة المثالية التي ستمكن لإستراتيجية الدفاع الكوكبي لناسا”.
ماسح بالأشعة تحت الحمراء
ويستقر ماسح “نيو” في منطقة استقرار الجاذبية -تسمى نقطة “إل 1 لاغرانج” (L1 Lagrange)- على بعد مليون ميل بين الأرض والشمس، حيث تدور المركبة الفضائية خلال مهمتها الأولية التي تستغرق 5 سنوات وسيتمكن من مكانه هذا من رؤية النظام الشمسي بأطوال موجات الأشعة تحت الحمراء غير المرئية للعين البشرية.
في الغالب، يحجب الغلاف الجوي للأرض الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء، وبالتالي لا تستطيع المراصد الأرضية الأكبر حجما رؤية الأجسام القريبة من الأرض، التي سيكون هذا التلسكوب الفضائي قادرا على اكتشافها باستخدام فتحة تجميع الضوء التي تبلغ حوالي 50 سنتيمترا.
وصممت أجهزة الكشف المتطورة لماسح “نيو” لمراقبة نطاقي الأشعة تحت الحمراء الحساسين للحرارة اللذين اختيرا على وجه التحديد حتى تتمكن المركبة الفضائية من تتبع أكثر الأجسام التي يصعب العثور عليها بالقرب من الأرض، مثل الكويكبات المظلمة والمذنبات التي لا تعكس الكثير من الضوء المرئي، ولكنها تتوهج بالحرارة التي استمدتها من ضوء الشمس في الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء التي سيكون “نيو” حساسا لها.
أحصنة طروادة الأرضية
يذكر موقع الوكالة أيضا أن “نيو” سيتمكن من العثور على الكويكبات التي تقترب من الأرض اتجاه الشمس، إضافة إلى تلك التي تقود وتتبع مدار كوكبنا، التي عادة ما يتم حجبها بسبب وهج ضوء الشمس (وهي كائنات تُعرف باسم أحصنة طروادة الأرضية).
وتقول مديرة المسح بالبعثة في جامعة أريزونا في توكسون، إيمي ماينزر، “لأول مرة في تاريخ كوكبنا، يطور سكان الأرض طرقًا لحماية الأرض من خلال تحويل مسار الكويكبات الخطرة. ولكن قبل أن نتمكن من تشتيتها، نحتاج أولا إلى العثور عليها. وسوف يغير ماسح نيو قواعد اللعبة في هذا السعي”.
وعلى الرغم من أن التركيز الأساسي للبعثة هو الدفاع الكوكبي، فإن الماسح سيساعد أيضا في تحديد خصائص تكوين الأجسام القريبة من الأرض وشكلها ودورانها ومدارها، وهذه البيانات يمكن استخدامها لفهم أصول وتطور الكويكبات والمذنبات والتي شكلت اللبنات الأساسية القديمة لنظامنا الشمسي.
ماسح أكثر تطورا
وماسح “نيو” سيكون امتدادا أكثر تقدما من سلفه مستكشف المسح بالأشعة تحت الحمراء “نيوايز” (NEOWISE)، الذي أثبت فعاليته العالية في اكتشاف وتوصيف الأجسام القريبة من الأرض قبل أن ينهي مهمته عام 2011، ولكن أولى مهمات ماسح “نيو” ستكون مهمة فضائية أنشأت خصيصا للعثور على أعداد كبيرة من هذه الكويكبات والمذنبات الخطرة.
وتبدأ ناسا الآن في تطوير الأدوات الرئيسية للماسح، حيث تصنع المبردات الكبيرة التي تسمح للنظام بالتبريد السلبي، إذ يجب أن تكون أجهزة الكشف بالأشعة تحت الحمراء الخاصة بالأداة أكثر برودة من الأجهزة الإلكترونية للمركبة الفضائية، حتى يتمكن الماسح من الكشف عن وهج الأشعة تحت الحمراء الخافت للكويكبات والمذنبات، وستؤدي هذه المبردات هذا الدور المهم، مما يلغي الحاجة إلى أنظمة التبريد النشطة المعقدة.
وبدأ أيضا بناء الدعامات المُركبة التي ستفصل أجهزة التلسكوب عن المركبة الفضائية، والتي صممت لتكون موصلات ضعيفة للحرارة، وستقوم بعزل التلسكوب البارد عن المركبة الفضائية الدافئة وغطاء الشمس الذي سيمنع أشعة الأخيرة من حجب رؤية التلسكوب للأجسام القريبة من الأرض وتسخن التلسكوب.
كما أُحرز تقدم في تطوير كاشفات الأشعة تحت الحمراء للتلسكوب وموزعات الأشعة والمرشحات والإلكترونيات والحاوية وبدأ العمل في مرآة التلسكوب الفضائي التي ستشكل من كتلة صلبة من الألومنيوم، وسيتم تشكيلها بواسطة آلة خراطة ألماس مصممة خصيصا.
وقال توم هوفمان، مدير مشروع مساح الأجسام القريبة من الأرض في مختبر الدفع النفاث لموقع وكالة ناسا، “فريق المشروع، بمن فيهم جميع المتعاونين المؤسسيين والصناعيين لدينا، مشغول جدًا بالفعل بتصميم وتصنيع المكونات التي ستصبح في نهاية المطاف أجهزة طيران. ومع دخول المهمة هذه المرحلة الجديدة، نحن متحمسون للعمل على هذا التلسكوب الفضائي الفريد ونتطلع بالفعل إلى الإطلاق وبدء مهمتنا المهمة”.
المصدر: ناسا – الجزيرة نت