نفّذ فراس الأسد، وهو أحد أبناء رفعت الأسد، عم بشار الأسد، وعيده الذي أطلقه بالأمس بأنه سيقدم هدية يكشف من خلالها عن جرائمٍ ارتكبها والده أثناء فترة توليه منصب نائبٍ لرئيس الجمهورية في عهد، أخيه حافظ الأسد.
وكان فراس قد قال في منشور نشره له على فيسبوك، الاثنين، إنه “عند الساعة السابعة مساء بتوقيت دمشق.. منشورا خاصا.. هدية مني لأرواح ألف إنسان قتلهم رفعت الأسد وهم خلف قضبان زنازينهم بلا حول و لا قوة”، مشيرا إلى ما عرفت لاحقا بـ”مجزرة سجن تدمر” التي أدت إلى مقتل نحو 1500 معتقل في يونيو من العام 1980 بحسب مصادر في المعارضة السورية.
وقال: “عندما خرج رفعت الأسد من مدينة دمشق بعد الصراع على الخلافة مع أخيه حافظ، خرج ومعه مئة مليون دولار نقداً، والكثير من الذهب والآثار، وكانت كلها معبأة في حقائب وصناديق خاصة”.
وأضاف: “لم يرضَ رفعت بالخروج من سوريا قبل أن يرسل ولده دريد إلى جنيف ليكلمه من هناك، ويؤكد له على وصول المئتي مليون دولار التي تم تحويلها مباشرة من البنك المركزي السوري إلى البنك السويسري، ولولا ذلك لما كان ليقبل بالخروج من دمشق بتلك السهولة”.
بالتالي، حافظ اشترى السلطة، ورفعت باع الوطن، وخاطب متابعيه: “لقد كان يخبأ لي دوراً جميلاً في هذا الوجود، أن أحمل الحقيقة على كفي الأيمن، وأحمل روحي على كفي الأيسر، وأسير بين الناس و أنادي اصحوا يا أخوتي”.
وعن قصته في جنيف السويسرية حزيران 1998 قال “فراس”: “كنت مرمياً على الأرض في الحديقة التي تقع أمام بيتي الذي سكنت فيه طيلة أربعة عشر عاماً من حياتي، كنت مكبل اليدين خلف الظهر، وكنت كلما حاولت الوقوف تأتيني ركلة قوية على ظهري أو على بطني”.
وأردف: “كان الصعق بالكهرباء، وحفلة الضرب واللكمات والركلات قد انتهت داخل البيت، وكنت قد حُمِلت إلى الخارج في ظل الصراخ الهستيري لرفعت الأسد وأوامره: احملوه على السيارة، وأمر بقتلي ثم رميي إلى قاع البحيرة التي كانت تقع على مسافة حوالي المئة متر من البيت”.
وتابع: “وهم يحملونني إلى السيارة صرخت بأعلى صوتي: (أنت جبان) فصرخ بهم قائدهم (رفعت) أن يتوقفوا، ثم طلب منهم أن يرموني على الأرض، ثم بدأ يركلني بقوة وشراسة عجيبة وكأنه لم يكتفي من اللكمات الكثيرة التي وجهها لي في داخل البيت! مردداً: “مين الجبان ولاك”.
وأضاف: “لم ينقذني يومها من الموت سوى خوف زوجته رجاء بركات على ابنها سوار الذي كان سوف يتهم حتماً بعملية القتل لأنَّ الشرطة السويسرية قد أخذت اسمه في الليلة التي سبقت وصول أبيه إلى جنيف عندما قام بعملية سطو على منزلي بصحبة العديد من العناصر الذين قدموا معه من باريس، وباعتبار أن هناك من اتصل بالشرطة للحضور سجّلوا أسماء سوار ومن معه”.
وأكمل: “وصل الألم من شدة الضرب والركل إلى حد عدم التحمّل، كان فمي ينزف الدم كالشلال وأحاول أن أرفع رأسي لأنظر إلى وجه الرجل الذي كان يفترض أنه أبي الذي رآني أحاول أن أنظر إليه فتوقف عن الضرب، وصرخ: شو.. مين الجبان يا خنزير؟ فقلت له: أنت، فصرخ اقتلوه فوراً”.
وقام المدعو حسين أسعد -جنسيته فرنسية- بوضع مسدسه على رأسي بعد أن وضع رصاصة في بيت النار، ولكنه تردد ونظر إلى قائده وانتظر الأمر بالتنفيذ، و في اللحظة التي رأيت فيها والدي يهم بإعطاء الأمر صرخت رجاء بركات يا رفعت الشرطة كانوا هنا أمس وأخذوا اسم سوار.. فكر منيح”.
وذكر أنَّ “حقيقة الأمر أنني مدين بحياتي لسائقي غياث داوود، الذي اتصل بالشرطة وأبلغهم عن عملية اقتحام سوار وعصابته للمنزل، فلولا قدوم الشرطة في تلك الليلة، وتسجيل اسم سوار”، لافتاً إلى أنَّه سيكمل حكايته في إطار روايته لذكرياته.
وأوضح أنَّه عاش في رعب منذ تلك اللحظة في جنيف، وهو في الثانية والثلاثين من عمره، بسبب أبيه رفعت الذي كان جبروته طاغياً وكانت وحشيته قد ابتلعته منذ الطفولة، وكان يراه وهو يضرب أمه بالعصا لمجرّد أنَّها اعترضت على رأيه في أمر صغير، وكان ينال من الضرب عند دفاعه عن أمه.
بعد الحادثة هرب من أبيه مع زوجته وأنجب أربعة أولاد يعيشون بأخلاقهم العالية وسلوكياتهم الراقية وتفوقهم في الدراسة، وصورة ولده البكر “مضر” معلقة في أرجاء المدينة كصاحب المركز الأول في امتحان عام شارك فيه خمسة وعشرون ألف طالب.
وعن علاقة حياته الشخصية بالسوريين وقضاياهم قال “فراس”: إنَّ “القشة التي دفعتني إلى التمرد النهائي على رفعت، أنني رفضت الاجتماع في جنيف بمسؤول إسرائيلي سابق، وعندما انتفضت في وجه رفعت ورفضت لقاء الإسرائيلي قال لي: ولك حمار لتكون مفكر النظام ما بيحكي مع الإسرائيليين، لك أنت حمار لهل درجة؟ هذه هي حكاية سوريا”.
وأضاف: “تواصل معي منذ بضعة سنوات ضابط برتبة صغيرة من آل الأسد، وكان يجلس في حضني عندما كان طفلاً وألاعبه، وكان أبيه من رفاق الطفولة الأولى، ليسألني عن مواقفي من النظام وكتاباتي التي كان يستغربها كثيراً”.
وتابع: “طالبني بأن أشرح له موقفي، فسألته إن كان شرحي له ينهي المسألة بيننا ويرضيه؟ فقال: المهم أن تكون صادقاً معي! فقلت له بأنَّ أولادي الأربعة لم يكذبوا كذبة واحدة في حياتهم وأنا من علمتهم قدسية الصدق، واذهب واسأل أباك قبل أن تقول ما تقول، فقال نعم أصدقك فيما تقول”.
وأكمل: “ماذا يحدث إن شرحت لك موقفي، وجاء الرئيس بشار الأسد، وقال لك بأن فراس خائن فلا تصدقه.. اذهب إليه واعتقله؟ قال: أصدق الرئيس، ولو طلب مني أن أعتقل أبي لاعتقلته، فقلت له إذاً لا داعي لأي شرح .. إن كنت تريد أن تعرف موقفي فاسأل الرئيس مباشرة طالما أنه يعرف كل خفايا البشر، وأنه الصادق الأمين!”.
تقديس حافظ الأسد بين العلويين كانت جريمة ارتكبها النظام ومشايخ الطائفة بحق العلويين ومن خلالهم بحق سوريا كلها، أولئك الذين ضربوني وعذبوني وأدموا وجهي وجسدي كله في جنيف وكانوا على وشك قتلي.. هؤلاء كانوا جميعهم من العلويين، ولكنهم كانوا ينفذون أوامر القائد، فالقائد أوامره مقدسة.
“قرد القائد ميقول أنك خاين معناها هنت خاين” هكذا، وبكل بساطة، تسحق حياة الأبرياء، على يد العبيد والأغبياء، وبإشارة صغيرة من الطاغية المقدس صاحب الأمر والولاء، القائد هو من يعرف الحق، وهو من يقول الحقيقة، ويصنعها، لأنه إن كذب فقد تبدلت الحقيقة بكذبه ليصبح الكذب هو الحقيقة، فالقائد لا ينطق عن الهوى.
وأشار إلى أنَّ محرك آلة التقديس كان أجهزة الأمن مع رجال الدين العلويين من أصحاب النفوس الصغيرة الذين اشترتهم وسيطرت عليهم بالكثير من الطرق، مع حلف آخر مع رجال الدين من الطوائف الأخرى، وخاصة أهل السنة، الذين كان دورهم التغطية على مسيرة التقديس ومباركتها من خلال إضفاء صفات الأنبياء والقديسين على حافظ الأسد.
وساهم في مسيرة التقديس طبقة كبيرة من التجار الذين رحبوا بدولة الفساد الناشئة في سوريا فتحالفوا معها وكانوا جزءاً أساسياً منها، وكان أصل التقديس، هو الدبابة والعنف المفرط، والشراسة في التعامل مع المشككين أو الرافضين لحكم الاستبداد، مع نشر ثقافة الفساد والمحسوبيات في كل مناحي الحياة، ما أنتج واقعاً عجيباً في سوريا، فسقطت الأخلاق لدى الكثيرين وتشوهت القيم وانقلبت المبادئ وتغيرت الثوابت، فأصبح أرذل السوريين هم أسياد البلد.