في كل عام، يأخذ هابل قسطا من الوقت للنظر إلى داخل نظامنا الشمسي بدلا من التحديق في مسافات شاسعة عبر المكان والزمان.
وعلى وجه التحديد، يركز هابل على الكواكب ذات الوزن الثقيل التي تكمن وراء حزام الكويكبات، والمتمثلة في كواكب المشتري وزحل وأورانوس ونبتون.
وهذا ليس لأنها الأجمل، ولكن لأنه يتم إجراء هذه الملاحظات كل عام كجزء من برنامج إرث الغلاف الجوي للكواكب الخارجية (OPAL).
وعلى الرغم من أن الأدوات الأخرى كانت قادرة على التقاط صور عالية الدقة، مثل مسبار كاسيني المتقاعد في زحل، أو جونو الذي يدور حاليا حول المشتري، فقد تم إهمال عمالقة الجليد الخارجي عندما يتعلق الأمر بالمسبارات المخصصة.
وأظهر هابل، التلسكوب الفضائي، الذي وقع تمديد مهمته مؤخرا حتى عام 2026، والذي يتواجد في مدار أرضي منخفض منذ عام 1990، الكون من حولنا بتفاصيل مذهلة.
وفي إطار برنامج OPAL، يمكن أن يوضح لنا التطور طويل المدى وديناميكيات الكواكب في النظام الشمسي الخارجي.
وتعد صور هابل للكواكب الخارجية من بين أكثر الصور عالية الدقة الممكنة، باستثناء تلك التي التقطتها المجسات التي تزور الكواكب على مسافة قريبة.
ومن خلال OPAL، علمنا أن بقعة المشتري الحمراء تغير شكلها ولونها، والتقط التلسكوب صورا للشفق القطبي المذهل والقوي على الكوكب. كما قام هابل أيضا بتصوير الشفق القطبي لزحل، وكشف عن نشاط الموجات الراديوية وعدم تناسق الشفق القطبي الذي يشير إلى مجال مغناطيسي غير متوازن.
وسمحت صور هابل للعلماء بتتبع عاصفة مظلمة على نبتون كانت تتصرف بشكل غريب للغاية أثناء تجوالها عبر السماء الباردة، وكشف عن سحب على أورانوس، المحاط بحلقاته وأقماره.
وتظهر صور OPAL هذا العام، التي التقطت في سبتمبر وأكتوبر، عن بعض التفاصيل الجديدة الرائعة حول كواكبنا العملاقة.
ويبدو كوكب المشتري، الذي صوره هابل في 4 سبتمبر، مضطربا مع العواصف، مع دوامات من السحب المعاكسة تدور حول الكوكب بفعل الرياح القوية. وهذا العام، ظهر الكوكب مع حزام غريب وشرائط برتقالية وحمراء غير عادية ملفوفة حول خط الاستواء، والتي عادة ما تكون بيضاء أو بنية شاحبة.
وتظهر عدة بقع حمراء فوق خط الاستواء. وهذه عواصف جديدة، دوامات إعصارية من المحتمل أن تكون مؤقتة، على عكس البقعة الحمراء شبه الدائمة أسفلها مباشرة، وهذه البقعة الحمراء بنية اللون حاليا وقد انضمت إليها عدة عواصف أصغر شاحبة.
ووقع تصوير زحل بواسطة التلسكوب الفضائي في 12 سبتمبر، وتظهر الصور الكوكب ذي الحلقات مع نصف الكرة الشمالي في أوائل الخريف.
ويميل زحل، تماما مثل الأرض، لذلك عندما يدور حول الشمس، فإنه يخضع لتغيرات موسمية مع تغير التعرض الشمسي لنصف الكرة. ومع ذلك، فإن السنة على زحل هي 29 سنة أرضية، ما يجعل فصول كل منها نحو 7.5 سنة.
ومع تغير درجات الحرارة في نصفي الكوكب، تتغير أيضا السحب، ويتغير لون خطوط زحل، وتبدو مختلفة بشكل كبير عن العام الماضي، عندما كان نصف الكرة الشمالي في نهاية الصيف، في العام السابق.
ويقضي أورانوس، الذي تم تصويره في 25 أكتوبر، فصل الربيع في نصفه الشمالي. ونظرا لأنه بعيد عن الشمس، فإن الفترة المدارية (السنة) أطول حتى من فترة زحل، مع مرور موسم واحد على أورانوس يستغرق 21 عاما أرضيا.
وفي صورة هابل، يتألق الغطاء السحابي فوق القطب الشمالي لأورانوس، والذي يسمى الغطاء القطبي بشكل ساطع.
والعلماء ليسوا متأكدين من سبب حدوث ذلك، لكنهم يعتقدون أنه يمكن أن يكون تأثرا من أشعة الشمس فوق البنفسجية التي تتفاعل مع شيء ما في الغلاف الجوي للكوكب.
وقد يرجع سبب ذلك في السطوع إلى عدد من الأسباب، مثل التغيير في عتامة غاز الميثان في الغلاف الجوي.
والشيء الوحيد الذي ظل على حاله خلال السنوات القليلة الماضية من ملاحظات هابل هو الحدود الواضحة عند 43 درجة من خط العرض. ويعتقد العلماء أنه يمكن أن يكون هناك تيار نفاث يحافظ على هذا التحديد الدقيق.
وأخيرا، وقع تصوير نبتون في 7 سبتمبر. وهناك، يُعتقد أن نصف الكرة الجنوبي يمر بالربيع، لكن الفصول هناك تستمر لأكثر من 40 سنة أرضية. وقد كان الخريف والربيع على نبتون لأكثر من 20 عاما، ومن المرجح أن يستمر لنحو 20 عاما آخر.
وتكشف الصور الجديدة أن عاصفة نبتون المظلمة الغريبة لا تزال معلقة. ويمكن رؤيتها في أعلى يسار الكوكب.
وإذا نظرت بعناية، سترى أيضا دائرة مظلمة حول القطب الجنوبي. وكان هذا حاضرا منذ أغسطس 1989 على الأقل، عندما حلقت مركبة “فوياجير 2” في رحلتها إلى أجزاء غير معروفة، في الفضاء السحيق، بعيدا عن النظام الشمسي.
المصدر: سينس ألرت
اقرأ أيضاً: “جيمس ويب” أكبر تلسكوب في العالم يبدأ رحلته للتعمق باستكشاف الكون
أطلقت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا)، السبت، تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي من الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الجنوبية.
وذكرت وكالة أسوشييتد برس أن ناسا أطلقت أكبر وأقوى تلسكوب في العالم، من إقليم غويانا الفرنسية الواقعة في الساحل الشمال الشرقي لأمريكا الجنوبية على متن صاروخ “أريان” الأوروبي، في مهمة عالية المخاطر لرصد الضوء من أوائل النجوم والمجرات في الكون.
واصطحب صاروخ “أريان 5” تلسكوب “جيمس ويب” إلى الفضاء من قاعدة كورو.
وكان إطلاق التلسكوب “جيمس ويب”، وهو الأقوى على الإطلاق، تأجل ثلاث مرات منذ وصوله إلى قاعدة كورو الفضائية في غويانا الفرنسية في أكتوبر الفائت.
وأرجئ الإطلاق المرة الأولى خلال التحضيرات للتلسكوب نهاية الشهر الفائت، فيما حصل ذلك مرة ثانية جراء مشكلة في الاتصال مع النظام على الأرض.
والثلاثاء، تسببت “الأحوال الجوية المتردية” في تأخير الإطلاق مرة جديدة، وفق بيان لوكالة ناسا.
وأوضحت أن المرصد الفلكي انطلق نحو وجهته التي تبعد 1.6 مليون كلم، أو ما يعادل مسافة أبعد من القمر بأربع مرات.
على خطى هابل
وسيكون “جيمس ويب” على منوال التلسكوب “هابل” الذي أحدث ثورة في تقنيات مراقبة الفضاء واكتشف العلماء من خلاله وجود ثقب أسود في قلب كلّ المجرّات أو بخار ماء حول الكواكب الخارجية، على سبيل التعداد.
وبُني هذا التلسكوب، الجوهرة الهندسية الفائقة التعقيد، في الولايات المتحدة تحت إشراف “ناسا”، ويتضمّن أدوات من وكالتي الفضاء الأوروبية والكندية.
وقال مدير ناسا بيل نيلسون في وقت سابق من هذا الأسبوع: “سيعطينا (التلسكوب) فهمًا أفضل لكوننا ومكاننا فيه: من نحن وما نحن عليه والبحث الأبدي”.
ومن المقرر أن تستغرق رحلة التلسكوب للوصول إلى وجهته شهرا وحدا و5 أشهر إضافية ليكون جاهزا لبدء مسح الكون.
ويعمل التلسكوب بالأشعة تحت الحمراء ووزنه 7 أطنان حيث كان يعمل عليه آلاف الأشخاص من 29 دولة منذ تسعينيات القران الماضي.
وأطلق على التلسكوب اسم “جيمس ويب” نسبة إلى رئيس ناسا خلال معظم فترة تكوين الوكالة في الستينات وهو أكثر حساسية من سابقه تلسكوب “هابل” بنحو 100 مرة ومن المتوقع أن يغير فهم العلماء للكون ومكاننا فيه.
التزويد بالوقود عملية حساسة
وفي وقت سابق قالت وكالة الفضاء الأوروبية في بيان صحفي، إن تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) زود بالوقود في منشأة إعداد الحمولات في غويانا الفرنسية
وأكدت أن عملية تزويد المرصد بالوقود اللازم، استغرقت عشرة أيام لملء 159 لترًا من الهيدرازين و 79.5 لترًا من رباعي أكسيد النيتروجين في خزانين منفصلين. يستخدم رباعي أكسيد النيتروجين عاملًا مؤكسدًا لتحسين كفاءة احتراق وقود الهيدرازين.
وبحسب البيان الصحفي فإن عملية تزويد قمر صناعي بالوقود عملية حساسة، تتضمن وضع التوصيلات، والتزويد بالوقود ثم ضغطها، لأن هذين المكونين من العناصر شديدة السمية، لذا أنجزها عدد محدود من المختصين، باستخدام ألبسة واقية خاصة (بدلات سكيب-SCAPEsuits) في قاعة مخصصة لعمليات التزود بالوقود.
وتسبب حادث سابق في أحزمة الربط -خلال عملية مماثلة في المرة الأخيرة- في تعرض التلسكوب للاهتزازات، ما دفع وكالة الفضاء الأوروبية لإجراء فحص مفصل للمركبة الفضائية.
10 مليارات دولار
وضعت وكالة الفضاء الأميركية التصاميم الأولى للتلسكوب المعروف اختصارا بـ “جي دبليو اس تي” بعيد إطلاق “هابل” سنة 1990 وبدأ تشييده في 2004 بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية وتلك الكندية. ويتميّز هذا الجهاز على أكثر من صعيد.
فمرآته البالغ طول باعها 6,5 أمتار تجعله أكثر قدرة على الاستشعار بسبع مرّات، ما يتيح له مثلا رصد الأثر الحراري لنحلة على القمر.
ويتمايز “جيمس ويب” أيضا بتقنيته للمراقبة، فتلسكوب “هابل” يجري عمليات المراقبة في ميادين يكون فيها الضوء مرئيا. أما “جيمس ويب”، فهو يسبر موجات غير مرئية للعين المجرّدة من أشعة تحت حمراء متوسطة المدى وقريبة، وهو شعاع يصدر عن كلّ جسم فلكي أو نجم أو إنسان أو زهرة.
والشرط الأساسي لحسن سير عمليات المراقبة في التلسكوب هو انخفاض الحرارة المحيطة به لدرجة لا تؤثّر على تتبّع الضوء.
وقد وُضع التلسكوب “هابل” في المدار على علو يقرب من 600 كيلومتر فوق الأرض. لكن عند هذه المسافة، سيكون “جيمس ويب” غير صالح للاستخدام مع تسخينه من الشمس وانعكاسه على الأرض والقمر.
وسيحظى بحماية من الإشعاع الشمسي بفضل درع حرارية مكونة من خمسة أشرعة مرنة تبدد الحرارة وتخفض درجتها (وهي 80 درجة مئوية) إلى 233 درجة مئوية دون الصفر عند جهة التلسكوب.
وقد اتخذت وكالة “ناسا” تدابير مشددة لتفادي أي أضرار قد تلحق بالتلسكوب الذي كلّف تطويره ما يقرب من عشرة مليارات دولار على مدى سنوات طويلة.
ومن شأن نجاح العملية أن يوطّد الشراكات القائمة بين “ناسا” وشركائها الأوروبيين.
وشدّد مسؤولون من “ناسا” ووكالة الفضاء الأوروبية في مركز كورو الفضائي في غويانا الفرنسية على أهمية “التعاون الوطيد في مجال الفضاء لتحقيق إنجازات كبيرة”.
لكن لا بدّ من الانتظار أسابيع عدّة لمعرفة إن كان التلسكوب قابلا للتشغيل ومن المزمع وضعه في الخدمة في حزيران/يونيو.