بعد سنوات من الجهد المبذول، نوشك على ضم المزيد من الكواكب الخارجية -كواكب تقع خارج نطاق المجموعة الشمسية- إلى قائمة الكواكب الخارجية المعروفة، لتقارب خمسة آلاف كوكب خارجي.
في دراسة جديدة للكواكب الخارجية، حدد فريق من علماء الفلك 366 كوكبًا خارجيًا محتملًا غير معروف سابقًا، وفقًا لبيانات تلسكوب كيبلر الفضائي.
قادنا إلى تلك الكواكب خوارزمية مطورة خصوصًا لرصد الخفوت في سطوع النجوم، ما يشير إلى وجود كواكب محتملة تدور حول نجومها المرصودة.
يقول عالم الفلك إريك بيتجورا من جامعة كاليفورنيا: «يُعد اكتشاف مئات الكواكب الخارجية الجديدة إنجازًا كبيرًا بحد ذاته، لكن ما يجعل ذلك العمل فريدًا كيفية إلقاء الضوء على السمات المميزة للكواكب الخارجية».
قضى تليسكوب كيبلر نحو عقد يدور في مداره الأرضي حول الشمس، مراقبًا رقعًا بعينها في السماء، بهدف التقاط الخفوت في سطوع النجوم عند مرور الكواكب الخارجية أمامها. يشير انتظام خفوت النجم وسطوعه إلى وجود جسم يتخذ مدارًا حوله.
تسمح الفواصل الزمنية بين الخفوت والسطوع للفلكيين بمعرفة مدى قرب الكوكب الخارجي من نجمه، ويدل مقدار الضوء الذي يخفيه الكوكب إذ يمر أمام النجم على حجم الكوكب.
قد يبدو الأمر سهلًا، لكن تحديد الإشارات الدالة على وجود كوكب خارجي وسط الضوضاء يستغرق وقتًا، والكثير من العمل الذي يجريه البشر بأنفسهم. إذ عادةً ما يكون البشر أدق في اكتشاف الإشارات مقارنةً بالبرامج المعقدة.
مع ذلك ساهمت خوارزمية طورها عالم الفلك من جامعة كاليفورنيا جون زينك في تغيير هذا الوضع.
استخدم فريق البحث بيانات مهمة كبلر الثانية، التي بلغت 500 تيرابايت، وتضمنت أكثر من 800 مليون صورة. تضمنت البيانات 381 كوكبًا خارجيًا سبق اكتشافه، و366 كوكبًا خارجيًا محتملًا لم يكتشف سابقًا.
من بين الأنظمة المُكتشفة، نظام نجمي يتضمن اثنين من الكواكب الغازية العملاقة –مثل زحل- القريبة من نجومها بدرجة غير مسبوقة. يبحث علماء الفلك عن حالات غير اعتيادية كهذه، ليطّلعوا على الحالات التي قد تتخذها الأنظمة النجمية.
قال زينك: «يوفر لنا اكتشاف كل كوكب جديد نظرة فريدة إلى طبيعة تكوين الكواكب».
لم يكن فريق زينك الوحيد الذي يعمل على البيانات الواردة من تلسكوب كبلر. إذ أضافت لنا جهود العالم حامد فاليزاديجان من اتحاد الجامعات لأبحاث الفضاء (USRA) أكثر من 300 كوكب خارجي إلى القائمة المؤكدة.
عندما تدل الإشارة على احتمال وجود كوكب خارجي، يقدَّم ذلك بوصفه مقترحًا مبدئيًا. قد يكون كوكبًا خارجيًا بالفعل، لكن يظل الأمر بحاجة إلى تأكيد. إذ يحتاج العلماء إلى استبعاد الاحتمالات الأخرى التي قد تسبب إشارة كهذه. تندرج الكواكب الخارجية المحتملة التي اكتشفها فريق زينك ضمن تلك الفئة.
توجد آلاف من الكواكب الخارجية المحتملة. حتى 18 نوفمبر، كان عدد الكواكب الخارجية المؤكدة 4575 فقط.
طور فاليزاديجان وفريقه شبكة عصبونية سميت (ExoMiner)، تعمل على حاسوب بلايديس الفائق. تميز تلك الشبكة الكواكب الخارجية الحقيقية بين الكواكب المحتملة.
يشرح فاليزاديجان: «عندما تخبرنا الشبكة بوجود كوكب، فمن المؤكد أنه كوكب بالفعل. تعد تلك الشبكة دقيقةً للغاية، بل إنها أكثر موثوقية من الأجهزة الأخرى باختلاف تصنيفاتها، والخبراء البشريين«.
استخدم فاليزاديجان وفريقه شبكة (ExoMiner) لتحليل بيانات الكواكب الخارجية ضمن بيانات تلسكوب كيبلر. حُددت تلك الكواكب الخارجية سابقًا، لكنها ظلت بحاجة إلى تأكيد أنها بالفعل كواكب وليست أجسامًا أخرى، وهذا ما حققته الشبكة، إذ أكدت وجود 301 كوكب خارجي.
هذه الكواكب لا يشبه أي منها الأرض، ولا تقع مداراتها في النطاق الصالح للحياة، لكنها تبقى مهمة لفهم تطور الأنظمة النجمية في مجرتنا.
قد تساعدنا الدراسة على فهم تطور الأنظمة النجمية، والنتائج المحتملة لهذا التطور.
قال فاليزاديجان: «بعد تجربتنا الناجحة للشبكة على بيانات تلسكوب كيبلر، يمكننا تطبيق ذلك على مهمات أخرى، مثل مهمة ماسح الكواكب الخارجية العابرة (TESS) التي نعمل عليها حاليًا بالفعل».
تقدم الدراسة مجموعة من الأدوات الجديدة التي تسهل عملية البحث عن الكواكب الخارجية في مراحلها المختلفة. إذ توفر جهودًا كبيرة لفحص وجود الكواكب الخارجية وتأكيدها، ما يسمح للعلماء بالعمل عليها وتحليلها.
المصدر: ساينس أليرت – ترجمة: ibelieveinsci
اقرأ أيضاً: “جيمس ويب” أكبر تلسكوب في العالم يبدأ رحلته للتعمق باستكشاف الكون
أطلقت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا)، السبت، تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي من الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الجنوبية.
وذكرت وكالة أسوشييتد برس أن ناسا أطلقت أكبر وأقوى تلسكوب في العالم، من إقليم غويانا الفرنسية الواقعة في الساحل الشمال الشرقي لأمريكا الجنوبية على متن صاروخ “أريان” الأوروبي، في مهمة عالية المخاطر لرصد الضوء من أوائل النجوم والمجرات في الكون.
واصطحب صاروخ “أريان 5” تلسكوب “جيمس ويب” إلى الفضاء من قاعدة كورو.
وكان إطلاق التلسكوب “جيمس ويب”، وهو الأقوى على الإطلاق، تأجل ثلاث مرات منذ وصوله إلى قاعدة كورو الفضائية في غويانا الفرنسية في أكتوبر الفائت.
وأرجئ الإطلاق المرة الأولى خلال التحضيرات للتلسكوب نهاية الشهر الفائت، فيما حصل ذلك مرة ثانية جراء مشكلة في الاتصال مع النظام على الأرض.
والثلاثاء، تسببت “الأحوال الجوية المتردية” في تأخير الإطلاق مرة جديدة، وفق بيان لوكالة ناسا.
وأوضحت أن المرصد الفلكي انطلق نحو وجهته التي تبعد 1.6 مليون كلم، أو ما يعادل مسافة أبعد من القمر بأربع مرات.
على خطى هابل
وسيكون “جيمس ويب” على منوال التلسكوب “هابل” الذي أحدث ثورة في تقنيات مراقبة الفضاء واكتشف العلماء من خلاله وجود ثقب أسود في قلب كلّ المجرّات أو بخار ماء حول الكواكب الخارجية، على سبيل التعداد.
وبُني هذا التلسكوب، الجوهرة الهندسية الفائقة التعقيد، في الولايات المتحدة تحت إشراف “ناسا”، ويتضمّن أدوات من وكالتي الفضاء الأوروبية والكندية.
وقال مدير ناسا بيل نيلسون في وقت سابق من هذا الأسبوع: “سيعطينا (التلسكوب) فهمًا أفضل لكوننا ومكاننا فيه: من نحن وما نحن عليه والبحث الأبدي”.
ومن المقرر أن تستغرق رحلة التلسكوب للوصول إلى وجهته شهرا وحدا و5 أشهر إضافية ليكون جاهزا لبدء مسح الكون.
ويعمل التلسكوب بالأشعة تحت الحمراء ووزنه 7 أطنان حيث كان يعمل عليه آلاف الأشخاص من 29 دولة منذ تسعينيات القران الماضي.
وأطلق على التلسكوب اسم “جيمس ويب” نسبة إلى رئيس ناسا خلال معظم فترة تكوين الوكالة في الستينات وهو أكثر حساسية من سابقه تلسكوب “هابل” بنحو 100 مرة ومن المتوقع أن يغير فهم العلماء للكون ومكاننا فيه.
التزويد بالوقود عملية حساسة
وفي وقت سابق قالت وكالة الفضاء الأوروبية في بيان صحفي، إن تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) زود بالوقود في منشأة إعداد الحمولات في غويانا الفرنسية
وأكدت أن عملية تزويد المرصد بالوقود اللازم، استغرقت عشرة أيام لملء 159 لترًا من الهيدرازين و 79.5 لترًا من رباعي أكسيد النيتروجين في خزانين منفصلين. يستخدم رباعي أكسيد النيتروجين عاملًا مؤكسدًا لتحسين كفاءة احتراق وقود الهيدرازين.
وبحسب البيان الصحفي فإن عملية تزويد قمر صناعي بالوقود عملية حساسة، تتضمن وضع التوصيلات، والتزويد بالوقود ثم ضغطها، لأن هذين المكونين من العناصر شديدة السمية، لذا أنجزها عدد محدود من المختصين، باستخدام ألبسة واقية خاصة (بدلات سكيب-SCAPEsuits) في قاعة مخصصة لعمليات التزود بالوقود.
وتسبب حادث سابق في أحزمة الربط -خلال عملية مماثلة في المرة الأخيرة- في تعرض التلسكوب للاهتزازات، ما دفع وكالة الفضاء الأوروبية لإجراء فحص مفصل للمركبة الفضائية.
10 مليارات دولار
وضعت وكالة الفضاء الأميركية التصاميم الأولى للتلسكوب المعروف اختصارا بـ “جي دبليو اس تي” بعيد إطلاق “هابل” سنة 1990 وبدأ تشييده في 2004 بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية وتلك الكندية. ويتميّز هذا الجهاز على أكثر من صعيد.
فمرآته البالغ طول باعها 6,5 أمتار تجعله أكثر قدرة على الاستشعار بسبع مرّات، ما يتيح له مثلا رصد الأثر الحراري لنحلة على القمر.
ويتمايز “جيمس ويب” أيضا بتقنيته للمراقبة، فتلسكوب “هابل” يجري عمليات المراقبة في ميادين يكون فيها الضوء مرئيا. أما “جيمس ويب”، فهو يسبر موجات غير مرئية للعين المجرّدة من أشعة تحت حمراء متوسطة المدى وقريبة، وهو شعاع يصدر عن كلّ جسم فلكي أو نجم أو إنسان أو زهرة.
والشرط الأساسي لحسن سير عمليات المراقبة في التلسكوب هو انخفاض الحرارة المحيطة به لدرجة لا تؤثّر على تتبّع الضوء.
وقد وُضع التلسكوب “هابل” في المدار على علو يقرب من 600 كيلومتر فوق الأرض. لكن عند هذه المسافة، سيكون “جيمس ويب” غير صالح للاستخدام مع تسخينه من الشمس وانعكاسه على الأرض والقمر.
وسيحظى بحماية من الإشعاع الشمسي بفضل درع حرارية مكونة من خمسة أشرعة مرنة تبدد الحرارة وتخفض درجتها (وهي 80 درجة مئوية) إلى 233 درجة مئوية دون الصفر عند جهة التلسكوب.
وقد اتخذت وكالة “ناسا” تدابير مشددة لتفادي أي أضرار قد تلحق بالتلسكوب الذي كلّف تطويره ما يقرب من عشرة مليارات دولار على مدى سنوات طويلة.
ومن شأن نجاح العملية أن يوطّد الشراكات القائمة بين “ناسا” وشركائها الأوروبيين.
وشدّد مسؤولون من “ناسا” ووكالة الفضاء الأوروبية في مركز كورو الفضائي في غويانا الفرنسية على أهمية “التعاون الوطيد في مجال الفضاء لتحقيق إنجازات كبيرة”.
لكن لا بدّ من الانتظار أسابيع عدّة لمعرفة إن كان التلسكوب قابلا للتشغيل ومن المزمع وضعه في الخدمة في حزيران/يونيو.