في عملية مثيرة كشفت شركة فضائية أنها رصدت قمرا اصطناعيا للصين وهو يمسك بقمر اصطناعي آخر خرج عن الخدمة ويخرجه عن المدار، إذ ألقى به فيما يُطلق عليه “مدار مقبرة” الأقمار الاصطناعية، فكيف يتم ذلك؟ وما تداعياته؟ وهل يشكل خطرا؟
في مشهد يحاكي فانتازيا هوليوود في أحد أفلام “ستار وورز” أو “حرب النجوم”، شهد مدار الأرض مشهدا فريدا الشهر المنصرم حيث تم رصد قمر اصطناعي صيني وهو يمسك بقمر صناعي آخر خرج عن الخدمة منذ وقت طويل ليخرجه عن المدار حيث ألقى به فيما يُطلق عليه “مدار مقبرة” الأقمار الاصطناعية حوالي 300 ألف كيلومتر فوق سطح الأرض حيث تقل احتمالية الاصطدام بالأقمار الاصطناعية والمركبات الفضائية.
وقد قدم هذا الأمر الدكتور برايان فليويلنغ في ندوة عبر الإنترنت نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومؤسسة العالم الآمن الشهر الماضي.
ويعد فليويلنغ كبير مهندسي مجال يُعرف بـ “التوعية بالظروف الفضائية” في شركة ExoAnalytic Solutions الأمريكية الخاصة التي تعمل على تعقب أماكن الأقمار الاصطناعية باستخدام شبكة كبيرة من التلسكوبات البصرية على مستوى العالم.
وقالت الشركة إنه في الثاني والعشرين من يناير / كانون الثاني تم رصد القمر الاصطناعي الصيني شيجيان 21 أو ( SJ-21) وهو يقوم بتغيير مكانه المعتاد في السماء ليقترب من القمر الاصطناعي Compass-G2 أو “بيدو 2” المنتهي الصلاحية ليلتصق القمر شيجيان 21 مع القمر الصناعي G2 ويبعده عن مداره.
ولم يصدر أي تأكيد حيال هذه الظاهرة الفضائية الفريدة من جانب المسؤولين الصينيين.
وأظهرت لقطات بثتها شركة ExoAnalytic تحرك القمرين الاصطناعيين تجاه الغرب فيما انفصلا في السادس والعشرين من يناير / كانون الثاني ليخرج “بيدو 2” عن مداره ويذهب في طي النسيان.
ويعد القمر الاصطناعي “بيدو 2 ” جزءا من نظام “بيدو 2 ” الصيني الخاص بالملاحة عبر الأقمار الاصطناعية ويسمى بالإنجليزية أيضا كومباس والذي فشل عقب إطلاقه في عام 2009. وعلى مدار أكثر من عشر سنوات، كان هذا القمر الاصطناعي يتحرك حول الكرة الأرضية إلى جانب إلى جانب ملايين الأجسام الأخرى التي يُطلق عليها “نفايات الفضاء”.
وقد أطلق القمر الاصطناعي شيجيان 21 في أكتوبر / تشرين الأول العام الماضي وقد عاد الآن إلى موقعه في المدار الثابت بالنسبة للأرض فوق حوض الكونغو.
يشار إلى القمر الاصطناعي ينتقل إلى المدار الثابت بالنسبة للأرض أي على ارتفاع 35 ألفا و410 كيلومترات فوق الأرض ليدور القمر فوق خط الاستواء بسرعة تساوي سرعة دوران الأرض.
ويطلق على هذا المدار الخاص بالأقمار الاصطناعية المتزامنة مع الأرض اسم “مدار كلارك” في إشارة إلى مؤلف الخيال العلمي البريطاني آرثر سي كلارك حيث قام بتعميم فكرة “المدار الثابت” عام 1945 إيذانا بإحداث ثورة في تكنولوجيا الاتصالات.
وبعد ذلك بعقدين، أُطلق أول قمر اصطناعي في المدار الجغرافي الثابت.
منفعة أم تهديد
الجدير بالذكر أن عملية التخلص من “النفايات الفضائية” لا تشكل خطرا حيث قامت دول بالأمر فيما تعمل دول أخرى على تطوير تقنيات للتخلف من هذه النفايات.
فعلى سبيل المثال، أطلقت اليابان مهمة ” “ELSA-d” الفضائية في مارس / آذار العام الماضي بهدف اختبار تقنيات جمع الحطام الفضائي فيما تخطط وكالة الفضاء الأوروبية لإطلاق برنامج مماثل عام 2025.
ورغم تعاظم جهود الدول في تطوير تكنولوجيا التخلص من النفايات الفضائية وتطبيقها على أرض الواقع، إلا أن مسؤولين أمريكيين أعربوا عن قلقهم إزاء مهمات فضائية صينية للتخلص من النفايات مثل مهمة القمر الاصطناعي شيجيان 21.
وفي هذا السياق، قال قائد القيادة الفضائية الأمريكية الجنرال جيمس ديكنسون في أبريل / نيسان العام الماضي إن التكنولوجيا الفضائية الصينية على غرار القمر الاصطناعي “شيجيان 21” يمكن “استخدامها مستقبلا للتصدي والإمساك للأقمار الاصطناعية الأخرى”.
هل هناك تهديد حقيقي؟
من جابنها، قالت “مؤسسة العالم الآمن” في تقريرها عن التجارب المضادة للأقمار الاصطناعية العام الماضي إنه يوجد دليل قوي على أن الصين وروسيا تعملان على تطوير تكنولوجيا ذات “قدرات فضائية” يكون بمقدورها تدمير أقمار صناعية.
ومع ذلك، قال التقرير أن التصريحات الرسمية الصينية “تتماشى بشكل مستمر مع الأهداف السلمية للفضاء” ولا يوجد أي دليل على أن الأمر ينطوي على تسهيل لأي مهمات لتدمير أقمار فضائية أو تجارب مضادة للأقمار الاصطناعية.
تزامن هذا مع تأكيد صدر العام الماضي عن معهد دراسات الفضاء الصيني وهو مركز بحثي تابع للقوات الجوية الأمريكية في تقرير جاء فيه أن استخدام “شيجيان 21” سيقتصر على الأرجح على اختبار طرق التخلص من نفايات الفضاء.
صيانة الفضاء
وخلص التقرير إلى أن القمر الاصطناعي “شيجيان 21” على الأرجح أحد الأقمار الصينية الخاصة بتجميع وتشغيل وصيانة مركبة فضائية كبيرة في المدار أو ما يطلق مهمات OSAM.
وفي ذلك، تقوم العديد من وكالات الفضاء بتطوير مهمات مماثلة منذ عقود فيما قد أن يدخل في إطار ذلك المركبات الفضائية المصممة للتزود الوقود أو إصلاح الأقمار الاصطناعي الموجودة في المدار أو حتى التخلص من نفايات الفضاء.
وكانت شبكة مراقبة الفضاء الأمريكية قد ذكرت أنه منذ بدء الرحلات والأنشطة الفضائية في ستينيات القرن الماضي، فقد أدت أكثر من ستة آلاف عملية إطلاق إلى وجود أكثر من 50 ألف جسم في المدار فيما ذكرت وكالة الفضاء الأوروبية أن من بين أكثر من 30 ألف قمر اصطناعي وحطام فضائي تدور حول الأرض، فإن خمسة آلاف منها فقط تعمل.
قمامة الفضاء الخارجي
وفي هذا السياق، قامت دول مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند بتفجير أقمار اصطناعية في الفضاء لينجم عن ذلك حُطام أصغر حجما لكن بكميات كبيرة.
وكشفت وكالة الفضاء الأوروبية عن أن أكثر من 300 مليون جسم صغير يدور في الفضاء بسرعات كبيرة قد تصل إلى 30 ألف كيلو متر في الساعة أي خمسة أضعاف سرعة أسرع رصاصة.
وقامت الوكالة باختبار مشاريع في إطار مهمات تجميع وتشغيل وصيانة مركبة فضائية كبيرة في المدار عام 1990 فيما كانت أبرز هذه المهمات عام 1993 عندما تم إطلاق مهمة لصيانة تلسكوب هابل الفضائي إذ تم صيانته في الفضاء.
ولا يتوقف الأمر على الصين أو الاتحاد الأوروبي بل يمتد الأمر إلى وكالة “ناسا” الأمريكية لعلوم الفضاء بما في ذلك مهمات OSAM-1 و OSAM-2 الخاصة بتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد في الفضاء حيث تأمل ناسا أن يمكن هذا الأمر رواد الفضاء من تصنيع مكونات كبيرة في الفضاء قد يصعب حملها من الأرض إلى الفضاء على متن صاروخ.
المصدر: wd