شهدت مصافي التكرير الهندية، التي تعد من بين القلائل المتحمسين لشراء النفط الروسي، حالة من الحيرة والارتباك، نتيجة قيامها بسداد كامل قيمة الشحنات الروسية، في وقتٍ يتم عرضها للبيع في أوروبا بتخفيضات كبيرة.
وقال متداولون في الدولة الواقعة جنوب آسيا، إنَّ متعاملين اشتروا ملايين البراميل من خام الأورال الروسي، عن طريق مناقصات مفتوحة مؤخراً، وإنَّ بعض التوريدات تمت بعلاوة دولار واحد للبرميل أعلى من مؤشر تسعير برنت المؤرخ في لندن على أساس التسليم، مقارنة بخصومات تزيد عن 30 دولاراً للبرميل في أوروبا لدرجة الخام نفسها.
وذكر المسؤولون في المصافي الهندية أنَّهم لا يعرفون سبب عدم عرض تخفيضات عليهم تقترب مما يتم طرحه في أوروبا، في الوقت الذي دعموا فيه بشكل معلن استمرار استيراد الخام الروسي.
يثير عدم وجود تخفيضات غضب المسؤولين، وخاصة مع ارتفاع الأسعار لأكثر من 100 دولار للبرميل، بسبب الغزو، الأمر الذي زاد من مخاوف التضخم في أفقر الدول الرئيسية المستوردة للنفط.
تتعرّض الهند لضغوط من حلفائها، ومن بينهم الولايات المتحدة، لوقف استيراد الطاقة الروسية، وحرمان فلاديمير بوتين من الدخل للحفاظ على استقرار الاقتصاد، وتمويل غزوه لأوكرانيا. لطالما كانت روسيا شريكة تجارية مع الهند في كل شيء من الطاقة إلى الغذاء والأسلحة.
عادةً ما تشتري مصافي التكرير الحكومية في الهند النفط الخام بالأسعار الفورية عن طريق مناقصات مفتوحة، يقدّم خلالها البائعون المحتملون عروضاً تتضمّن تفاصيل عن نوع الخام، والحجم، والسعر، وشروط العرض الأخرى.
وأشار مسؤولو مصافي التكرير إلى أنَّ الشراء بتلك الطريقة يهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة، لكن يمكن التلاعب بها من قبل البائعين الذين لديهم معرفة جيدة بالسعر الذي يمكن الوصول إليه خلال عملية الشراء.
كانت عروض خام الأورال أرخص بشكل طفيف مقارنة بخامات أخرى “متوسطة الحموضة” يتم بيعها للهند مثل خام نفط عُمان، ونفط “زكوم العلوي”، بدلاً من الخصومات الكبيرة التي يتم عرضها في أوروبا.
قال مسؤولون، لم يكشفوا عن أسمائهم بسبب سياسة الشركة، إنَّ مجموعة “فيتول” (Vitol Group) استحوذت على العديد من عمليات البيع الفورية، فيما رفضت “فيتول” التعليق على أنشطة تجارية محددة.
أوضح متداولون أنَّ أي شخص يمكنه شراء خام الأورال بأسعار قريبة من أسعار العروض الأوروبية المخفّضة، وتحقيق ربح يتراوح بين 10 إلى 20 دولاراً للبرميل في حالة شحنه وبيعه في الهند، مع الأخذ في الاعتبار تكاليف الشحن والتأمين وغيرها، ويشكل ذلك أرباحاً كبيرة في صناعة عادة ما تُقلّص فيها المنافسة الهوامش إلى سنتات قليلة للبرميل.
وفي نهاية مارس الماضي، تم تأجير ناقلات “سويز ماكس” (Suezmax) بسعة مليون برميل بتكلفة 5 دولارات للبرميل لنقل النفط الخام من البحر الأسود إلى الهند، وبإضافة 4 دولارات أخرى لتكلفة البرميل يتم تحمُّلها بسبب التخلف عن السوق، نتيجة الرحلة الطويلة التي تستغرق شهراً، بالإضافة إلى تكاليف أخرى. ويقدّر المتداولون تحقيق أرباح من تلك الشحنة تتراوح بين 10 و20 مليون دولار.
منافسة ضعيفة
قال مسؤولون في مصفاة هندية، إنَّ عدداً قليلاً من الشركات يقوم بشحن خام الأورال وبيعه في آسيا، مما يعني عدم وجود منافسة قوية بالقدر الكافي الذي تحتاجه السوق لخفض العروض.
دخل المزيد من البائعين إلى السوق، مع وضوح التعليمات بشأن القيود والعقوبات المختلفة المفروضة على روسيا لدى التجار، وظهور طرق للتحايل عليها، مما ساهم في بدء زيادة الخصومات التي يتم تقديمها للمشترين الهنود.
تُظهر عقود الشحنات، وتقارير وكلاء الموانئ، استمرار شركات مثل “فيتول”، ومجموعة “ترافيغورا” (Trafigura Group)، و”بيتراكو أويل” (Petraco Oil)، و”غلينكور” (Glencore Plc)، و”ليتاسكو” (Litasco SA)، و”غانفور” (Gunvor Group Ltd) في تحميل النفط الخام من الموانئ الروسية من خلال عقود سابقة أُبرمت في الغالب قبل الغزو الأوكراني.
قد تُبحر الشحنات مباشرة إلى المشترين، أو تخضع لما يعرف بالتحويلات من سفينة إلى أخرى، ليتم نقلها إلى سفن أكبر من أجل توفير تكاليف الشحن، أو لأسباب استراتيجية أخرى.
تاريخياً، تعد مصافي التكرير الهندية ضمن المشترين غير الفاعلين؛ إذ يحصلون على أفضل الأسعار التي يتم عرضها عليهم عن طريق المناقصات، بدلاً من إنشاء أذرع تجارية منفصلة، ولذلك؛ يبقون دون وحدات تجارية يمكنها البحث في السوق العالمية عن أفضل أنواع الخام بأسعار مناسبة، أو حتى شراء وبيع ومبادلة الشحنات من أجل تحقيق الأرباح، كما تفعل شركات التكرير الصينية المملوكة للدولة.
المصدر: اقتصاد الشرق