تأهب الشعب السوري، موالاة ومعارضة، لانتظار ما سيؤول إليه مؤتمر فيينا الذي عقد في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، والذي تم بدعوة من حكومة موسكو، على مستوى وزراء الخارجية للدول الأكثر تأثيراً و فاعلية بالملف السوري، كالولايات المتحدة الأميركية و المملكة العربية السعودية و تركيا.
وعلى الرغم من التعتيم شبه الكامل لما جاء في قلب الاجتماع وشح ما خرج به المجتمعون إلا أننا يمكن أن نطالع مخرجات فيينا من خلال ثلاث دلالات:
توقيت المؤتمر والدول التي تمت دعوتها وأخيراً التصريحات والاتفاقيات التي أعقبته.
أولا: توقيت فيينا:
لم يكن من الصدفة أن يتم عقد مؤتمر فيينا بعد ثلاثة أيام فقط من استدعاء الأسد للكريملين، فعلى الرغم من أن بعض المحللين والسياسيين ومرتزقة الإعلام الموالي يصرون على وصف جلسة التحقيق التي تمت مع الأسد في موسكو، بالزيارة وصبغها بالصفة الرسمية في الوقت الذي خلت فيه من أبسط البروتوكلات المتبعة في المحافل الرسمية، إلا أن الطريقة التي تمكن الأسد فيها من مغادرة سوريا بحد ذاتها هي مؤشر غير جيد بالنسبة للأسد و إن كان كسراً للإقامة الجبرية التي فرضتها عليه المقاومة الشعبية المسلحة والأوضاع الأمنية داخل سوريا بشكل عام، ولا نعلم إن كانت روسيا قد أعادت الأسد إلى سوريا أم حجزته ورقة تلعب بها في أواخر مشاهد الحرب المسعورة في سوريا.
في الوقت ذاته لا يمكن أن نهمل ما أفضى إليه الاستدعاء من نتائج على الصعيدين الدولي والإقليمي والمحلي من تطورات استثنائية تعتبر مبشرة إلى حد كبير.
فالكرملين كان قد أعلن في الحادي و العشرين من أكتوبر أي غداة استدعاء الأسد أن بوتين أجرى سلسلة من الاتصالات الهاتفية مع كل من الملك سلمان والعاهل الأردني والرئيس التركي والسيسي وتم من خلال هذه الاتصالات إطلاعهم على نتائج استدعاء الأسد ومخرجاته، ولو أن روسيا فعلا متمسكة بدعمها لنظام الأسد حسب ادعاء مروجي النظام، لما كانت الحاجة إلى فيينا بهذه السرعة وهذا التجاوب على مستوى وزراء الخارجية، فمن المتعارف عليه أن هذا النوع من اللقاءات لا يتم عقدها ما لم يجتمع الأطراف على بنود محددة و أساسية و يعقد اللقاء ليكمل وينسق التفاصيل الهامشية لا أكثر، وعلى ما يبدو من التصريحات المقلة التي تم الحصول عليها بعد فيينا أن الدول الأربع التي شاركت في الاجتماع ترى ضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن إيقاف الاقتتال على الأراضي السورية حيث صرح جون كيري: "أن جميع الحكومات المعنية حول الحرب الأهلية الطاحنة في سوريا، وهي الآن في عامها الخامس يتفقون على أن القتال يجب أن يقف". كذلك تم الاتفاق على رحيل الأسد وإنما الاختلاف على توقيت الرحيل، ففيما ترى موسكو ضرورة بقائه حتى انتهاء الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة تصر الدول الثلاث على ضرورة رحيله.
ثانيا: الدول التي تمت دعوتها:
دعت موسكو كلاً من الولايات المتحدة الأميركية و تركيا والسعودية وهي على علم مسبق بمواقفهم الأولية تجاه أي تسوية في سوريا، وإصرارهم على رحيل الأسد وإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا، ورفضهم للعمليات الروسية التي تقصف المدنيين ومواقع تابعة لفصائل من الجيش الحر المدعوم من قبل هذه الدول.
ونذكّر بأن هذه الأسباب تحديداً كانت سبب رفض حكومة واشنطن الجلوس مع موسكو على طاولة مفاوضات اللهم إلا ما تعلق منها بتنسيق حركة الطيران في الأجواء السورية. بعد استدعاء الأسد تحديداً، تم قبول دعوة موسكو مما يشير إلى انفراج في العلاقات، يتعلق دون أدنى شك بتفاهمات حول تسوية مرضية لكل الأطراف، وعلى هذا لا نعتقد بأن طلب موسكو بتوسع دائرة فيينا لتشمل مصر وإيران سيقابل بالرفض وخصوصاً أن المرحلة القادمة ستحدد الأدوار والمسؤوليات لكل اللاعبين الدوليين والإقليميين وستوزع بالتالي مناطق النفوذ وفقاً للمصالح الجيوسياسية لكل دولة في المنطقة.
ثالثا: التصريحات والاتفاقيات التي أعقبته:
في الوقت الذي تم فيه اجتماع رباعي فيينا، جاء تصريح ناري وحازم للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بين فيه رفضه أي مستقبل للأسد، مؤكداً أن على المجتمع الدولي البحث عن حل سياسي قائلاً: " يفترض ألا يكون نظام الأسد هو الذي يقدم الحلول لأن هذا النظام هو المشكلة".
كما صدر عن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس تصريحاً في مؤتمر صحفي مشترك مع ديمستورا المبعوث الأممي لسوريا يتحدث فيه عن دعوة كان قد وجهها بدوره إلى نظرائه في كل من ألمانيا و بريطانيا و السعودية و أميركيا وآخرين الأسبوع المقبل إلى باريس لأجل التمكن من إيجاد حل سياسي في سوريا ويتوقع أن يتمخض عن لقاء باريس، الإجماع على التصويت على قرار حظر البراميل المتفجرة التي يقصف بها بشار الأسد المدنيين في سوريا و الذي تهيء فرنسا لعرضه على مجلس الأمن الدولي في الأيام المقبلة. يذكرنا هذا بالموقف من الكيماوي حيث تم تجاهل أدوات القتل الفتاكة الأخرى.
في الوقت نفسه أعلن وزيري الخارجية الروسي والأردني عن اتفاق بشأن تنسيق الطلعات التي ينفذها سلاحا الجو فوق الأراضي السورية.
وهنا نتساءل إلى أين يقود التنسيق الأردني- الروسي في الجنوب السوري؟ وهل يمكن أن تقود فيينا 2 المرتقبة إلى تفاهمات تزيد من عمق التعاون الروسي- الأردني بحيث يتم دمج الاستخبارات الروسية في غرفة الموك ويكون لها دور رئيسي ومباشر في إدارة الجبهات وخاصة الجنوبية و الشمالية، بعد الاطلاع على أدق تفاصيل الدعم اللوجستي والعسكري الذي يقدم للحرّ عبر الموك؟! للضغط على الجيش الحرّ ودمجه في جيش سوري موحد قادر على المشاركة في صد الإرهاب بإشراف روسي؟ لقد تسرب من الأخبار ما يؤكد هذا بقيادة أحد الضباط السوريين الذين تثق فيهم روسيا ولم تلوث يداه بالدم السوري.
نعتقد أن ما سيحدد إمكانية تحقيق هذا الفرض هو ما ستفرزه الاجتماعات الروسية- الأميركية في الفترات القليلة القادمة وما سيبدو بعد ذوبان الثلج.