جاب الديناصور “كوديبيتريكس”، شواطئ البحيرات الضحلة في “جيهول بيوتا” في مقاطعة لياونينغ “شمال شرق الصين” خلال أوائل العصر الطباشيري، وكان بحجم الطاووس، وذو ريش طويل بالذيل.
هذه الخصائض الشكلية أعطت الديناصور وقت حياته قبل 125 مليون عام، حضورًا مميزًا، لذلك لم يجد العلماء عند اكتشافه لأول مرة أفضل من ميزة شكل ريش الذيل، ليتخذوا منها اسمًا له، حيث أن كوديبيتريكس ” Caudipteryx” تعني باليونانية “ريشة الذيل”.
وكما كان الديناصور صاحب ريش الذيل الطويل مميزًا في حياته، يبدو أنه كذلك بعد موته، إذ كان سببًا في حدث فريد من نوعه، تم تسجيله في 24 سبتمبر الجاري بدورية ” كومينيكيشن بيولوجي”، وهو نجاح فريق بحثي يضم علماء من معهد علم الأحافير الفقارية وعلم الإنسان القديم (IVPP)، التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، ومتحف شاندونغ تيانيو للطبيعة (STM)، في عزل خلايا غضروف محفوظة بشكل رائع داخله، واحتوت هذه الخلايا على بقايا جزيئات عضوية وكروماتين (مزيج من الحمض النووي والبروتينات التي تشكل محتويات نواة خلية).
ويقول “لي تشيهينج”، أستاذ مشارك في معهد علم الأحافير الفقارية وعلم الإنسان القديم وأحد مؤلفي هذه الدراسة، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للأكاديمية الصينية للعلوم، بالتزامن مع نشر الدراسة: “استخرجنا قطعة من الغضروف المفصلي البعيد عن عظم الفخذ الأيمن من هذه العينة، ونزعنا الكلس (الحجر الجيري) منها، واستخدمنا طرقًا مجهرية وكيميائية مختلفة لتحليلها، ولقد أدركنا أن جميع الخلايا تم تمعدنها بواسطة السيليكات بعد موت الحيوان، و(هي عملية يتم فيها استبدال المعادن الأصلية للصخور بمعادن السيليكات، وتحدث بسبب تدفق محلول السيليكا المائي عبر مساحة مسام الصخور وفوق سطحها )، ومن المرجح أن ذلك هو ما سمح بالحفاظ بشكل ممتاز على هذه الخلايا”.
وكانت المفاجأة التي تنتظر الفريق البحثي بعد ذلك، هو نجاحهم في اكتشاف نوعين رئيسيين من الخلايا بالغضروف المفصلي.
تقول “أليدا بيليل”، الأستاذة بمعهد علم الأحافير الفقارية وعلم الإنسان القديم والمؤلفة المشاركة بهذه الدراسة: “إحدى الخلايا المكتشفة كانت سليمة في وقت التحجر، أما الأخرى، غير صحية، إذ كانت مسامية ومتحجرة أثناء الموت، ومن المحتمل أن تكون قد ماتت بالفعل حتى قبل موت الحيوان”.
وموت الخلايا هو عملية تحدث بشكل طبيعي طوال حياة جميع الحيوانات، لكن القدرة على وضع خلية متحجرة في مكان محدد داخل دورة الخلية أمر جديد تمامًا في علم الحفريات، و أحد أهداف علماء معهد علم الأحافير الفقارية وعلم الإنسان القديم، هو تحسين الصور الخلوية في الحفريات.
وإلى جانب هذه الأسرار التي باحت بها العينة، عزل الفريق بعض الخلايا وصبغها بمادة كيميائية تستخدم في المعامل البيولوجية في جميع أنحاء العالم، ومن المعروف أن هذه المادة الكيميائية الأرجوانية ، التي تسمى “الهيماتوكسيلين”، ترتبط بنوى الخلايا، وبعد معاملة العينة بها ، أظهرت خلية ديناصور واحدة نواة أرجوانية مع بعض الخيوط الأرجوانية الداكنة، وهذا يعني أن خلية الديناصور التي يبلغ عمرها 125 مليون عام تحتوي على نواة محفوظة جيدًا بحيث تحتفظ ببعض الجزيئات الحيوية الأصلية وخيوط الكروماتين.
ويتكون الكروماتين الموجود داخل خلايا جميع الكائنات الحية على الأرض من جزيئات الحمض النووي (الدي إن إيه) معبأة بإحكام، وبالتالي، توفر نتائج هذه الدراسة بيانات أولية تشير إلى أن بقايا الديناصورات الأصلية ربما لا تزال محفوظة، ولكن لاختبار ذلك بدقة يحتاج الفريق إلى القيام بالكثير من العمل واستخدام طرق كيميائية أكثر دقة بكثير من التلوين الذي استخدموه في هذه الدراسة.
وتقول “أليدا بيلول”: “لنكن صادقين، من الواضح أننا مهتمون بنواة الخلية المتحجرة لأن هذا هو المكان الذي يجب أن يكون فيه معظم الحمض النووي إذا تم حفظه “. وتضيف:”في العام الماضي، نشرت دراسة أخرى أبلغت عن حفظ نووي وجزيء حيوي استثنائي في خلايا غضروف ديناصور من مونتانا، لذلك، لدينا بيانات أولية جيدة، وبيانات مثيرة للغاية، لكننا بدأنا للتو في فهم الكيمياء الحيوية الخلوية في الحفريات القديمة جدًا، نحن بحاجة إلى المزيد من العمل في هذه النقطة”.
ويرى الفريق البحثي أنهم بحاجة إلى إجراء المزيد من التحليلات، وحتى تطوير طرق جديدة لفهم العمليات التي قد تسمح بالحفاظ على الجزيئات الحيوية في خلايا الديناصورات، لأنه لم ينجح أحد على الإطلاق في تسلسل الحمض النووي لأي ديناصور.
وعند الحديث عن الحمض النووي القديم ، تُستخدم طرق التسلسل لتأكيد ما إذا كان لا يزال محفوظًا في الحفريات، وحتى الآن، نجحت هذه الأساليب فقط مع الأحافير الصغيرة (التي لم يتجاوز عمرها حوالي مليون سنة)، لكنها لم تعمل أبدًا مع الديناصورات، حيث تعتبر الديناصورات قديمة جدًا بحيث لا تحتفظ بأي حمض نووي، ومع ذلك، فإن البيانات الكيميائية التي جمعها العلماء من معهد علم الأحافير الفقارية وعلم الإنسان القديم ومتحف شاندونغ تيانيو للطبيعة، تشير إلى خلاف ذلك.
وعلى الرغم من أنه يجب جمع المزيد من البيانات، تظهر هذه الدراسة بالتأكيد أن خلايا الديناصورات الأحفورية التي يبلغ عمرها 125 مليون عام لا يمكن اعتبارها صخورًا بنسبة 100 ٪، فهي ليست “متحجرة” بالكامل. وتذهب الدراسة إلى أنها لا تزال تحتوي على بقايا جزيئات عضوية حتى الآن، ومن الضروري معرفة ماهية هذه الجزيئات بدقة، وما إذا كانت تحتفظ بأي معلومات بيولوجية وبقايا الحمض النووي.
المصدر: phys