في خضم أزمة سياسية واقتصادية تعصف بتونس، جاء قرار وكالة التصنيف الائتماني (موديز) بتخفيض درجة تونس مع آفاق سلبية، ليزيد الطين بلة. فالبلاد تعيش وضعا اقتصاديا يصفه الكثير من الخبراء بالكارثي وباتت على حافة انهيار اقتصادي قد تكون له تبعات اجتماعية وسياسية خطيرة.
تأزيم الوضع
يرى معز الجودي الخبير الاقتصادي التونسي، في حديث لمونت كارلو الدولية، أن تقليص وكالة التصنيف الائتماني درجة تونس ستكون له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد التونسي الذي شهد تدحرجا كبيرا منذ الثورة التونسية عام 2011، إذ كانت تونس مصنفة ضمن البلدان حيث المخاطر ضعيفة، ومن البلدان التي ينصح المسافرون بالاتجاه إليها، بينما هذا التدحرج والتصنيف يجرانها إلى مصاف البلدان ذات المخاطر الكبيرة.
ويؤكد الباحث الاقتصادي التونسي حسان القبي، في حديث لمونت كارلو الدولية، أن قرار وكالة التصنيف الائتماني سيزيد الوضع سوءا في تونس، فبالإضافة للصعوبات التي تحدث عنها بيان الوكالة، والتي تهم التقليل من فرص حصول البلاد خلال السنوات القادمة على تمويلات خارجية، يؤكد القبي أن الاستثمار الخارجي سوف يكون شبه منعدم، “لأن المستثمرين الخارجيين سوف يتخوفون من الاستثمار في بلد يعاني من مناخ اقتصادي متعثر ومن ترقيم سيادي منخفض للغاية ومن العمل في دولة على مشارف الإفلاس”.
ويضيف الباحث الاقتصادي أن تونس ستعاني أيضا، ونتيجة لهذا القرار، من تعثر أكبر في سداد الديون الخارجية “وهو ما يعني الإفلاس. وأضاف أن “هذا لا يعني أنه سوف لن تكون هناك أوراق مالية للتعامل بين المواطنين، إذ سيمكن للبنك المركزي أن يطبع أوراقا مالية ولكن لن تكون هناك سيولة من ناحية العملة الصعبة. وبالتالي من الممكن أن يحصل هناك تعثر في استيراد المحروقات والأدوية وما هو مرتبط بمجال البناء، مثلا، في تونس من حديد ومشتقاته. وكل هذا يعني أن تونس قد تدخل في نفس النفق الذي دخلت فيه لبنان”.
قرار منتظر
لم يأت قرار وكالة التصنيف الائتماني بخفض درجة تونس مفاجئا، بل كان متوقعا حسب العديد من الخبراء الاقتصاديين، فهو يأتي بعد تقارير عديدة تؤكد أن الوضع الاقتصادي في تونس بات على حافة الانهيار. كما يلي قرارا أصدرته الوكالة منذ ثمانية أشهر، بتخفيض درجة التصنيف الائتماني لتونس، ورافقت التصنيف توقعات بآفاق سلبية. وهو تخفيض تلته عودة تونس، وللمرة الرابعة خلال عقد واحد، للتفاوض مع صندوق النقد الدولي سعيًا للتوصل إلى اتفاق على ثلاث سنوات والحصول خلال سنة 2021 على 3,3 مليارات يورو في مقابل وعد بإصلاحات يبدو جليا أن الالتزام بها أصبح أصعب من السابق، علما أن البلاد باتت مثقلة بالديون، وهو ما سيرهن اقتصادها لسنوات طويلة.
وتوقع معز الجودي صدور قرارات أخرى مماثلة من وكالات دولية تتعامل معها تونس، إذ أن الوكالة أعطت لهذا البلد، وبموازاة قرار التخفيض، “آفاقا سلبية”، وهو ما يعني أنه بعد التخفيض سيكون هناك قرار آخر مماثل، في حال لم يتحسن الوضع بخصوص النقاط التي وقعت الإشارة إليها في قرار التخفيض “الذي وضع تونس في تصنيف خطير يضم البلدان ذات المخاطر العالية، وهو ما يعني أنه بعد مدة، من الممكن أن تجد البلاد نفسها أمام تخفيض جديد إذا لم تتحسن الأمور على المستوى الاقتصادي والمالي”، حسب تعبير الجودي.
تحذير من إفلاس قادم
من جهته، يُذَكر حسان القبي بأنه منذ ضائقة 2019، حذر الخبراء من كون تونس تسير في طريق الإفلاس، خاصة بعد مطالبة وزير الاقتصاد والتعاون الدولي التونسي آنذاك، الشركاء بتأجيل خلاص الديون. ويقول القبي: “عندها استشعرنا بأن تونس تدخل في منعرج خطير من الناحية الاقتصادية خاصة وأن الترقيم السيادي لتونس، وقع تخفيضه أكثر من مرة، على امتداد السنوات العشر الأخيرة، حتى وصلنا إلى الترقيم الحالي الذي يعني أن تونس تواجه مخاطر اقتصادية عليا، مضيفا أنه “إذا ما استمر الحال على ما هو عليه، ستتجه البلاد نحو الإفلاس”.
يذكر أن بيان وكالة التصنيف الائتماني موديز، حمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في البلاد إلى ما أسماه “ضعف الحكومة” التونسية في بلد أتعبه غياب الاستقرار السياسي وزادت الجائحة الوضع سوءا. وقد اعتبرت الوكالة أن تشكيل حكومة جديدة في تونس من شأنه أن “يفتح الطريق أمام مفاوضات جديدة مع المقرضين الرسميين”، لكنها أقرت بصعوبة “التوافق حول إصلاحات سابقة وخاصة في ما يتعلق بكتلة الأجور في القطاع الحكومي وإصلاح الدعم المالي لقطاع الطاقة واصلاح المؤسسات الحكومية”، وهي إصلاحات اعتبرتها الوكالة “أساسية للموازنة العامة”.
المصدر: مونت كارلو الدولية