ربما واجه جميعنا ذلك اليوم الذي تنبثق فيه أغنية من العدم ولا تختفي من أدمغتنا طوال الوقت، وغالبا ما يجعلنا تكرارها باستمرار منزعجين.
وكرس بعض العلماء أنفسهم لدراسة هذه الحالة، التي وجدت بعض الاستطلاعات أن 90% من الناس يعانون منها، وكان نحو ثلثهم يعتبرونها محايدة أو إيجابية، فيما كان الثلث المتبقي يعتبرها مزعجة ومثيرة لمشاعر الغضب.
وفي مقال نشره موقع كلية الطب بجامعة هارفارد على الإنترنت، أوضحت سريني بيلاي، أستاذة طب النفس بالجامعة والمديرة المشاركة لمركز علوم الأعصاب في مستشفى بريغهام والنساء، والمؤلفة المشاركة أيضا في ورقة بحثية نُشرت عام 2018 حول التأثيرات العصبية الحيوية للموسيقى، لماذا تلتصق بعض الأغاني برؤوسنا.
وتُعرف هذه الظاهرة باسم earworms (دودة الأذن)، وهو اسم مستوحى من كلمة Ohrwurm الألمانية، والتي تعني النغمة الجذابة. ووقع صياغة هذا المفهوم في عام 1979 من قبل الطبيب النفسي كورنيليوس إيكيرت.
وتصف هذه الظاهرة في الأساس مقطعا موسيقيا متكررا يبلغ طوله عادة نحو 20 ثانية ويأتي تلقائيا إلى وعيك ويستمر في التشغيل بشكل متكرر.
وهناك خصائص موسيقية معينة تزيد من احتمالية تحول الأغاني إلى دودة الأذن، مثل إذا كانت المقطوعة متكررة، أو إذا كانت هناك مدة أطول لنغمات معينة، أو إذا كانت الفترات الفاصلة بين النغمات أصغر. وأيضا، الأغاني التي تثير نوعا من الشحن العاطفي، سواء بوعي أو بغير وعي، أو الأغاني المرتبطة بذاكرة معينة.
ونظرت الدراسات التي تستخدم التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي في بنية الدماغ، ووجد الباحثون أن هناك تدخلا للقشرة السمعية في الفص الصدغي للدماغ يدعم الإدراك الموسيقي، والصلات بين تلك القشرة ومناطق الفص الصدغي العميقة، مثل الحُصين أو التلفيف المجاور للحصين، والتي تعد مهمة في ترميز الذاكرة واسترجاعها.
والحلقة الصوتية، ووظيفتها تخزين المحتوى اللفظي في الدماغ، متورطة في هذه العملية لعدد معين من الثواني.
ولذلك هناك شبكات في الدماغ تدعم وظائف الموسيقى هذه، والذاكرة، والانتباه، وتحتفظ بشيء ما في رأسك، وذاكرة العمل.
ثم هناك ارتباط بالمناطق العاطفية في الدماغ، مثل اللوزة، التي تشارك في بروز المشاعر وسلبيتها، والجسم البطني، أو النواة المتكئة، التي تشارك في المشاعر الإيجابية والمكافأة. وهذه كلها عناصر يُعتقد أنها متورطة في ظاهرة دودة الأذن (وجود أغنية عالقة في رأسك).
ويشار إلى أنه وقع استخدام الموسيقى مع القافية قبل الكلمات المكتوبة في العديد من الثقافات لمساعدة الناس على تذكر التاريخ الشفوي. وتطورت أدمغتنا لتتذكر هذه الارتباطات وهذه المقتطفات.
وما يحدث هو أن الاتصالات في أدمغتنا التي تتضمن هذه المناطق “تعلق”، ما يؤدي إلى تشغيل تلقائي للذكريات الموسيقية.
وتشير بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعانون من صعوبة في الذاكرة العاملة، مثل أولئك الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه، قد يعانون من دودة الأذن بشكل أقل، في حين أن الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري، حيث توجد هذه الحلقات التي تلعب بشكل لا إرادي في أدمغتهم، قد يكونون أكثر عرضة لدودة الأذن.
هكذا تتخلص من الأغنية العالقة في ذهنك
وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يمضغون العلكة بعد الاستماع إلى الأغاني “يسمعون” الأغنية التي يلعبونها في أذهانهم بمعدل الثلث أقل من أولئك الذين لم يمضغوا العلكة.
وعلى الرغم من أن الأسباب غير واضحة تماماً في كيفية علاج الظاهرة بمضغ العلكة، يبدو أن للأمر علاقة بالقشرة السمعية في الدماغ والتي تُعالج الصوت.
كما دعت الدراسة نفسها إلى حل بعض الألغاز التي تركز على النشاط الذهني في أثناء مضغ العلكة، بحيث تملأ المساحة الإدراكية في العقل وتمنعه من الشرود.
طريقة أخرى يمكنها أن تساعدك، وهي الاستماع للموسيقى المكررة مرةً أخرى والتركيز فيها، وبعد انتهاء المقطع، تندمج فوراً في نشاط ذهني، كي تضمن ألا تُخزِّن الذاكرة الموسيقية لديك أي موسيقى.
المصدر: ميديكال إكسبريس