أصبحت تقنية الواي فاي WiFi من أهمّ التقنيات في القرن الحادي والعشرين، سواءً بالنسبة للشركات الكبيرة أو النشاطات التجارية الصغيرة بالإضافة إلى المنازل.
ولا يخلو أيّ منزل من جهاز اتصال لاسلكيّ “Router” وعلى الأغلب أنّك قادر على الوصول لمحتوى هذه المقالة على الإنترنت وقراءتها بفضل هذه التقنية، ويحاول اتحاد الواي فاي WiFi” Alliance” تطوير هذه التقنية تزامنًا مع تزايد اعتمادنا على الإنترنت.
فبالرغم من إطلاق آخر إصدار من واي فاي في 2020 تحت إصدار WiFi 6E إلّا أنّ تقنيات مثل الواقع الافتراضي وخدمات ألعاب الفيديو السحابيّة أثبتت أنّنا ما زلنا بحاجة لمزيد من التطويرات والتحسينات. فما هوَ جديد معيار WiFi 7 وهل نحن بحاجة لهذا التطوير حقًّا؟
نظرة إلى ما قبل WiFi 7، ما هيَ إمكانيات الإصدارات السابقة؟
حتى نفهم أهمية إمكانيات الإصدار الجديد من WiFi علينا أن نرجع إلى الوراء قليلًا ونلاحظ سويًّا أبرز النقلات النوعيّة في كل تحديث. إذ أنَّ سرعة نقل البيانات ليسَت المعيار الوحيد الذي يتمّ تحسينه مع كلّ إصدار فحسب، بل هناك الكثير من الخصائص والمزايا، التي قد لا تهمّ المستهلك الاعتيادي، إلا أنّها تُصنّف بكونها مزايا هامّة على حدٍّ سواء.
WiFi 4
دعونا نبدأ بالإصدار الرابع وكما يُعرف بمعيار IEEE 802.11n، الذي تمّ إطلاقه في عام 2009 وكان يدعم نقل البيانات بسرعة 72 إلى 600 ميغا بت/ثا مقارنةً بالإصدار السابق له WiFi 3 (802.11n) الذي كانت سرعة نقل البيانات تبلغ من 6 إلى 54 ميغا بت/ثا. كما غطّى نطاقًا يبلغ 70 مترًا في المباني السكنية و 250 مترًا في المساحات المفتوحة، مقارنةً بالإصدارات السابقة التي كانت تغطّي 38 مترًا، و 140 مترًا فقط. كما يدعم هذا الإصدار نطاق تردّدي بحجم 20 و 40 ميغاهرتز، ويعمل على نطاق 2.4 غيغاهرتز أو 5 غيغا هرتز.
شهِدَ هذا الإصدار أوّل تقديم لتقنية “الدخل والخرج المتعدّد – Multiple Input/Multiple Output” أو كما تُعرف اختصارًا باسم MIMO، تسمح هذه التقنية بإرسال البيانات على شكل موجتين -باستخدام هوائيّي إرسال- بدلًا من موجة واحدة وجمعها عند الجهاز المستقبل مما يضمن إشارة واضحة مهما كنتَ بعيدًا عن الجهاز المرسل (الراوتر) وتُعرف هذه التقنية باسم “Maximal-ratio Combining” أو MRC اختصارًا.
كما سمحَت هذه التقنية بإرسال البيانات على عدّة قنوات من كلّ هوائي وفقَ ما يعرف بـ “المداولة المكانيّة Spatial – Multiplexing” والتي حسّنت سرعة الاتصال بشكل ملحوظ، تمّ تقديم تقنية أخرى تدعى بتكوين الشعاع “Beamforming” والتي تستطيع تحديد مكان الجهاز المستقبِل وتحديد انتشار الإشارة بشكل موجّه له مما يضمن ضياعات أقل لحزم البيانات، وذلك عن طريق إرسال موجتين وتحديد نقطة تلاقيهما.
WiFi 5
الإصدار الخامس من واي فاي أو كما يُعرف بمعيار IEEE 802.11ac، الذي تم إطلاقه عام 2012 وتمّ تضمين تقنية Beamforming -التي تمّ ذكرها في الإصدار السابق- إلى تقنية MIMO بالإضافة إلى تطوير التقنية بشكل عام، إذ أصبح بالإمكان الآن لعدّة أجهزة بالاتصال وتبادل البيانات مع نقطة الاتصال “Access Point” (أو كما يقال لها اختصارًا AP) وتمّت تسمية هذه التقنية بالدخل والخرج لمستخدمين متعددين Multi User Multiple Input/Multiple Output أو اختصارًا باسم MO-MIMO وتمت تسمية التقنية السابقة لها بـ SU-MIMO وهي مشتقة من كلمة مستخدم وحيد “Single User” للتمييز بين الاثنين. ودعمَ وجود 4 أجهزة إرسال و4 أجهزة استقبال عندَ استخدامها.
تحسنت السرعات بشكل ملحوظ في هذا الإصدار بفضل توسيع النطاق الترددي إذ أصبح يدعم تردّدات تصل لـ 160 ميغاهرتز ويعمل على نطاق 5 غيغاهرتز فقط، بسرعة 400 ميغابت/ثا إلى 7 غيغابت/ثا، و8 قنوات مكانيّة (Spatial Streams) -تمّ شرح المداولة المكانية في الفقرة السابقة- ومدى تغطية يصل إلى 80 مترًا في المباني السكنية.
WiFi 6, 6E
الإصدار الحالي من واي فاي ويعرف بمعيار IEEE 802.11ax، تمّ إطلاقه عام 2019. يعمَل على نطاق 5 غيغاهرتز أو 2.4 غيغاهرتز بعرض تردّدي من 20 ميغاهرتز إلى 160 ميغاهرتز. كما تبعه إصدار 6E في عام 2020، الذي تضمّن نطاق 6 غيغاهرتز. بسرعة نقل بيانات تبلغ 9.6 غيغابت/ثا، إذ أصبح هذا المعيار مصنّفًا تحت ما يدعى بـ “الشبكة المحلية اللاسلكية عالية الأداء – High Efficiency WLAN” أو كما تعرف اختصارًا بـ HEW.
بعيدًا عن التحسينات في هذا المعيار، كانَت أبرز التقنيات التي تمّ تقديمها OFDMA أو كما تعرف بـ “الوصول المتعدد لتقسيم التردد المتعامد – Orthogonal frequency-division multiple access”، تعمَل هذه التقنية باختصار على تقسيم تردّد نقطة الاتصال لعدّة أجزاء بحيث يتمّ السماح لعدة أجهزة بالاتصال ونقل البيانات في الوقت ذاته على نفس القناة.
احتوى هذا المعيار أيضًا على تقنية سميَت بـ BSS Coloring، والتي تقوم بالحدّ من تداخل الإشارات بين نقاط الاتصال الموجودة على نفس التردد، كما سمحَ بوجود 8 أجهزة إرسال واستقبال مقارنةً بثمانية فقط في المعيار السابق. اشتملت التحسينات أيضًا تحسينات أمنيّة فقد تمّت إضافة معيار حماية WPA3 بدلًا من معيار الحماية السابق WP2، على الرغم من استخدام المعيارين لنفس التشفير (تشفير 128 بت) إلّا أنّ أبرز المزايا كانت التخلص من WPS وإضافة خيار مسح كود QR بدلًا عنه.
ما الجديد في تقنية WiFi 7؟
على الرغم من وصول تقنية واي فاي إلى مستوى يَفي بغرض المستهلك الاعتيادي وأكثر، إلا أن مجال التطوير والتحسين ما زال متاحًا بشكل كبير، إذ سيقدم لنا معيار WiFi 7 والذي ستتم تسميته باسم IEEE 802.11be العديد من المزايا التي تهمّ معظم المؤسسات والشركات والتي ستهمّ المستهلك الاعتيادي حتمًا في السنوات القادمة. دعونا نستعرض سويًّا أبرز المزايا المُعلن عنها.
يأتي المعيار الجديد بديهيًّا بسرعات أعلى من سابقه، إذ من المفترض أن يزودنا WiFi 7 بسرعة قصوى لا تقلّ عن 46 غيغابت/ثا، هذا ما يعادل تقريبًا خمسة أضعاف السرعة الموجودة في الجيل الحالي. بالإضافة إلى ذلك سيشمل هذا المعيار نطاقات تردّدية وصولًا إلى 320 ميغاهرتز (ضعف الجيل السابق)، وسيعمل على مختلف الترددات غير المرخّصة والمتبناة بدءًا من 1 غيغاهرتز إلى 7.25 غيغاهرتز.
شهدَت تقنيّة MU-MIMO تحسيناتٍ أيضًا فقد أصبح هناك 16 قناة مكانية Spatial Stream، مما يعني أنّه بالإمكان استخدام 16 جهاز إرسال و16 جهاز استقبال في ذات الوقت. تمت تسمية هذا التطوير بـ CMU-MIMO، ستلاحظ إضافة حرف C وهيَ من كلمة “منسَّق – Coordinated”.
كما سيقدّم لنا هذا المعيار إمكانيّة الاتصال على مختلف القنوات التردّدية (2.4 أو 5 أو 6 غيغاهرتز) في ذات الوقت على نقطة الوصول ذاتها Access Point (AP) مع إمكانية اتّصال كل جهاز على قناة معينة بحيث يقلل هذا من التأخير في الإشارة (بين نقطة الاتصال والجهاز المتصل)، وسميَت هذه التقنية بـ MLO اختصارًا من Multi-Link Operation. مما يضمن تجربة سلسة في مختلف التطبيقات التي تتطلّب اتصالًا ذا تأخير إشارة قليل.
سنصبح قادرين أيضًا على ربط عدّة نقاط اتصال مع بعضها البعض والتنسيق بينها. الأمر ممكن الآن، نعم، ولكن يهدف معيار واي فاي 7 على جعل هذه العملية من أساس المعيار نفسه دون اللجوء إلى برمجيات ومعدّات إضافية، وتمّ إطلاق تسمية Multi-AP Operation على هذه التقنية.
متى ستصلنا تقنية WiFi 7؟
ما زال معيار WiFi 7 قيد التطوير والتحسين، وسيتمّ إطلاقه في منتصف عام 2024 وحتّى ذلك الحين سيمرّ المعيار بعدّة مراحل تطويرية. لكنّ وصوله إلى الأسواق سيستغرق من سنتين إلى ثلاث سنوات بعدَ إطلاقه تقريبًا. إذ أنّ معيار واي فاي 6 غير مدعوم على معظم الأجهزة إلى يومنا هذا على الرغم من إطلاقه في 2019.
هل عليَّ الاهتمام بتقنية WiFi 7، وهل نحتاج إلى هذا التحديث حقًّا؟
في الحقيقة وبالنسبة للمستهلك الاعتيادي، لا يوجد أي سبب للاهتمام بهذه التقنية في الوقت الحالي إذ من المرجّح أن معظم مستخدمي الإنترنت لا يعلمون أيّ معيار من واي فاي يتمّ استخدامه من طرفهم، بالإضافة إلى أنّ هذه التقنية تحت التطوير ولن تصل لمنازلنا إلّا بعد 5 سنوات على أقلّ تقدير. لكن، وبملاحظتنا لتزايد اعتمادنا على الإنترنت من الصعب أن نقول إنّ هذه التقنية لن تنفعنا وتشبع احتياجاتنا في المستقبل.
خذ على سبيل المثال تطبيقات الواقع الافتراضي والواقع المُعزّز، إذ أنّها تتطلب اتصالًا يمكن الاعتماد عليه بسرعة عالية وتأخير منعدم تقريبًا للحصول على التجربة المثلى، وهذا بالفعل ما يتّجه إليه عالمنا والتقنية بشكل عام. أضِف إلى ذلك كلّ من المؤتمرات بواسطة الفيديو وخدمات البث المباشر، وخدمات الألعاب السحابيّة.
دعونا لا ننسى أيضًا صعود وتزايد مختلف الأجهزة التي تعتمد على الإنترنت في عملها (إنترنت الأشياء IoT)، إذ أصبحنا نرى ثلاجات وأجهزة لتحضير القهوة تتّصل على الإنترنت لأداء مهامها، بالإضافة لأجهزة المراقبة، الساعات الذكية، مصابيح الإنارة. إذ أصبح المنزل الواحد يحتوي على عشرات الأجهزة المشابهة وجميعها تتطلّب اتصالًا يعتمد عليه ذا سرعة عالية وتأخير منعدم للحصول على أفضل تجربة.