أظھرت دراسة جديدة قدرة الباحثين على التحكم في دماغ عدة حيوانات على نحو متزامن ومستقل عبر الإنترنت، إذ یرى العلماء أن هذه التقنية الحديثة قد تسرّع أبحاث ودراسات الدماغ وعلم الأعصاب لكشف وظائف الدماغ الأساسیة وأسس الاضطرابات النفسية والعصبية المختلفة.
وصمم فریق بحثي متعدد التخصصات من المعھد الكوري العالي للعلوم والتكنولوجيا وجامعتي واشنطن وكولورادو نظامًا لاسلكیًا یتكون من أجھزة لاسلكية قابلة للزرع وبنیة أساسية من إنترنت الأشیاء (IoT) لإجراء تجارب ذات إنتاجیة عالیة في علم الأعصاب عبر الإنترنت.
تتكون الأجھزة المزروعة من بولیمرات رقیقة ومطاوعة حیویًا كي تبقى متوافقة مع النسیج الحیوي على المدى الطویل، وتتضمن ثنائيًا باعثًا للضوء (LED) بحجم میكرومتر (ما یعادل حجم حبة الملح) مثبتًا على مجسات بالغة الرقة (تعادل سمك شعرة الإنسان)، إذ تستهدف هذه الأجهزة الخلايا العصبية باستخدام الضوء، وتتيح ھذه التقنیة المبتكرة الفرصة للباحثین للتحكم في دماغ الحیوان من أي مكان في العالم.
نُشرت الدراسة في مجلة Nature Biomedical Engineering في نوفمبر 2021، وتُعد ھذه الدراسة التي قادھا البروفیسور جاي وونغ جونغ قفزة نوعیة لجھاز الغرسة الدماغیة المثبت على الرأس الذي طوره جونغ عام 2019، وقد تمكنت النسخة السابقة منه من إیصال عدة أدویة، والعلاج عبر التحفیز الضوئي باستخدام ھاتف ذكي، أما في النسخة المحدثة فقد توصل فریق البحث إلى نظام بصري إلكتروني رقیق یمكن زراعته كليًا والتحكم فيه لاسلكیًا بطریقة انتقائیة أيضًا عبر هاتف ذكي .
یقول جونغ: «إن لهذه الأجھزة العصبیة اللاسلكیة والمعدات المدمجة بتقنیة إنترنت الأشیاء إمكانیات ھائلة في الطب والعلوم».
عالجت تقنیة الشحن اللاسلكي الجدیدة محدودیة الغرسات الدماغیة الحالیة، فأصبحت الأجهزة المزودة بها رائجة حدیثًا نظرًا إلى إمكانیة استخدامھا بوصفها بدائل للأجھزة التقلیدیة، إذ تساعد على تقلیل التوتر والالتهاب لدى الحیوانات التي يمكنھا التحرك بحریة في أثناء الدراسات الدماغیة، إضافةً إلى إطالة مدة استخدام تلك الأجهزة، دون اللجوء إلى إجراء العديد من العمليات الجراحية لاستبدال البطاريات الفارغة أو تزويدها بالطاقة عبر جهاز لاسلكي ضخم كما كان يجرى في السابق، ما أدى –سابقًا- إلى حصر الخيارات التجريبية وتضييق نطاق التجارب الحيوانية، قال البروفیسور جونغ: «اليوم بوجود الشحن اللاسلكي لسنا بحاجة إلى إجراء المزيد من العمليات الجراحية المؤلمة لاستبدال البطاريات المستهلكة، ما يتيح لنا فرصة التحكم في الدماغ والتعديل العصبي مدةً أطول وبسلاسة أكبر».
«يمكن تطبیق هذه التقنیة البسیطة على مختلف أنواع الغرسات، ومنها محفزات الدماغ العمیقة وناظمات القلب والمعدة، لتخفیف عبء استخدامها المطول داخل جسم المرضى».
طور الباحثون دائرة كھربائیة صغیرة تدمج حاصد طاقة لاسلكي مع لاقط ملتف ورقاقة بلوتوث منخفضة الطاقة، إضافةً إلى حقل مغناطیسي متناوب لتولید الكھرباء في الجھاز وشحن البطاریة، إذ يمكنه اختراق الأنسجة دون إحداث ضرر، وعليه تنقل زرعة البلوتوث أنماطًا مبرمجة من الضوء إلى خلایا الدماغ، بواسطة تطبیق ھاتف ذكي سھل الاستخدام للتحكم في الدماغ من بُعد.
لا یتطلب ھذا النظام اللاسلكي سوى حاسوب صغیر رخيص الثمن مزوّد بالإنترنت، بإمكانه الاتصال بمجسات دماغية لاسلكية متعددة الوظائف، أو أنواع أخرى من الأدوات المخبرية، باستخدام وحدات تحكم تعمل بتقنية إنترنت الأشياء.
تتيح الدقة التي تتمیز بها مكونات إنترنت الأشیاء المادیة والبرمجیة تطبيقات جديدة، كالتقنية اللاسلكية غير المسبوقة، التي تشمل مكونات مادیة بسیطة وإمكانية الوصول من بُعد، وتجارب انتقائیة مقررة وتشغیل ذاتي مخصص وقابلیة توسع عالیة الإنتاجیة.
یقول الدكتور رازا كازي أحد الباحثين الرئيسيين: «يستطيع الباحثون باستخدام الإنترنت إجراء كل ما تتطلبه التجربة، من بدء التحفيز الضوئي وتعديله وإيقافه والتحقق من صحته، وتخزین كل النتائج الصادرة في أي وقت ومن أي مكان في العالم، وهم قادرون على إجراء هذه التجارب واسعة النطاق على حیوانات موجودة في بلدان مختلفة. يمكن اعتماد هذا النظام بسهولة نظرًا إلى ثمنه الزهيد، ما سيحقق الابتكار في العديد من المختبرات».
يؤكد ذلك الباحث تشونغ يوون كيم بقوله: «يمكن تشغیل ھذا الجھاز في أي مكان وفي أي وقت للتحكم في الدماغ والشبكات العصبیة، فهو أداة تُستخدم في الكثیر من دراسات وظائف الدماغ».
اختبر علماء الأعصاب ھذه الغرسات الدماغیة على الفئران، وتمكنوا من تثبيط سلوكها بعد حقنها بمادة الكوكايين، واستغل العلماء فترة انتهاء تأثير الكوكايين لشحن هذه الغرسات، ما قلل الأعباء المادية للتجارب. قال الباحث المشارك مین جونغ كو: «أدى شحن البطاریة لاسلكیًا إلى جعل العملیات التجریبیة أقل تعقیدًا بكثير».
وقال البروفیسور في جامعة یونسي، جونغ ھون كیم: «إن قدرتنا على التحكم في سلوك الحيوانات عبر هذه التقنية مثيرة للاهتمام حقًا، وستتيح لنا مسارات متنوعة في البحوث الدماغية».
من أھم میزات ھذه التقنیة العصبیة إمكانیة توزیعھا في مختلف أنحاء العالم وتطبيقها دون القلق بشأن الميزانية، نظرًا إلى بساطة مكوناتھا ورخص ثمن تركیبھا، واستخدامها في تحقيق الوصول العالمي من بُعد، أو لإجراء التجارب آليًا ضمن نطاق واسع أو كليهما، ما يوفر الوقت الذي يستغرقه حل بعض المسائل الغامضة في علم الأعصاب.
وقال البروفیسور جوردن ماكال من قسم التخدیر في جامعة واشنطن: «قد تغير هذه التقنية كيفية إجراء دراسات علم الأعصاب وتمكننا من إجرائها دون أي تفاعل بشري مباشر مع الخاضعين للدراسة، إذ إن من أكبر العواقب لفهم آلية عمل دماغ الثدييات، دارسة وظائفه في ظروف وأحوال غير معتادة».
قد يساهم تحديد مواعيد هذه التجارب من بُعد في تحويلها لتصبح آلية، يوضح الدكتور كایلباركر من جامعة واشنطن: «إن إجراء التجارب بطریقة آلیة يقلل عدد الحیوانات المستخدمة في البحوث الطبیة البیولوجیة، بتقلیل المتغیرات التي یدخلھا القائمون على التجربة، وذلك أمر بالغ الأهمية، نظرًا إلى واجبنا الأخلاقي المرتبط باتباع وسائل بحثية تحد من عدد حيوانات التجارب».
یعتقد الباحثون أن ھذه التقنیة اللاسلكیة قد تفتح فرصًا جدیدة للعدید من التطبیقات، متضمنةً أبحاث الدماغ والصیدلة وعلاج الأمراض الدماغية من بُعد، لاسيما في ظروف الجائحة التي أدت إلى إغلاق العديد من المختبرات.
المصادر: sciencedaily, medicalxpress – ترجمة: ibelieveinsci