تكللت بالنجاح اختبارات نهض بها مهندسون فضائيون على مركبة فضائية تعمل بوقود قوامه مادة الـ”أيودين” iodine [معروفة باسم اليود]، في تطور ملفت ربما يسهم في إحداث تحولات مهمة في مجال الرحلات الفضائية.
وفي الوقت الحاضر، عادة ما تستخدم المركبات الفضائية العاملة بنظام الدفع الكهربائي، محركات تستعمل مادة الـ”زينون” xenon كوقود لها. ولكن، تكمن المشكلة في صعوبة تخزين غاز الـ”زينون” (الموجود طبيعياً في الغلاف الجوي للأرض)، وكونه نادراً وباهظ الثمن.
بناء عليه، تحتاج صناعة الفضاء إلى وقود بديل من الـ”زينون” يساعد تالياً في التغلب على المشكلات المذكورة آنفاً. ويعد عنصر “اليود” واحداً من الاحتمالات المتصورة.
وبالمقارنة مع الـ”زينون”، فإن “اليود” أقل تكلفة ويمكن العثور عليه بسهولة أكبر، فضلاً عن إمكانية تخزينه في شكله الصلب. كذلك أظهر كفاءة أكبر عند استخدامه في اختبارات جرت على الأرض.
حتى الآن، لم يحدث أن أطلقت أي مركبة فضائية بشكل كامل بواسطة نظام دفع كهربائي يستخدم “اليود” مادة دافعة في محركاتها.
اطلاق قمر صناعي صغير
ولكن، في اختبار حديث، أطلق عدد من المهندسين إلى مدار فوق الأرض مركبة فضائية، هي قمر صناعي صغير، تعمل بنظام دفع كهربائي يعتمد على وقود اليود بصورة تامة. ونُفذ نظام الدفع الجديد على قمر صناعي وزنه 20 كيلوغراماً أطلق قبل سنة، وقد حُرك بطرق جرى التحقق منها لاحقاً باستخدام معلومات تتبع الأقمار الصناعية.
وجد الباحثون أن اليود قد أجدى نفعاً، بل إنه أيضاً أكثر كفاءة بالمقارنة مع “الزينون” حينما استُخدم في الفضاء.
وعرض البحث ضمن دراسة جديدة عنوانها “إطلاق في المدار لنظام دفع كهربائي يعمل باليود”، نُشرت في مجلة “نيتشر” Nature أخيراً.
وفي مقال مرفق، ذكر العالمان إيغور ليفتشينكو وكاترينا بازاكا، إن نتائج البحث يمكن أن تشكل “نقطة تحول” في مجال استخدام الأقمار الصناعية الصغيرة.
وفي السنوات الأخيرة، صارت الأقمار الصناعية الصغيرة جزءاً أساسياً في مبادرات استكشاف الفضاء والمشاريع الفضائية. في 2011، أطلق 39 قمراً صناعياً صغيراً إلى الفضاء الخارجي، وارتفع العدد إلى 389 قمراً صناعياً في 2019، قبل أن يقفز عدد الأقمار الصناعية الموضوعة في المدار إلى 1202 قمراً صناعياً في 2020.
خطة لوضع 42 قمر صناعي
من المنتظر أن يحقق عدد الأقمار الصناعية التي تدور في الفضاء ارتفاعاً كبيراً في السنوات المقبلة. تأمل شركة “سبايس إكس” وحدها في وضع 42 ألف قمر صناعي في الفضاء بهدف تشغيل نظامها “ستارلينغ سبيس” Starlingspace الذي يقدم خدمات الإنترنت إلى كوكب الأرض. ولذا، من المتوقع أن تشهد تكلفة مشاريع من هذا القبيل انخفاضاً كبيراً عند تغيير نوع الوقود المستخدم في محركات الدفع الكهربائية.
وكذلك تتميز تلك الشبكة الواسعة من الأقمار الصناعية بقدر أكبر من الأمن والمرونة إذا استطاعت تحريك نفسها كي تعمل معاً ككوكبات (مجموعات منسقة) من الأقمار الصناعية. لكن تحقيق ذلك مرهون بمحركات مثبتة على متن الأقمار الصناعية. وحتى الآن، اعتمدت تلك المحركات على وقود “الزينون” بشكل كبير.
بالتالي، يمكن أن تساعد أنظمة كوكبات الأقمار الصناعية في مشاريع أخرى أيضاً. في المستقبل، يتطلع المهندسون إلى بناء معداتهم في الفضاء، حيث يستفيدون من تأثيرات انعدام الجاذبية. وكذلك سيتسنى لهم خفض التكلفة كثيراً في حال تمكنوا من نقل المنتج على نحو أكثر كفاءة خارج المدار وجلبه إلى الأرض.
وعلى الرغم من ذلك، يشوب استعمال اليود مشكلات عدة لا بد من معالجتها قبل أن تصل تكنولوجيا الوقود إلى هذا الاتجاه. ومثلاً، يعرف عن اليود أنه مادة تساعد على التآكل، ويمكن تالياً أن تلحق الضرر ليس بمحرك المركبة الفضائية فحسب، بل أيضاً بالأقمار الصناعية الأخرى.