اكتشف عالم الفلك كلايد تومبو الكوكب الأسطوري التاسع (الكوكب X)، وذلك عام 1930 في أثناء عمله في مرصد لويل بمدينة فلاجستاف ولاية أريزونا، وقد ظهرت تنبؤات مسبقة بوجود هذا الجسم بناء على اضطرابات في مداري أورانوس و نبتون.
وبعد استلام أكثر من 1000 اقتراح من حول العالم، وبعد نقاش بين موظفي المرصد، أُطلق على الجسم المُكتشف حديثًا اسم بلوتو الذي اقترحته تلميذة صغيرة من أكسفورد تدعى فينيشيا بورني، ومنذ ذلك الوقت كان بلوتو محور دراسات عديدة وجدال حول التصنيف، وقد زارته مهمة نيو هورايزونس (New Horizons) أول مرة في 14 يوليو 2015.
كانت طبيعة مدار بلوتو الشيء الوحيد الواضح منذ البداية، إذ يظهر على شكل مسار لا مركزي ومائل بشكل كبير.
ووفقًا لأبحاث جديدة، فإن مدار بلوتو مستقر نسبيًا على النطاقات الزمنية الطويلة، لكنه معرّض لاضطرابات وتغيرات فوضوية خلال الفترات الزمنية الأقصر.
ملخص الأمر أن مدار بلوتو مختلف جذريًا عن مدارات الكواكب الأخرى التي تتخذ تقريبًا مدارًا دائريًّا حول الشمس قرب خط استوائها كوضع مقدّر (مدار الشمس الظاهري).
في المقابل، يستغرق بلوتو 248 سنة لإتمام دورة واحدة حول الشمس متبعًا في أثناء ذلك مدارًا إهليليجيًا يميل 17 درجة عن المستوى المداري للنظام الشمسي.
الطبيعة اللامركزية لمداره تعني أيضًا أنه يقضي 20 عامًا كل فترة يدور فيها حول الشمس على مسافة أقرب من كوكب نبتون.
تُعد طبيعة مدار بلوتو لغزًا محيرًا انتبه له الفلكيون بعد مدة قصيرة من اكتشافه، منذ ذلك الوقت بُذلت كثير من الجهود لمحاكاة ماضي المدار ومستقبله، وأدّت للكشف عن خاصية مدهشة تحمي بلوتو من الاصطدام بنبتون.
قالت مالهوترا لموقع يونيفرس توداي الإخباري عبر البريد الإلكتروني إنها حالة الرنين المداري المعروفة برنين الحركة المتوسط : «تضمن هذه الحالة أنه عندما يكون بلوتو ونبتون على نفس البُعد عن مركز الشمس فإن خط طول بلوتو يبعد 90 درجة عن خط طول نبتون.
واكتُشفت في وقت لاحق خاصية مميزة يمتلكها بلوتو تتمثل في كونه يصل إلى الحضيض الشمسي عند موقع أعلى بكثير من مستوى مدار نبتون، هذا رنين مداري مختلف يعرف بتذبذب vZLK».
يتكون هذا الاسم المختصر من الأحرف الأولى لأسماء الذين درسوا هذه الظاهرة بوصفها جزءًا من مسألة الأجسام الثلاثة، وهم فون زايبل (von Zeiple) وليدوف (Lidov) وكوزاي (Kozai).
تتكون هذه المسألة من تحديد الموضع الأولي والسرعة الابتدائية لثلاثة أجسام ضخمة (امتدت منذ ذلك الحين لتشمل الجسيمات) وتتبُّع حركتها بالاعتماد على قوانين نيوتن الثلاثة للحركة ونظرية نيوتن للجاذبية الكونية التي لا يوجد لها حل عام.
وأضافت مالهوترا: «في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ومع توفر حواسيب أقوى، أظهرت المحاكاة الرقمية خاصية فريدة ثالثة لمدار بلوتو، تتمثل في كونه فوضويًا، فأي انحراف صغير في الشروط الابتدائية يقود لتباعد استثنائي في الحلول المدارية الممكنة خلال ملايين السنين.
لكن هذه الفوضى محدودة، إذ وجدت المحاكاة الرقمية أن ميزتي مدار بلوتو لا يظهر تأثيرهما إلا على مدى زمني طويل يصل لآلاف السنين. ما يجعل مداره مستقرًا رغم مؤشرات الفوضى».
صمّمت مالهوترا وإيتو محاكاة رقمية لدراسة مدار بلوتو لأكثر من 5 مليارات سنة في اتجاه مستقبل النظام الشمسي.
وطمحت الدراسة بالتحديد إلى معالجة الإشكاليات المُعلقة حول المدارات الغريبة لبلوتو والأجسام الأخرى التي حجمها نفس حجمه (بلوتينوز).
إذ دُرست هذه الإشكاليات إلى حد ما في الأبحاث العقود القليلة المنصرمة، مثل نظرية هجرة الكواكب.
تقول هذه النظرية أن نبتون الذي هاجر خلال العمر المبكر للنظام الشمسي، دفع بلوتو إلى متوسط الرنين الحالي لحركته.
التنبؤ الرئيسي لهذه النظرية هو أن جميع الأجسام الأبعد من نبتون عن الشمس (TNOs) تتشارك حالة الرنين المداري ذاتها، وسمح اكتشاف عدد الهائل من البلوتينوز بالتحقق من ذلك.
وسبّب هذا الاكتشاف أيضًا القبول الواسع لنظرية هجرة الكواكب.
فسّرت مالهوترا: «ميلان مدار بلوتو مرتبط بقوةٍ بتذبذب vZLK الخاص به. لذا استنتجنا أنه إذا استطعنا فهم شروط تذبذب vZLK الخاص ببلوتو بطريقة أفضل، قد نستطيع حل لغز ميلانه.
بدأنا بالتحقيق في التأثير الفردي للكواكب الأخرى العملاقة (المشتري وزحل وأورانوس) في مدار بلوتو».
لتحقيق ذلك، أجرت مالهوترا وإيتو محاكاة لتطور مدار بلوتو خلال أكثر من 5 مليارات سنة، تضمّنت 8 مجموعات مختلفة من اضطرابات الكواكب العملاقة. شملت المحاكاة للجسم N التفاعلات مع:
- نبتون (__NP).
- أورانوس ونبتون (_UNP).
- زحل ونبتون (-S-NP).
- المشتري ونبتون (J_NP).
- زحل وأورانوس ونبتون (-SUNP).
- المشتري وأورانوس ونبتون (J-UNP).
- المشتري وزحل ونبتون (JS-NP).
- المشتري وزحل وأورانوس ونبتون (JSUNP).
تقول مالهوترا: «لم نجد أي مجموعات فرعية من الكواكب الثلاثة الداخلية العملاقة يمكنها تغطية تذبذب vZLK لبلوتو. الكواكب الثلاثة المشتري وزحل وأورانوس كانوا مهمين. لكن ما الشيء الذي يجعل هذه الكواكب ضرورية لتذبذب vZLK لبلوتو؟».
تضيف مالهوترا: «نحتاج إلى 21 متغيرًا لتمثيل قوى الجاذبية لكل من المشتري وزحل وأورانوس على بلوتو، أي مساحة كبيرة جدًا من المتغيرات يجب دراستها».
لتبسيط الحسابات، اختزلت مالهوترا وإيتو كل هذا في متغير واحد من خلال بعض التبسيط.
يشمل تمثيل كل كوكب مع حلقة دائرية بكثافة منتظمة وكتلة كلية مساوية لكتلة الكوكب وحلقة شعاع مساوية لمتوسط بُعد الكوكب عن الشمس (نصف المحور الرئيسي).
أوضحت مالهوترا، ينتج لنا هذا الحساب متغيرًا واحدًا يمثل تأثير المشتري وزحل وأورانوس (J2) الذي يكافئ تأثير (شمس مفلطحة). حيث قالت: «اكتشفنا ترتيبًا تصادفيًا لكتل الكواكب العملاقة ومداراتها يحدد نطاقًا ضيقًا من المتغير J2 يكون فيه تذبذب vZLK لبلوتو ممكنًا، أي منطقة الاعتدال تقريبًا.
تشير هذه النتيجة إلى أنه خلال فترة هجرة الكواكب من تاريخ النظام الشمسي، تغيرت حالات الأجسام الأبعد من نبتون بطريقة تجعل الكثير منها يترقى لحالة تذبذب ال vZLK، وبلوتو أحدها فمن المحتمل أن ميلانه تولّد خلال هذا التطور الديناميكي».
من المرجح أن تكون لهذه النتائج آثارًا كبيرة في مستقبل الدراسات المتعلقة بالنظام الشمسي الخارجي وديناميكيته المدارية.
تعتقد مالهوترا أنه بالمزيد من الدراسات سيعرف علماء الفلك أكثر عن تاريخ هجرة الكواكب العملاقة وكيفية استقرارها في مداراتها الحالية، ما قد يؤدي إلى اكتشاف آلية ديناميكية جديدة تفسر أصل مدار بلوتو ومدارات أجسام أخرى بميلان مداري كبير.
سيفيد هذا خصيصًا علماء الفلك الذين يدرسون النظام الشمسي. أشارت مالهوترا إلى أن الباحثين في هذا المجال بدأوا في الشك بأن الأدلة التي تسلط الضوء على التطور المداري لبلوتو قد تكون مُحيت بسبب عدم الاستقرار والطبيعة الفوضوية لهذه الآلية المدارية نفسها.
أوجزت مالهوترا: «أعتقد أن عملنا يولد أملًا جديدًا لخلق تواصل بين ديناميكيات النظام الشمسي الحالية والسابقة.
يمثل أصل ميلان مدارات الكواكب الصغيرة المنتمية للنظام الشمسي (مثل TNOs) الجزء الأساسي من الإشكالية غير المحلولة؛ ربما سيجذب عملنا انتباهًا أكثر له.
تثبت دراستنا نقطة أخرى حول القيم التقريبية البسيطة للمسائل المعقدة.
واختزال 21 متغيرًا في متغير واحد فتح الباب للوصول إلى الآليات الديناميكية الأساسية التي تؤثر في الديناميكيات المدارية لبلوتو والبلوتنيز، وهي آليات مثيرة جدًا للاهتمام لكن صعبة الفهم».
المصدر: “أنا أصدق العلم”