بعدما نشرت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أعمق صورة للكون على الإطلاق التقطت بالأشعة تحت الحمراء، كشفت اليوم الثلاثاء عن صور أخرى التقطها التلسكوب نفسه جيمس ويب، وذلك خلال حفل انتظره بفارغ الصبر عشّاق الفضاء حول العالم.
وبدأ تطوير المرصد الفضائي الأول في العالم في عام 2004، وبعد سنوات من التأخير، تم إطلاق التلسكوب ومرآته الذهبية الضخمة أخيرًا في 25 ديسمبر/ كانون الأول.
نشرت الصورة الأولى الإثنين، في حفل أقيم في البيت الأبيض، وظهرت فيها آلاف المجرات التي تشكلت بعيد الانفجار العظيم قبل 13 مليار سنة، بعدسة التلسكوب الفضائي جيمس ويب. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، في الحفل، إن الصورة هي الأولى من نوعها، وإنها تمثل يوماً “تاريخياً”.
كشفت “ناسا” عن هذه الصورة بعد ستّة أشهر من إطلاق جيمس ويب الذي يوصف بأنه أقوى تلسكوب فضائي على الإطلاق. وأفادت بأن هذه الصورة هي “الأكثر عمقاً والأكثر وضوحاً التي تُلتقط للكون حتى اليوم”.
ولا تستطيع العين البشرية رؤية الأشعة تحت الحمراء، لكنّ التلسكوب جيمس ويب مجهّز بتقنيات تمكّنه من ذلك.
وأعلنت “ناسا” الثلاثاء، عن التحليل الطيفي الأول لكوكب بعيد خارج المجموعة الشمسية، بواسطة تلسكوب جيمس ويب. والتحليل الطيفي هو أداة لمعرفة التركيب الكيميائي والجزيئي للأجسام البعيدة. وفي حالة الكوكب، يمكن لذلك أن يساعد في تحديد غلافه الجوي أو رصد وجود الماء أو تحليل تربته.
وقال مدير “ناسا”، بيل نيلسون، إن كل صورة من الصور هذه تمثل “اكتشافاً جديداً”. وأضاف: “كل صورة ستمنح الإنسانية نظرة جديدة للكون لم تعرفها من قبل”.
ومن بين الصور التي نشرتها “ناسا” اثنتان كشفتا عن تفاصيل السديم الكوكبي الدائري الجنوبي الذي كان مخفياً في السابق عن علماء الفلك. السدم الكوكبية هي أصداف الغاز والغبار المنبعثة من النجوم المحتضرة.
وكشفت الصورتان عن مخبأ لمجرات بعيدة في الخلفية. معظم نقاط الضوء متعددة الألوان التي تظهر في الصورتين هي مجرات، وليست نجوماً.
وفي صورة مبهرة أخرى، كشف تلسكوب جيمس ويب الفضائي عن تفاصيل غير مسبوقة حول مجموعة المجرات “خماسية ستيفان” Stephan’s Quintet. تظهر الصورة الجديدة تفاصيل نادرة بشأن تفاعل المجرات الذي يؤدي إلى تكوين النجوم في بعضها البعض واضطراب الغاز في المجرات.
تبين الصورة أيضاً التدفقات الخارجة التي يقودها ثقب أسود في “خماسية ستيفان” بمستوى من التفاصيل لم يسبق له مثيل من قبل. كانت مجموعات المجرات الضيقة مثل هذه أكثر شيوعاً في بدايات الكون.
وستكشف رؤية التلسكوب الفضائي لخماسية ستيفان الطريقة التي تتفاعل بها المجرات مع بعضها البعض.
تم اكتشاف هذه المجموعة المجرية المدمجة لأول مرة في عام 1787، وتقع على بعد 290 مليون سنة ضوئية في كوكبة بيغاسوس. ووفقًا لبيان ناسا، فإن أربع من المجرات الخمس في المجموعة “محبوسة في رقصة كونية من لقاءات متقاربة متكررة”.
ويقع سديم كارينا على بعد 7600 سنة ضوئية، وهو عبارة عن حضانة نجمية، حيث تولد النجوم. إنها واحدة من أكبر السدم في السماء وألمعها، وهي موطن لكثير من النجوم أكبر بكثير من شمسنا.
الآن، تم الكشف عن “المنحدرات الكونية” في صورة ويب جديدة لا تصدق.
تُظهر صورة ويب التي تشبه المناظر الطبيعية منطقة قريبة وشابة تتشكل فيها النجوم تسمى NGC 3324 في سديم كارينا.
تم اختيار الأهداف من قبل لجنة دولية، بما في ذلك أعضاء من وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الكندية ومعهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور.
البعثة، التي كان من المتوقع أصلاً أن تستمر لمدة 10 سنوات، لديها قدرة وقود فائض كافية للعمل لمدة 20 عامًا، وفقًا لنائب مدير ناسا بام ميلروي.
ستكون هذه أول صورة من بين العديد من الصور التي ستأتي من ويب خلال العقدين المقبلين، والتي تعد بتغيير جذري في الطريقة التي نفهم بها الكون.
ما الذي يميز تلسكوب جيمس ويب؟
“جيمس ويب” مشروع تبلغ قيمته 10 مليارات دولار، وأُطلق بنجاح في ديسمبر/ كانون الأول، وهو حالياً على بعد مليون ونصف مليون كيلومتر من الأرض. يتمتّع التلسكوب بقدرة رصد ظواهر فضائية أقدم من تلك التي استطاعت التلسكوبات رصدها بفضل مرآته الرئيسية الضخمة وأدواته التي تلتقط الإشارات تحت الحمراء، ما يتيح له الرصد عبر سحب الغبار.
ويُتوقع تحديداً أن يجعل التلسكوب ممكناً مراقبة المجرات الأولى التي تشكّلت بعد بضع مئات ملايين السنين فقط بعد الانفجار العظيم، بالإضافة إلى الكواكب الموجودة خارج المنظومة الشمسية.
وبفضل عملية إطلاق ناجحة تولتها شركة أريان سبيس، وهي شريكة “ناسا” في مشروع التلسكوب، سيتمكن “جيمس ويب” من العمل لعشرين سنة، وهو ضعف ما كان متوقّعاً له.
المصدر: وكالات