الرئيسية » ما الفرق بين الذكاء الاصطناعي العادي والعاطفي؟ وماذا لو بات للذكاء الاصطناعي “مشاعر”؟

ما الفرق بين الذكاء الاصطناعي العادي والعاطفي؟ وماذا لو بات للذكاء الاصطناعي “مشاعر”؟

تكثفت في الآونة الأخيرة عمليات البحث بشبكة الإنترنت حول الذكاء الاصطناعي، وتحديداً الذكاء الاصطناعي العاطفي، بعد أن طردت شركة “غوغل” قبل شهر أحد مهندسيها الذي يعمل في قسم الذكاء الاصطناعي، لاقتناعه بأن النظام الذي تعمل عليه الشركة بات “لديه مشاعر”، إذ رفضت الشركة تلك المزاعم.

أما أكثر الأسئلة شيوعاً فكانت: ما الذكاء الاصطناعي العادي والعاطفي؟ وما الفرق بينهما؟ وكيف يؤثر في حياتنا؟ وهل يمكن أن تكون أحوال البشر في المستقبل كما أفلام الخيال العلمي، أي يخضعون لسلطة الآلات الذكية؟

تقدم للبشرية ولكن

الإجابة الأكثر تداولاً على هذه الأسئلة أن الذكاء الاصطناعي (AI) هو قدرة الكمبيوتر أو الروبوت الذي يتحكم فيه الكمبيوتر على تأدية مهام عادة ما يؤديها البشر، ويطبق المصطلح على الأنظمة التي تقوم بالعمليات الفكرية المميزة للإنسان، مثل القدرة على الاستنتاج أو تحديد المعنى أو التعميم أو التعلم من التجارب السابقة، ومع ذلك وعلى الرغم من التقدم المستمر والهائل في عالم الكومبيوتر إلا أنه لا توجد حتى الآن برامج يمكن أن تضاهي المرونة الفكرية البشرية، أو الذكاء البشري الذي لا يميزه علماء النفس بميزة واحدة ثابتة، إنما هو مزيج من القدرات المتنوعة، وهي بشكل أساسي القدرة على التعلم والاستدلال وحل المشكلات والإدراك واستخدام اللغة، وهناك اتفاق عام بين المتخصصين بأن الذكاء الاصطناعي لم يتمكن حتى الآن من جمع هذه القدرات المتنوعة التي يتمتع بها الإنسان في آلة واحدة.

في موسوعة “بريتانيكا” britanica المعروفة، يكتب البرفسور بي جي كوبلاند صاحب كتاب “الذكاء الاصطناعي” أن أبسط أشكال التعلم المختلفة المطبقة على الذكاء الاصطناعي هي التعلم عن طريق التجربة والخطأ، ويرى كوبلاند أن الإدراك الاصطناعي بات متقدماً بشكل كاف لتمكين أجهزة الاستشعار البصرية من التعرف على الأفراد، والمركبات ذاتية القيادة للقيادة بسرعات معتدلة على الطريق المفتوح، وهذه العمليات التي يتحدث عنها لا تتناول الذكاء العاطفي الذي كان قبل تسريبات موظف غوغل مجرد جزء من توقعات وافتراضات وخيال علمي من دون تحديد علمي واضح.

كانت فكرة الذكاء الاصطناعي انطلقت في عام 1945 حين تنبأ العالم الإنجليزي الآن تورينغ، وكان يعمل في فك شيفرات الجيش الألماني خلال الحرب، بأن أجهزة الكمبيوتر ستلعب يوماً ما لعبة شطرنج عبقرية، وبعد أكثر من 50 عاماً بقليل، في عام 1997 تمكن ديب بلو، وهو كمبيوتر شطرنج صنعته شركة (IBM)، من التغلب على بطل العالم غاري كاسباروف في مباراة من ست جولات، وقد تم الأمر بناء على تنبؤات تورينج السابقة حول خلق آلة يمكنها التعلم من التجربة.

يقول ماكس تيجمارك رئيس معهد “مستقبل الحياة” الذي يضع الاقتراحات للتخفيف من مساوئ “الرقمنة”، أن “كل ما وصلنا إليه من الحضارة هو نتاج الذكاء، لذا فإن تضخيم ذكائنا البشري بالذكاء الاصطناعي يساعد الحضارة في الازدهار بشكل لم يسبق له مثيل”، وبرأيه أنه يجب تسمية ما كان يسمى سابقاً بالذكاء الاصطناعي عموماً باسم أكثر تخصيصاً، أي “الذكاء الاصطناعي الضيق” أو “الضعيف”، لأنه مصمم لأداء مهمة ضيقة كالتعرف على الوجه، أو يؤدي عمليات البحث على الإنترنت أو قيادة السيارة، ولكنه يرى أن الهدف البعيد للباحثين هو إنشاء “ذكاء اصطناعي عام” أو قوي أو عاطفي كما نسميه اليوم “AGI”، سيتفوق على البشر في كل مهمة معرفية تقريباً.

مما علينا أن نخاف؟

تأثيرات الذكاء الاصطناعي في حياتنا والأمن الاجتماعي ستكون إيجابية عموماً في حال جعلنا الاستفادة من الذكاء العاطفي هدفاً يتفق عليه الجميع، لنستفيد منه في البحوث في كل المجالات من الرياضيات والفيزياء إلى الاقتصاد والقانون إلى المواضيع التقنية مثل التحقق والصلاحية والأمن والتحكم، وقيادة سيارتك أو طائرتك أو شحن جهاز تنظيم ضربات القلب أو التداول الآلي، لكن المشكلة ستقع حين يتمكن الذكاء الاصطناعي القوي من التحكم بأسلحة الدمار الشامل مثلاً، أو بنتائج المختبرات الفيروسية، أو أن يتمكن من التحكم ببرامج حكومية حساسة، وما زالت النتائج المتوقعة مجرد تصورات تشتغل عليها أفلام الخيال العلمي، مرة عبر خطر الآلات من السيطرة على البشر والتحكم بهم، ومرة عبر تحول البشر هم أنفسهم إلى آلات ذكية، أو استغلال الذكاء الاصطناعي لاستكشاف الكون واستيطان مجراته.

لكن ماذا سيحدث إذا تحقق الذكاء الاصطناعي العاطفي وأصبح أفضل من البشر في جميع المهام الإدراكية؟ هناك إجابة أقرب إلى المنطق على هذا السؤال، وهي مواءمة أهداف الذكاء الاصطناعي مع أهدافنا البشرية منذ البداية ليتطور بالطريقة نفسها التي قد تتطور الفكرة فيها لدينا، لكن هذه الإجابة تبدو قديمة أمام تسريبات موظف غوغل، الذي يقول إن البرمجيات تطور نفسها أسرع بكثير مما نتوقع، والبرنامج الذي سربه يقول إن الآلة يمكنها فهم مشاعره وتجيب عنها بمشاعر أيضاً.

وعلى الرغم من التسريبات التي تشير إلى أبحاث وتطور كبير في عالم الذكاء الاصطناعي، إلا أن العلماء يتفقون أنه من غير المرجح أن يتمكن الذكاء الاصطناعي العاطفي من التمتع بمشاعر إنسانية مثل الحب والكراهية في هذه المرحلة، وأنه من السابق لأوانه تكهن إيجابياته وسلبياته.

لكن فريق المتخوفين من أضرار الذكاء الاصطناعي يقدمون أمثلة عن الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل Slaughterbots، التي تسمى أيضاً “أنظمة الأسلحة المستقلة الفتاكة” أو “الروبوتات القاتلة”، هي أنظمة أسلحة تستخدم الذكاء الاصطناعي (AI) لتحديد الأهداف البشرية واختيارها وقتلها من دون تدخل بشري، وفي حال تمكنت هذه الآلات من التطور ذاتياً فإنها قد تأخذ قرارات حاسمة بنفسها في ميدان المعركة، وهذا مثال واحد عن أسلحة موجودة ولكن يمكنه أن ينطبق على جميع المجالات وليس الأسلحة فقط، وكان ستيفن هوكينغ قد أبدى قلقه حول هذا الأمر قبل رحيله، وكذلك فعل إيلون ماسك وستيف وزنياك وبيل غيتس.

ولكن لماذا بات الأمر مطروحاً بشدة في كل وسائل الإعلام؟ لأن الجميع كان يعتقد أن الوصول إلى ذكاء اصطناعي قوي أو عاطفي يمكن أن يتحول من خيال علمي إلى واقع سيحتاج إلى قرون كثيرة، إلا أن التطور المتسارع للآلات الذكية وإمكانيتها التعلم من الخطأ ذاتياً جعل موعد الوصول إلى ذكاء اصطناعي عاطفي بالنسبة للباحثين مسألة وقت، وبما أن الأمر يدور حول إمكانية أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء من أي إنسان، فليس لدينا طريقة مؤكدة للتنبؤ بكيفية تصرفه، والسؤال الذي يطرح في هذه الحالة، هو إذا كنا لا نزال نتحكم بالكوكب لأننا الأذكى، ماذا سيحدث حين يتحكم به من هم أذكى منا؟

تم إجراء عدد من الاستطلاعات التي تسأل باحثي الذكاء الاصطناعي عن عدد السنوات التي يعتقدون أننا سنحتاج إليها لبدء استخدام الذكاء العاطفي، وبينت جميع الاستطلاعات اختلافاً كبيراً في الآراء بين من يتوقع أن يتم الأمر في منتصف هذا القرن، وبين من يتوقع قروناً عدة، وهذا يعني أنه لا إجابة واضحة حتى اليوم، فهل تفتح تسريبات موظف غوغل الباب أمام أسرار لم يكن ينبغي الكشف عنها أو لم يكن أوان الكشف عنها قد آن بعد، حول التطور الذي يشهده الذكاء الاصطناعي وهل سيفاجئ هذا الذكاء كل الباحثين الذين يحدد الأكثر تفاؤلاً منهم منتصف هذا القرن موعداً لتحول الذكاء الاصطناعي إلى جزء من حياتنا، ويصل أبكر بكثير كما فاجأتنا عملية الاتصال عبر الفيديو في الهاتف المحمول، أو خاصية اللمس على الشاشة التي كانت قبل ظهورها مباشرة مجرد خيال علمي، السنوات القليلة المقبلة ستكون كفيلة بإيجاد الإجابات أو بعضها.

المصدر: اندبندنت عربية