كشفت سلسلة من لقطات جوية رائعة نفذتها طائرات مسيرة كيف أن إعادة توطين القنادس في منطقة ديفون جنوب غربي إنجلترا عادت بمنفعة كبيرة على المساحات الطبيعية في غمرة موجة الجفاف الحالية التي تجتاح المملكة المتحدة.
بعد مرور ما يربو على 400 عام من اصطياد القنادس إلى حد الانقراض في المملكة المتحدة، أعيدت هذه الحيوانات شبه المائية إلى نهر “أوتر”Otter في ديفون عام 2008، وبعد وضع خطط أولية رمت إلى نقلها من المنطقة، أعطت الحكومة البريطانية موافقتها على دراسة مدتها خمس سنوات سلطت الضوء على أوجه التحسن المذهلة التي تجلبها القنادس على النظام البيئي الذي تسكنه.
في غمرة الجفاف وأحد أكثر فصول الصيف حرارة على الإطلاق، صار بعض هذه الفوائد واضحاً للعيان الآن، إذ تبدى كيف أن الأراضي التي تسكنها القنادس حافظت على خضرتها، في حين تحولت الأراضي المجاورة لها إلى اللون الأصفر الجاف.
والحال أن موجات الجفاف الشديدة قادت إلى أعداد قياسية من حرائق الغابات في المملكة المتحدة، ولكن في ربوع “كلينتون ديفون إستيتس” Clinton Devon Estates، حيث بنى عدد من عائلات القنادس سدوداً لإنشاء أراض رطبة جديدة، ما زال هناك هكتار كامل (10 آلاف متر مربع) تقريباً من الأراضي مغموراً بالماء. والجدير بالذكر أن “كلينتون ديفون إستيتس” شركة لإدارة الأراضي والتطوير العقاري تدير عقارات “ديفونشاير” التابعة لبارون كلينتون، أكبر مالك خاص للأراضي في ديفون.
وفي هذا الصدد، قال إد لاغدون حارس الأحراش في منظمة “إيست ديفون بيبلد هيس” East Devon Pebblebed Heaths، “من المذهل رؤية هذه المنطقة [على هذه الحال] في وقت شهدت الأسابيع الأخيرة ظروفاً جوية صعبة جداً”.
وأضاف “القنادس حيوانات “مناطقية [راسخة بموائلها]” ومتمسكة بموطنها، ولأن المنطقة المحيطة بنهر أوتر السفلي بلغت حدها الأقصى [من قدرة استيعاب الحيوانات]، ستستكشف عائلات القندس روافد وقنوات مياه قريبة علها تعثر على مناطق صغيرة من الأراضي الرطبة تستقر فيها، تشعر هذه القوارض بالأمان في المياه، لذا ستبحث عن مصدر للمياه، ولهذا السبب على الأرجح اختارت هذه العائلة هذه المنطقة دون غيرها”.
وشرح السيد لاغدون “حينما تبتعد القنادس عن مجرى النهر فإنها تترك تأثيراً كبيراً في محيطها، ستصنع تحولات في البيئة من حولها وتتلاعب بالظروف الموجودة أصلاً كي تناسبها، في هذا الموقع استخدمت القنادس العصي والطين لإنشاء كثير من السدود التي تحجز الآن كميات كبيرة من المياه”.
وأكمل “بلغ ارتفاع المياه في بعض المناطق مستوى القدمين [65 سم]، وتشكل مساحات رائعة بالنسبة إلى الكائنات الحية البرية من قبيل الطيور واللافقاريات، كذلك تجلب فوائد منع الفيضانات واحتجاز الكربون داخل الأراضي الرطبة”.
ولكن إلى جانب الفوائد البيئية الكثيرة التي تحملها القنادس معها، قال مديرو الأراضي إن الصور التي التقطتها الطائرات المسيرة تسلط الضوء أيضاً على التحديات الجديدة التي تخلقها القنادس بالنسبة إلى السكان غير المعتادين على التعايش مع الثدييات التي تقطن في موطنها الطبيعي.
وشرح سام بريانت إيفانز رئيس قسم الزراعة وتربية المواشي في شركة “كلينتون ديفون إستيتس”، “يبعث على دهشة كبيرة أن نرى مدى السرعة التي عملت بها هذه القوارض، فقد استغرق الأمر أقل من ستة أشهر، فقدنا حوالى هكتارين من الحقل كأراض يرعى فيها قطيع منتجات الألبان لدينا وهكتار واحد منهما تحت الماء بشكل دائم الآن، لم نتمكن من رعي الماشية فيها قبل حلول مايو (أيار) من العام الحالي”.
وأضاف إيفانز “القلق الذي يساورنا أننا إذا نقلناها [القنادس]، فقد تجد طريقها إلى أعلى المجرى [النهر] مجدداً، ما قد يتسبب في مشكلات في حال كانت أقرب إلى المزرعة الرئيسة، إنها معضلة بالنسبة لإدارة ملكية هذه الأرض، إذ نلحظ طرفي المعادلة، علينا أن نقبل بوجود القنادس إنما لا بد من مراقبتها عن كثب وإدارتها للمضي قدماً، عبر رصد أنشطتها وأية مشكلات محتملة متصلة بالفيضانات، ومعالجتها على وجه السرعة”.
وبرأي إيفانز “لا حل واضحاً، لكن مع ذلك يتجلى من هذا الواقع أنه عبر الإدارة الصحيحة والتعاون مع هذه الكائنات، فإنها في مقدورها المساعدة في التكيف مع تغير المناخ”.
وللعلم، يدخل تشريع حكومي جديد حيز التنفيذ في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وسيوفر للقنادس الحماية القانونية بوصفه نوعاً حياً محلياً معترفاً به في إنجلترا، ما يعني أن إزعاجها أو إيذاءها أو قتلها سيشكل جرماً يجاسب عليه القانون.
مدير “كلينتون ديفون إستيتس” جون فارلي قال “في المكان المناسب، تغدق القنادس بفوائد كبيرة على الحياة البرية والبيئة والمجتمع، بما في ذلك زيادة التنوع البيولوجي، علماً أنه هدف رئيس لشبكة استعادة الطبيعة عافيتها التي وضعتها الحكومة البريطانية”.
وأضاف “دعمت ’كلينتون ديفون إستيتس‘ تجربة ’قنادس نهر أوتر‘ منذ البداية، لأننا أردنا فهم التأثير الكامل الذي تطرحه القنادس في بيئة حقيقية، خلال المشروع تعلمنا كثيراً عن هذه الفوائد، مثل المياه النظيفة وإدارة الفيضانات الطبيعية وإنشاء الموائل”.
وأكمل “ولكن مع ذلك، شهدنا أيضاً آثاراً سلبية حينما تكون القنادس في المكان الخطأ، غمرت المياه حقول المزارعين والممتلكات الخاصة والطرق، فضلاً عن تضرر الأشجار”.
وختم بالقول “مع نمو أعداد القنادس وتوسعها على نهر أوتر، ازدادت الحاجة إلى إدارة استباقية، وجميع التكاليف المتصلة بها، نعتقد أنه إذا رصدت الحكومة البريطانية التمويل الصحيح لها، فإن أعباء تكاليف إدارة القنادس تنتفي مقارنة مع الفوائد الاجتماعية والاقتصادية التي تعود بها هذه القوارض على الطبيعة والناس”.
المصدر: اندبندنت