توماس أديسون مخترع أميركي، ولد في ولاية أوهايو عام 1847، ووصف بأنه الرجل الذي أضاء العالم بعد اختراعه المصباح الكهربائي في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1879، كما اشتهر بلقب “صاحب الألف اختراع” لتسجيله نحو 1093 براءة اختراع؛ ليكون رابع أكثر المخترعين إنتاجا في التاريخ.
كان أديسون العالم الأكثر شهرة في زمانه، وخلِّد اسمه في التاريخ لكونه من الشخصيات الرائدة في حقل العلوم لما قدمه من اختراعاته أثرت على العالم الصناعي الحديث.
المولد والنشأة
ولد توماس ألفا أديسون (الابن السابع في أسرته) في 11 فبراير/شباط 1847 في منزل على ضفة تطل على وادي نهر هورون ببلدة صغيرة تسمى ميلانو (شمال شرق أوهايو الأميركية)، فكان من الجيل الأول لعائلة أديسون المولودين في أميركا، فقد كان والده هولندي الأصل، وأمه أسكتلندية.
أطلق عليه والده صموئيل أوغدن أديسون ووالدته ماثيوز إليوت نانسي الاسم الأوسط “ألفا” تكريما للقبطان ألفا برادلي، الذي قاد أسطولا من السفن في بحيرة إيري، والذي يعد صديق والده المقرب.
في عام 1837، فرَّ والد أديسون وأسرته من كندا إلى أوهايو تجنبا للاعتقال، بعد أن شارك في الثورة ضد الحكم البريطاني في مسقط رأسه كندا، ليقرر إنشاء شركة للأخشاب والحبوب في أميركا.
وعندما بلغ أديسون 7 أعوام، أفلست شركة والده، فعانت العائلة من وضع اقتصادي صعب، وقررت الخروج من ميلانو إلى مجتمع أكبر في بورت هورون بولاية ميشيغان عام 1854، بحثا عن مستقبل أفضل.
سجلت والدة أديسون ابنها في مدرسة محلية يديرها قس وخالته، على أمل أن يتلقى ابنها تعليما أفضل، لكنه طُرد بعد 3 أشهر فقط، إذ كان معلموه يرون أنه لا مكان له في المدرسة، فقد كان فضوليا ينشغل بكل ما حوله وكثير الحركة ويطرح الأسئلة باستمرار، وقدروا أنه بطيء الاستيعاب وغير مؤهل للتعليم المدرسي.
كما شكل ضعف سمع أديسون في طفولته سببا آخر لطرده، لأن المناهج الدراسية وقتها كانت ترتكز على التعلم بالحفظ مع التلقين، مما جعله يشعر بالملل أثناء الحصص الدراسية، فظنه أساتذته بليدا ومتخلفا عقليا.
كذبة غيرت مجرى حياته
تسلمت والدة أديسون رسالة طرد ابنها من المدرسة، وعندما قرأتها، قررت أن تكذب عليه، فحرفت معنى الرسالة وهي تنظر لعيون ابنها المترقبة وقالت “ابنك عبقري، هذه المدرسة متواضعة جدا بالنسبة له.. من فضلك، علَّميه في المنزل”؛ لتظل البشرية مدينة لها حتى اليوم بفضل هذه الكذبة.
لم يكتشف أديسون حقيقة فحوى الرسالة إلا بعد وفاة أمه بفترة، فبعد أن وجدها قرأها وهو يبكي، وكان مضمونها الحقيقي “ابنك مريض عقليا ولا يمكننا السماح له بالذهاب إلى المدرسة بعد الآن”. تأثر أديسون بما فعلته والدته، فكتب في مذكراته “توماس ألفا أديسون كان طفلا مريضا عقليا، ولكن بفضل أمه البطلة أصبح عبقري القرن”.
لم يكن تعليم أديسون في المنزل صعبا على والدته، فقد كانت معلمة أطفال، حيث قررت أن تترك المجال لابنها في إشباع فضوله، فاستطاع أديسون أن يتعلم ذاتيا من أخطائه وتجاربه، وساعده على ذلك شغفه الكبير بالمطالعة والقراءة، وزاد ولعه بالقراءة عندما خصص له والده مكافأة مالية عن كل كتاب يقرؤه.
وفي سن مبكرة، أظهر أديسون قدرات في الميكانيكا والتجارب الكيميائية والتكنولوجيا، وقبل أن يبلغ العاشرة من عمره أنشأ مختبره الأول في قبو منزل عائلته، وانغمس في تجارب صغيرة قضى فيها ساعات طويلة.
في السادسة من عمره، قام بأول تجربة علمية، لكنها تسببت في إحراق مخزن الحبوب الخاص بشركة والده، الذي عاقبه بالضرب أمام مرأى الناس في ساحة القرية.
الحياة المهنية
نشأ أديسون في أسرة متوسطة الحال، لكنه أبدى روحا ريادية استحوذت عليه منذ طفولته، وأثبت أنه لا يريد أن يتصالح مع سقوط عائلته في براثن الفقر، ومنذ صغره أدار محلا لبيع الفاكهة والبقالة والصحف في محطة قطارات محلية.
عندما بلغ 12 عاما، بدأ في نشر جريدته الخاصة تحت اسم “غراند ترانك هيرالد” (Grand Trunk Herald)، وكان فخورا بها لكونها أول جريدة في العالم تطبع داخل محطة قطار.
عمل أديسون بعد ذلك فترة في التلغراف، ولعبت الصدفة دورا كبيرا في ذلك، إذ أنقذ الطفل جيمي ماكنزي (3 أعوام) بعدما كان عالقا في السكة الحديدية وعلى وشك أن يصدمه قطار، وكافأه والد جيمي بأن دبر له وظيفة في التلغراف ودربه عليها.
تنقل توماس من مدينة لأخرى بين أعمال مختلفة استغلها للاستمرار في تجاربه الكيميائية والكهربائية، وكان تصرفه وسلوكه سبب فصله من معظم وظائفه.
نقطة تحول
بدأت قصة نجاحه الحقيقي بعد تعطل آلة في بورصة الذهب كانت وظيفتها تسجيل الأسعار، فأتى لإصلاحها مخترع الآلة الدكتور لوز، ودفع أديسون فضولُه فعرض المساعدة، وسمح له لوز بأن يشارك في إصلاح الآلة.
وبعد أن رأى لوز ما قدمه أديسون من مبادرة وذكاء، قرر تعيينه مشرفا على مصنعه براتب شهري بلغ 300 دولار، وقرر أديسون الاستقالة من عمله السابق وتفرغ بالكامل للاختراع والابتكار.
أهم الاختراعات
وفي عام 1868، تمكن أديسون من تسجيل أول براءة اختراع باسمه، وكانت جهازا لتسجيل الأصوات الانتخابية كهربائيا، لكن مجلس الشيوخ الأميركي (الكونغرس) رفض استعماله.
لم ييأس أديسون وبادر باختراع جهاز لصرف تذاكر القطار، لتكون نقطة البداية لسلسة من الاختراعات التي جعلته مشهورا وغنيا.
ويعد الاختراع الذي أكسبه الشهرة لأول مرة هو الفونوغراف الذي اخترعه عام 1877؛ فبفضله لقب “بساحر مينلو بارك”.
كان أديسون مدمنا على العمل، فقد شملت سيرته الذاتية النهائية 1093 براءة اختراع وابتكار، منها مصباح الإضاءة المتوهج، والبطارية القلوية، والفلوروسكوب بالأشعة السينية، والميكروفون بِزر الكربون.
عندما وصل أديسون إلى 33 عاما كان قد اخترع في مجال الضوء والطاقة الكهربائية 389 اختراعا، و195 في مجال الفونوغراف، و150 في مجال التلغراف، و141 بطارية للتخزين، و34 اختراعا في مجال الهاتف، وأصبح “الطفل الغبي” صاحب أكبر براءات اختراع في العالم، والفضل يعود “لكذبة”!
المصباح الكهربائي
بنهاية صيف عام 1878، عمل أديسون على فكرة اختراع المصباح الذي يمكن استخدامه في المنازل بديلا عن مصابيح الغاز، وبعد 999 محاولة -حسب تقارير أميركية- أعلن في التجربة رقم “1000” نجاح اختراعه، وتصدر به عناوين الصحف الرئيسية، فعرف بكونه أول رجل يضيء حيا كاملا بالضوء الكهربائي.
ثم طوّر أديسون مجموعة من الاختراعات، حتى تمكن عام 1879 من تصميم مصباح فاعل وقابل للتطبيق تجاريا، بعد أن استمر عمله 13.5 ساعة، وعكف لاحقا على تطويره إلى أن سجله علامة تجارية عام 1883 في أميركا.
ابتكر أديسون منظومة تعتمد على مصدر مركزي للطاقة، وطوّر أول مولد كهربائي؛ مما جعل المصابيح الكهربائية صالحة للاستعمال داخل البيوت، لتقوم شركة “أديسون” بإنتاج الكهرباء لمدينة نيويورك، إلى أن انتشرت الكهرباء في أميركا ثم باقي العالم.
مختبر “مينلو بارك”
في عام 1870، أسس أديسون أول مختبر ومصنع في مدينة نيوآرك بأميركا، وداخل مستودع من طابقين بناه أديسون بأموال بيع التلغراف الرباعي عام 1876 في مدينة مينلو بارك بولاية كاليفورنيا (وهي جزء من بلدة راريتان التي تسمى الآن بلدة أديسون تكريما له)؛ أشرف على مصنع اختراعات مع فريق من الخبراء الاحترافيين الذين نفذوا خططه وجعلوه أشهر مخترع في العالم.
عدو النوم
كان توماس يشعر بسعادة غامرة في عمله، ويرفض في معظم الأوقات الدعوات والاحتفالات التي تجبره على مغادرة مختبره، وكان يبقى الساعات الطوال داخله، ويكتفي بوجبات طعام سريعة في المعمل.
ويحكى أنه دخل مرة إلى مختبره ولبث فيه يومين، فلما خرج عاتبته زوجته ودعته إلى أن يخفف عن نفسه، فسألها: أين أذهب؟ فقالت: إلى مكان ترتاح فيه. فعاد فورا إلى مختبره لأنه المكان الذي يرتاح فيه.
واشتهر بمعاداته للنوم، ففي مقابلة أجرتها معه دورية “ساينتفك أميركان” عام 1889، ذكر أنه لا ينام أكثر من 4 ساعات في الليلة، معللا ذلك بأنه يرى النوم مضيعة للوقت.
ويقال إن توماس كان يغفو ممسكا كرة في كل يد، مفترضا أنه عندما يغط في النوم ستسقط الكرتان أو إحداهما فيستيقظ، وبهذا يصبح قادرا على تذكر الأفكار التي تراوده وهو على أبواب النوم.
ويعتقد الباحثون في مجال النوم أن هذا الأسلوب الذي اتبعه أديسون ربما كان سببا في تحفيز قدراته الإبداعية.
الجوائز
حصل أديسون على العديد من الجوائز والأوسمة خلال رحلته المهنية، وكان أبرزها:
- وسام ألبرت للجمعية الملكية ببريطانيا.
- ميدالية ذهبية من الكونغرس عام 1928.
- انتخب عام 1960 في جامعة نيويورك ليتم ضمه إلى العظماء في تاريخ أميركا.
- منذ عام 2000، أنشئت جائزة أديسون لبراءة الاختراع التي تمنح من قبل الجمعية الأميركية للمهندسين الميكانيكيين عن براءات الاختراع الفردية.
- مُنح وسام يعرف باسم “جون سكوت ميدال” من مجلس مدينة فيلادلفيا.
- أدرجته ولاية نيوجيرسي عام 2008 ضمن أعظم المشاهير الذين وجدوا فيها.
- فاز أديسون بوسام فرانكلين عام 1915، من معهد فرانكلين بوصفه واحدا من المخترعين الذين ابتكروا اختراعات أسهمت في تحسين الحياة البشرية.
- سميت الجوائز الرئيسية للموسيقى في هولندا باسمه.
الوفاة
في الذكرى 50 لاختراع المصباح الكهربائي، تهاوى توماس في نهاية الحفل الخاص بتكريمه وغاب عن الوعي، لكنه شفي بعد عدة أيام وقرر العودة إلى عمله من جديد، وانهمك في إجراء تجاربه على مشروع المطاط الصناعي، وبعد عام عانى من تدهور حاد في صحته بسبب مضاعفات مرض السكري.
وبعد 3 أيام من الذكرى 52 لاختراع أديسون المصباح الكهربائي، توفي في 18 أكتوبر/تشرين الأول 1931، وهو في 84 من عمره، داخل منزله في حديقة لويلين في مدينة ويست أورانج بولاية نيو جيرسي.
ونعته مؤسسات عالمية كثيرة آنذاك عبر إطفاء الأنوار يوم جنازته تكريما له، وكتبت صحيفة نيويورك تايمز بعد وفاته “كل مصباح متوهج هو ذكراه، كل محطة كهرباء هي نصب تذكاري له، أينما وجد فونوغراف أو راديو، وحيثما يوجد فيلم صامت أو ناطق، يعيش أديسون”.
المصدر: الجزيرة – مواقع إلكترونية