خيارات السوريين في هذه الأيام تفضي في المجمل لهدف واحد , هو البقاء على قيد الأمل بغدٍ تتوفر فيه أبسط مقومات الحياة لا غير , كل النتائج في مأساة النزوح السوري تعود لنفس الأسباب والعوامل " بطالة , إرهاب الأسد , دمار المسكن , لا خيارات أخرى " .
كل تلك العوامل والتي تعتبر غيضً من فيض دفعتهم لأن يهيموا على وجوههم في المجهول , علَهم يحصلون على علبة سمن وكسرة خبز وقليل من الأمن وخيمة أو " خربوش " يقيهم برد الشتاء وحر الصيف .
عائلات أرهقتها خيام الداخل ومخيماته ليتملكها الفضول والعوز ويدفعها نحو رحلة الإستكشاف اما وراء الحدود حالمة بالجنة , وألاف فضلة عدم المخاطرة ولسان حالها يقول ( خيمة هلي ولا جنة الغريب ) .
الجنة السورية ؟ التي يقطع السوري الحدود من أجلها ليست كما تتصورون ولا كما يخيل لكم , هي فقط مزيداً من الخبز وماء نظيف , ومسكن يصلح للإستخدام البشري هكذا من المفترض أن يكون .
تقول الإحصاءات التي أعدتها الحكومة التركية أن أكثر من مليون سوري لاجئ يعيشون خارج المخيمات , وأن أكثر من نصفهم يعيش تحت خط الفقر , وطبعاً خط الفقر السوري أصبح الآن في مصاف خطوط الفقر التي تخيم على جنوب أفريقية , أي الحد الأدنى من القوت اليومي لإستمرار الإنسان وبقائه على قيد الحياة .
ينهي الطبيب " أبو الجود " مدير النقطة الطبية في مخيم السلامة يومه عائداً إلى منزله في كيليس التركية , وفي جعبته الكثير من الحزن والحالات المستعصية لمرضى يقبعون تحت الخيام , فالحالة الصحية للسوريين في مناطق لجوئهم أكثر تعقيداً من أن تُحل بحبة مسكن أن مضاد حيوي , فالألام متشعبة والمرض في الأعم الأغلب يأس من الإستمرار .
في طريق العودة يلتقي " د.أبو الجود " إثنان من الصبية السوريين لا تتجاوز أعمارهما العاشرة , يفترشا أحد أرصفة كيليس المدينة , يتسولون ثمن ربطة الخبز وكيس الحطب , بأصابع متجمدة يلوحون للطبيب , الذي عرفوه ذات مأساة في مخيم السلامة وهو يعتني بالمرضى , يسارع الصبية في رواية قصتهم وكأنهم مبررين على استحياء حالهم الذي آلوا إليه بعد مغادرتهم المخيم , حيث من المفروض أنهم في حال أفضل من ذلك الذي كانوا عليه في مخيم السلامة .
يرافق الطبيب الصبية إلى منزلهم الكائن في حي " قرضاش " في كيليس , ويدخل منزلهم المتواضع الذي إستأجروه بمائتي ليرة تركية أي ما يعادل 18 ألف ليرة سوري ناهيك عن الكهرباء والماء التي قد تصل فاتورتها الشهرية ل 10 ألاف ليرة سورية , تتألف الأسرة من سبعة أطفال بالإضافة للأب والأم , كل الأطفال دون الرابعة عشرة , ليسوا ملتحقين بأي مدرسة ولا دورة تحفيظ , فهم منهمكون في جمع القمامة والنبش فيها طيلة اليوم للبحث عن مواد بلاستيكية أو معدنية , قسم منها للبيع وآخر للتدفئة , حيث يستخدمون النفايات لإشعال المدفأة التي تتوسط بيتهم الذي بني على عجل من البلوك , وتتوسطه حصير وسجادة أكل الدهر عليها وشرب تكاد لا تعزل برودة الأرض عن أجسادهم الضعيفة .
يلتحق الصبية في نشاط آخر " التسول " الذي أصبح مشروعاً في حالتهم هذه , فمن حقهم أن يبقوا على قيد الحياة , ولاقدرة للأب على إعالتهم لانه فاقد للبصر بشكل جزئي ولا يستطيع العمل .
يحاور الطبيب العائلة التي بدت عليها مظاهر البؤس , لماذا لم تحصلوا على حصص إغاثية , أو لباس , أو ربما من المفروض أن أحداً من موظفي الجمعيات الخيرية السورية والتركية طرق بابكم يوماً ما , ليجيب الجميع بصمت " تركها على الله "
هذه الأسرة عينة من شريحة واسعة لسوريين يعانون قسوة اللجوء والبطالة والعوز في المدن التركية , تنتظر من ينتشلها ويمد لها يد العون من مؤسسات وجمعيات وأفراد مسؤولون عنها أمام الله والثورة ..