إحدى الأفكار المنتشرة بين السوريين الذين يحاولون البقاء بين الذبح المستمر المشترك لتنظيم الدولة ونظام الأسد، هي أن أمريكا “باعت” سوريا لإيران، لإغلاق صفقتها مع طهران حول الأسلحة النووية.
المنطق وراء هذا الاعتقاد الاستثنائي مبني -في جزء كبير منه على الأقل- على حقائق ملحوظة؛ وهي رد الفعل الاحتفالي لنظام الأسد، وحزب الله على إتمام الصفقة، وإصرار واشنطن على الثوار السوريين الذين تدربهم وتسلحهم على تجاهل انتهاكات الأسد، والتركيز على قتال داعش، ورفض إدارة أوباما تنظيم أي دفاع عن المدنيين السوريين في ظل القتل الجماعي الإرهابي من النظام، ومسعى طهران إلى تأمين الوسائل المالية لدعم النظام. ومع كون المنطق هذا قابلاً للدفاع، إلا أنه يؤدي لخلاصة خاطئة جوهريًا.
الحقيقة حول ذلك ليست جذابة جدًا. فأمريكا، وشركاؤها القوى (5+1) اختاروا تنحية القتل المستمر في سوريا، ودور طهران الحازم بتعزيز ذلك مع إيران؛ لتجنب تعقيد وربما تقويض الصفقة النووية.
إيران لم تشعر بقيد كهذا. فبقدر ما كان مهمًا لطهران التفاوض حول مهرب من العقوبات -بينما تحافظ على قدراتها في المجال النووي- لم تتحدث عن دعمها للقنابل البرميلية لنظام الأسد، وحصارات التجويع، والهجمات الكيماوية؛ لتتجنب معاداة المفاوضيين الغربيين. هذا ليس شيئًا يمكن لأحد بالغرب الفخر به. الحقيقة الواضحة هي أن سوريا لم تكن على الأجندة: سواء لحمايتها، أو لبيعها.
والآن، فقد حصل الرئيس أوباما وشركاؤه على الصفقة التي سعوا لها، وهم بشكل ما غير مقيدين. وبالرغم من أن حماية المدنيين من القتل الجماعي قد لا تحرك الزعماء الغربيين، إلا أن المعركة ضد داعش تفعل ذلك.
القادة الغربيون، بدءًا من أوباما، يدركون بوضوح كامل حقيقة أن استراتيجية الأرض المحروقة التي يتبعها الأسد هي ما جعلت سوريا ملاذًا آمنًا لداعش. يفهم بوضوح أن كل قنبلة برميلية، وكل هجوم كيميائي، وكل طفل يجوع حتى الموت هو خط تجنيد لداعش، داخل سوريا وحول العالم. هم يفهمون أن دعم طهران غير المشروط لنظام الأسد يحدد أهدافها المتفرعة تجاه داعش؛ وهي اقتلها في العراق، حيث تسبب تهديدًا أمنيًا لإيران وحلفائها العراقيين، وأبقها حية في سوريا، حيث تبقي الأسد كخيار منافس، إذ أنها تذكرة عودة حليفهم للمجتمع المؤدب.
“بيع” سوريا لإيران إذا سيكون لتسليم كثير من البلاد لداعش -باستثناء الحالات التي يجد بها النظام نفسه يحاول إيقاف شيء تريده داعش كحقل نفط، أو قاعدة جوية، أو بلدة صحراوية مليئة بالتحف الثمينة- فإن الأسد والخليفة الوهمي يجدان سياسة “عش واترك غيرك يعيش” مفضلة بالنسبة لقتال بعضهم البعض. وبدلاً من ذلك، هم يركزون توجهاتهم العسكرية على إنهاء أي شخص يوفر بديلاً لكل منهما.
الخليفة والأسد يريدان أن يكونا الطرفين الوحيدين الباقيين في سوريا: الأسد، ليستطيع مواجهة الغرب بخيار “أنا أو هم”، والخليفة ليستطيع الكسب والتجنيد حول العالم، لكونه البطل الذي يقاتل توأم الشر: الأسد وواشنطن. الفائز الأكبر في سيناريو كهذا هو إيران؛ فقدرتها على دعم حزب الله اللبناني عبر جزء من سوريا ستكون مضمونة.
شن حرب ضد داعش في قسم من سوريا، وإعطاء نظام الأسد وإيران يدًا حرة للتشنيع بالمدنيين يؤدي لتقاطع مصالحهما، فهذه السياسة أشبه بالتصفيق بيد واحدة. لعدة شهور، بعض المسؤولين الكبار بالإدارة تحسّروا على الفراغ الاستراتيجي الذي شكلته تحديدًا حالة عدم الكسب القائمة على الدفاع الذاتي. الآن، مع اكتمال المفاوضات النووية، فهم يجدون زملاءهم داخل الإدارة مهتمين بربط النقاط بين نجاحات داعش في سوريا، وإجرام نظام الأسد المدعوم إيرانيا.
وبعيدًا عن كذبة أن أمريكا وراء تشكيل داعش، فإن نظرية بيع سوريا مفهومة على الأقل إذا قدر الشخص التجارب والمساعي لأولئك الساعين للوصول لنهاية سلبية بالجوهر. السوريون، داخل سوريا وحول العالم، يشعرون اليوم بأنهم قد تم التخلي عنهم من الغرب. هم ينظرون لمسؤول أمريكي كبير يتحدث عن الذكرى العشرين لمذبحة سربرينشيا، بدون سخرية، يقول “تذكروا، ولا تسمحوا لهذا بالحصول مجددا”، وينظرون للأسد وحزب الله يقومون بالمعادل السياسي بجولة النصر باحتفال ما يظنون أن أسيادهم الإيرانيين قاموا به لأجلهم.
جولة النصر هذه قد تكون مبكرة. بغض النظر عن الأولوية السياسية التي وضعها لحماية المدنيين السوريين كواجب إنساني، فإن أوباما لديه حرب ضد داعش عليه الانتصار فيها، وانتخابات بالكونجرس عليه الفوز بها. العامل المشترك في كلا التحديين هو إيران: تحديدًا، دعم اكتفاء داعش من القتل الجماعي الذي يقوم به نظام الأسد. إلقاء الرمل بمسننات قتل الأسد الجماعي أساسي للانتصار ضد داعش. هذا قد يقنع بعض الديمقراطيين المتفرجين في مجلس الشيوخ الأمريكي بأن الإدارة ليست ساذجة عندما يتعلق الأمر بإيران.
أمريكا لم تبع سوريا لإيران. بشكل مثالي، فلن يمر كثير من الوقت قبل تأكيد طهران وأصدقائها لموافقة الغرب -نظريًا وعمليًا- لحقيقة أساسية، وهي: إيقافهم عن فعل الأسوأ للمدنيين السوريين هو نقطة البدء لهزيمة داعش في سوريا.