أربع سنوات ونيف من عمر الثورة السورية، تعددت فيها المحاولات السياسية واللقاءات والاجتماعات وإرسال المبعوثين الدوليين، وكل منهم كان له خطته واجتماعاته واقتراحاته، وجميعها كان مصيره الفشل، وربما لأن كل ذلك لم يراد منه حل القضية السورية حقيقة، كلها لم تكن سوى محاولات لإعطاء النظام مزيداً من الوقت، ليس فقط ليقتل ويدمر ويشرد وإنما والأهم من ذلك القضاء على الثورة، وإلا لم يكن النظام ليستقدم على مسامع الكون وأنظاره المليشيات الطائفية ويستخدم كل ما لديه من أسلحة، أكثرها محرم دوليا للقضاء على الثورة، وعبثا كانت كل المحاولات.
وقد حملت الأشهر القليلة الماضية تطورات مهمة جداً ومصيرية ولكل من طرفي الصراع الأسد من جهة والثوار من جهة أخرى، فالأسد مؤخراً بات لا يسيطر على أكثر من 17% من سوريا، والثوار في تقدم مستمر، تحققت انتصارات مهمة جداً وأصبح الميدان أكبر شاهد على تفوق الثوار في المنطقة الوسطى حماة وإدلب.
وفي الشهر الماضي تدخلت روسيا مباشرة محاولة رد اعتبار النظام الذي لم يرد مسلسل فشله أن ينتهي حتى بعد تدخل روسيا المباشر، فتحت العديد من الجبهات فشلت كلها وربما نجحت في ريف حلب الجنوبي إلى حدٍّ ما.
إن الخسائر المتتالية على كل الجبهات قد وضعت روسيا مباشرة أمام عدة حقائق لم تستطع لـ 4 سنوات أن تدركها وهي: لقد انتهى بشار الأسد، أن الغد السوري لا يمكن أن يكون جزء منه مهما دعمته عسكرياً وسياسياً، وكذلك الشعب السوري لن يتراجع والثوار لن يردهم عن هدفهم أي نوع من السلاح وهذا ما توضح لها بعد أن تدخلت مؤخراً.
ولكن أصعب هذه الحقائق على الإطلاق وأشدها وقعا على روسيا أنها وضعت نفسها في مأزق ليس سهلا أبداً والتمسك ببشار الأسد لن يحمل معها سوى مزيداً من الخسارة ومزيداً من العزل الدبلوماسي، والآن المفاوضات هي الحل الوحيد الذي يمكن أن ينقذ روسيا، لذلك تجدها هي من يسعى إليها، وهي من ينسق لها وهي من يتواصل مع كافة الدول المعنية ونحن السوريين نراقب هذه المفاوضات لنجد أنها حملت في طياتها مميزات وحقائق ومفارقات "في إعلان فيينا".
اما ميزاتها انها تبدو ظاهريا مثل سابقاتها من مفاوضات ولكنها ليست كذلك، فهذه المفاوضات حملت معها الكثير من التطورات في الميدان وأفضت لحقيقة "أن بشار الأسد أصبح ورطة لكل الأطراف التي تسانده وعلى رأسها روسيا".
أما الغائب الحاضر في هذه المفاوضات هو الشعب السوري وهذه هي المفارقة التي قصدناها، أوليس من السخرية أن يحضر هذه المفاوضات كل الأطراف إلا الشعب السوري صاحب الحق وصاحب القضية لقد أريد لهذه المفاوضات أن تحمل حلاً وفق أهواء الجميع إلا السوريين، وبما أن الشعب السوري هو وحده صاحب الحق والقضية فأنه بلا شك هو وحده صاحب القرار، فالثورة بدأت بتوافق وتصميم سوري ولن تكون نهايتها إلا كبدايتها.