الرئيسية » المنشآت الطبية السورية تعرّضت للهجوم أكثر من 250 مرة عام 2016

المنشآت الطبية السورية تعرّضت للهجوم أكثر من 250 مرة عام 2016

السوري الجديد

دمشق وموسكو، اللتان شنّت طائراتهما الحربية الغالبية الساحقة من هذه الهجمات، ما زالتا تنكران استهداف المستشفيات.
بدأت الغارة الجوية الأولى جولتها صباح يوم 15 شباط/ فبراير عند الساعة 9:02. وعندما هرعت فرق الإنقاذ إلى موقع الحادث، عادت الطائرات مجدداً لتنفيذ ضربات "مزدوجة" على المستشفى المعزولة في شمال غرب سوريا مرة ثانية بعد دقائق، ومن ثم ثالثة فرابعة.
قُتِل في تلك الغارات 25 شخصاً، ومن بينهم ٩ عاملين في مجال الرعاية الصحية و 5 أطفال. ونقل موظفو الكوادر الطبية والمتطوّعون- ممن نجوا من الهجوم في المنشأة المدعومة من قبل منظمة أطباء بلا حدود- الضحايا إلى أقرب مركز طوارئ في البلدة المجاورة، وتلا ذلك الهجوم قصف بالقنابل.

إنها لمفارقة قاتمة فعلاُ ومأساوية؛ إذ تُعد المستشفيات حالياً من بين أكثر الأماكن خطورة في سوريا، وحسب ما أفادت به الجمعية الطبية السورية الأمريكية "SAMS" -وهي منظمة غير ربحية- فقد تعرضت مراكز الرعاية الطبية في سوريا إلى 252 هجومًا في العام 2016 حتى الآن، كما خاطر عدد لا يحصى من الرجال والنساء والأطفال الذين يعانون من الإصابات أو الأمراض في البلاد التي مزقتها الحرب، خاطروا بأنفسهم لمجرد طلبهم للعلاج. أما الأطباء الشجعان الذين تطوعوا للذهاب إلى المستشفيات لمساعدة المحتاجين _ مدركين الخطر الذي يشكله ذلك عليهم شخصياً _ لم يتراجعوا عن ذلك قط.

وقال "جيسون كون" المدير التنفيذي لمنظمة أطباء بلا حدود في الولايات المتحدة لـ WorldPost: "لعل أحد أهم الجوانب الخطيرة للصراع منذ بدايته هو شن الهجمات على مراكز الرعاية الطبية كجزء من استراتيجية الحرب".
وأضاف كون:

في هذا اليوم وهذا الوقت، يعد الذهاب إلى المستشفى في سوريا مغامرة حقيقية محفوفة بالمخاطر، كما أخبرنا بعض زملائنا الموجودين في سوريا أن الناس لا يحبّذون البقاء في المستشفى أكثر من حاجتهم إلى ذلك، كما يسعى الكثيرون منهم ليتمّ إخراجهم قبل اكتمال علاجهم بسبب عدم شعورهم بالأمان في المستشفيات

وتُظهِر إحصاءات الجمعية الطبية أن معدل الهجمات قد تضاعف عقب تدخل روسيا العسكري في الصراع في شهر أيلول/ سبتمبر عام 2015، فقد وقع ما يقرب 200 منها بعد يوم 3 أيار/ مايو، عندما تبنى مجلس الأمن قراراً يدين بشدة العنف ضد أولئك الذين يقدمون الرعاية الطبية في البلاد، وأولئك الذين يتلقونها.
وقد سجلت الأمم المتحدة، في شهر تموز/ يوليو لوحده، 44 هجوماً على المستشفيات السورية _بمعدل واحدة كل 17 ساعة_ بما فيها 15 غارة في شرقي حلب، ولم ينجُ كذلك أي مركز طبي في المنطقة المحاصرة سابقاً من المدينة من تلك الاعتداءات.

علاوة على ذلك، خرجت اثنتان من أكبر مشافي حلب من الخدمة في اليوم ذاته في شهر أيلول/ سبتمبر، وعندما سأل أحد الصحفيين سفير سوريا لدى الولايات المتحدة "بشار الجعفري" في مؤتمر صحفي ما إذا كانت حكومته هي من نفذت تلك الغارات القاتلة، اكتفى الأخير بالضحك وأكمل سيره. وفي حقيقة الأمر، أنكرت دمشق وموسكو مراراً وتكراراً استهدافهما للمستشفيات.

إنه أمر لا يُصَدَّق.
منذ بدء الصراع في شهر آذار/ مارس عام 2011 وحتى تموز/ يوليو 2016، تتبعت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان 400 اعتداء على ما لا يقل عن ٢٦٩مركز عناية طبية في سوريا، وقد أودت تلك الاعتداءات بحياة 768 من العاملين في مجال الرعاية الطبية، كما اعترفت المنظمة الإنسانية بأن طريقتها في التأكد من المصداقية أدت في كثير من الأحيان إلى أخطاء في التسجيل، ما يتطلب مراجعة دقيقة لكل حادثة تم ذكرها ووجود 3 مصادر -على الأقل- لإضافة الحادثة إلى القائمة.
وأفادت "إليز بيكر"، منسقة الأبحاث في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في حديثها إلى WorlPost: "هناك عدد أكبر بكثير من الاعتداءات، أكبر من أن نستطيع توثيقه". ومع ذلك، فقد ثبت أن ما يزيد عن ٩٠% من الهجمات وحالات القتل جرت على أيدي حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وقواته الحليفة، بما في ذلك الهجمات التي سخر منها الجعفري.

أما الأمم المتحدة فقد وثّقت أعداداً أعلى من المذكورة بكثير، حيث أدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بشدة ما يزيد عن 600 "اعتداء مروع" على المستشفيات والعيادات الطبية في عامي 2014 و2015، ما أسفر عن مقتل ٩٥٩ شخصًا وإصابة أكثر من 1.500 آخرين بجروح.
وقد امتلأت مراكز الرعاية الطبية في حلب بالضحايا الذين تعرضوا لعدد مخيف من الهجمات. وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "ستيفان أوبرين" إن نظام الرعاية الطبية في المدينة "اندثر كلياً"، مع استهداف المنشآت الطبية "واحدة تلو الأخرى". وفي منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، لم يعد هناك الكثير من المستشفيات في الخدمة ليتم تدميرها، فقد أرغمت أيام من القصف المكثف آخر مستشفى للخروج من الخدمة، مخلفة بذلك 275.000 شخص دون الحصول على العناية الطبية اللازمة.

وقالت بيكر: "عندما يكون هناك ذلك العدد من السكان عرضة لمئات الغارات الجوية، سينجم عن هذا معدل وفيات لا نستطيع مجرد تخيله".
كما قد دُمر أحد مراكز حلب الرئيسة لمعالجة الصدمة النفسية كلياً بعد أن اُستهدِف 4 مرات في أقل من 3 أسابيع في وقت سابق من العام الحالي. وحسب ما أفادت به منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، تعرضت المستشفى المدعومة من الجمعية الطبية السورية الأمريكية لـ 7 غارات جوية على الأقل بين عامي 2014 و2015. وكانت الطائرات الحربية السورية والروسية هي المسؤولة عن جميع تلك الهجمات.

وقال "أحمد طارقجي"، رئيس SAMS لـ WorldPost:

لاحظنا وجود نموذج معين من الهجمات يستهدف المستشفى نفسها مرات عدة، كما لاحظنا أيضاً أن الغارات على المنشآت ليست غارات فردية؛ إذ تُشَن الضربات الجوية على أكثر من منشأة في الوقت ذاته في المنطقة نفسها لشل الاستجابة الطبية في تلك المنطقة، ما من شأنه أن يزيد في الخسائر البشرية والإصابات نظراً لعدم القدرة على علاج حتى الإصابات متوسطة المستوى.

وتدير الجمعية الطبية السورية الأمريكية أكثر من 100 مركز طبي، لتؤمن بذلك العلاج والرعاية الطبية المتخصصة والعامة في سوريا.
وفي مطلع شهر كانون الأول/ ديسمبر، أعلنت المنظمة أن طاقمها قد أخرِج من مدينة حلب بعد أن استولت الحكومة السورية على جميع منشآتها في المدينة.
وقال كون: "نظراً لاستهداف سيارات الإسعاف وتدميرها، أصبح من الصعب للغاية أن يصل أول المستجيبين إلى الأشخاص المتضررين لنقلهم إلى المراكز الطبية". وأضاف أن بعض المستشفيات السورية، تعمل تحت الأرض وفي الكهوف لتكون ملجأ ووقاية من القصف الجوي. وعلق على ذلك بقوله: "ليس هنالك في الحقيقة أي حد لم يُتجاوَز في هذه الحرب".

بالإضافة إلى ذلك، توقع الخبراء بأن المشاكل الصحية الناجمة عن الحرب ستدوم وقتاً أطول من الصراع نفسه. أما بيكر-التي أكدت على الحاجة الملحة لتلبية احتياجات المدنيين الطبية التي لطالما أُهمِلت- قالت: "يوجد عدد متزايد من الآثار بعيدة المدى والتي سنشهدها لعقود قادمة. فاللقاحات لا تقدم للأطفال، فضلاً عن خضوع العديد من الناس لعمليات بتر أعضاء دون وجود رعاية تأهيلية مناسبة، سيحتاج نظام الرعاية الطبية كاملاً في سوريا إلى إعادة تأسيس".

وأضاف طارقجي أن الأطفال الذين يكبرون في منطقة حرب سيكونون أكثر عرضة للمعاناة من اضطرابات نفسية، وقال: "لقد شهدنا في المناطق المحاصرة في سوريا تحديداً، حوادث عنف واكتئاب، وهي أعراض لمرض لن يكون علاجه سهلاً، كما سيستمر ذلك لعدة أجيال قادمة".
وقال أيضاً: "لقد شهد هؤلاء الأطفال موت ذويهم وأخوتهم كما شهدوا اغتصابهم أو حرقهم أحياء أمام أعينهم".

وأشارت بيكر إلى أن بعض المستشفيات التي دمرتها غارات النظام الجوية كانت منشآت تابعة للحكومة، وأضافت: "بالطبع تعلم الحكومة مواقعها فهي التي أسستها، وتؤكد الناشطة أن العديد من الهجمات التي نُفذت على تلك المستشفيات كانت متعمدة "قطعياً". وذلك بداية كوسيلة "لإضعاف الروح المعنوية لأعضاء المعارضة" و"قصفهم حتى يخضعوا للنظام".
أما الأسد فما زال ينكر مسؤولية سوريا والروس عن تلك الاعتداءات، وبعد توجيه الولايات المتحدة الاتهام لتلك الأنظمة بتنفيذ الضربات الجوية ضد قافلة المساعدات التابعة للهلال الأحمر، والتي كانت في طريقها لإيصال المساعدة الطبية لريف حلب، قال الأسد عن ادعاءات البيت الأبيض إنها "مجرد أكاذيب".

وفي مقابلة له مع وكالة أسوشيتيد برس بعد أيام من وقوع الاعتداء، الذي أسماه هجمات برية من المتمردين، قال: "أود أن أقول إن كل ما صرح به المسؤولون الأمريكيون عن النزاعات في سوريا عامة لا مصداقية له".
إلا أن "إيان فيليبس"، مدير وكالة أسوشيتيد برس، أجابه بأن شهود عيان، ومن بينهم بعض الأقارب، وصفوا طائرات الهيلوكبتر، والبراميل المتفجرة و 20 صاروخًا على الأقل، مشيراً إلى أن لا أحد يمتلك مروحيات الهيلوكبتر سوى النظام السوري والروس.

ورد الأسد على ذلك بقوله: "لا تستطيع التحدث عن شهود العيان فيما يخص هذه الأحكام والاتهامات، ما مدى مصداقية هؤلاء الشهود، ومن هم بالأصل؟ نحن لا نعلم".
وقال الدكتور "جوان ليو" رئيس منظمة أطباء بلا حدود في خطاب حماسي ألقاه أمام أعضاء مجلس الأمن في شهر أيلول/ سبتمبر: "في سوريا، تستهدف الحكومة وحلفاؤها دون كلل -وعلى نحو متعمد- المشافي والأطباء وأول الواصلين إلى موقع الحدث بالإضافة إلى المرضى". وأضاف: "الناس يموتون هنا لمعالجة العديد من الجرحى، ومع استمرار سقوط القذائف، يخبرنا الأطباء بأنهم ينتظرون مصيرهم المحتوم".

وبعيداً عن التعرض المستمر للموت والألم والبؤس غير المتناهي، يواجه الأطباء في سوريا نوعاً آخر من الصعوبات المؤلمة لا يمكن تخيلها، ويوضح طارقجي أنه نظراً لندرة الموارد المتاحة، غالباً ما يتعين على الأطباء اتخاذ قرارات تفطر القلب لمعالجة المرضى الذين يحظون بأفضل الفرص للنجاة، بينما يُترَك الآخرون لمواجهة الموت.
وأضاف: "يظن الناس أن هذه حرباً سياسية، وهذا كل ما في الأمر، لكن ذلك ليس صحيحاً، إن ما يجري داخل سوريا هو انتهاك مستمر للإنسانية".