شكّلت قضية تزويد فصائل الثوار بمضادات الطيران ومنذ بداية الحراك المسلح للثورة السورية، أكبر عقدة في وجه الثوار إلى جهة تعرض المناطق التي يحررونها إلى التدمير بقوة الطيران الحربي السوري والروسي على حد سواء، وتسببت تلك العقدة، بجعل استحالة تأمين أي منطقة محررة، واستحالة التفكير ببناء أي منشأة فيها، أو العمل عليها لتكون مكتفية ذاتياً أو محققة للشروط الإنسانية الدنيا.
القرارات الغربية وعلى مدى سنوات خمس، تراوحت بين التصريح والتلميح، والغمز واللمز، والاستكانة إلى مصالح وأطر، فتارة تصرح القوى الكبرى أنها اعتزمت تزويد الثوار بمضاد الطائرات، وتارة تتراجع، وكانت آخر جولة لهذه التصريحات، هو ما أعلنه الكونغرس الأمريكي قبل أيام إذ وافق على مشروع قرار يجيز للرئيس الامريكي تزويد المعارضة السورية بصواريخ م/ط وتم رفع القرار الى مجلس الشيوخ للمصادقة عليه ليصبح ذلك بمتناول يد الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترمب، لكن ما لبثت القيادة الأمريكية في اليوم التالي إلا أن توضح أنه "لا تزويد بمضادات الطيران للمعارضة السورية".
لماذا تمنع الدول الغربية مضاد الطيران؟
منذ أن بدأ النظام باستخدام الطيران الحربي (المقاتل والمقاتل قاذف والقاذف) ضد المدن السورية الثائرة عمدت جهات داعمة خاصة الى دعم الثورة السورية بالصواريخ المضادة للطائرات من أجل التعامل مع هذه الطائرات ومنعها على الأقل من تنفيذ غاراتها على المدن والقرى الثائرة, ولما كان هذا السلاح يتمتع بحساسية وأهمية خاصتين كان من الصعوبة بمكان تأمين هذا السلاح من قبل داعمين خاصين لثوار سوريا بسبب الرقابة التي تضعها الدول الصانعة على توريد هذا السلاح لجهات عسكرية خاصة أو ميليشيات خاصة مثل (حزب الله) لأسباب أمنية تخص اسرائيل اولاً ودول المنطقة بشكل عام.
وعندما فشلت الجهات الخاصة تلك في تأمين هذا السلاح للثوار طيلة عام 2012 وبعد أن أصبحت دول أجنبية وعربية تدعم الثورة السورية بالمال والسلاح، اقتربت فكرة تزويد الثوار في سوريا بهذا السلاح من التحقّق وكان ذلك قاب قوسين أو أدنى من الحصول من قبل إحدى الدول العربية في أيار 2014 لولا أن أفشلت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك الأمر لأسباب تتعلق بأمن الطيران الإسرائيلي فوق سوريا.
دولة عربية حاوت تزويد الجيش الحر بالمضادات ودربت كتيبة عليها
لاحقاً، حصلت إحدى الدول العربية على ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تزويد فصائل الثوار بمضاد طيران محمول على الكتيف، وقامت أيضاً بتدريب خمسين عنصراً من الجيش الحر بقيادة ضابط برتبة مقدم اختصاصه دفاع جوي، على أراضيها.
وتضمن التدريب العمل على نظام دفاع جوي صيني محمول على الكتيف من طراز QW ذو الأجيال الثلاثة، واستمرت تلك الدورة مدة 15 يوماً تم من خلالها التدريب على مقلّدات خاصة بهذا الصاروخ.
ونقلت مصادر مطلعة آنذاك على الدورة، أن العناصر السوريين وصف الضباط أبدوا كفاءة عالية ومنقطعة النظير في استخدام ذلك الصاروخ.
وكان من المقرّر -حسب المصادر- أن تعود تلك المجموعة لتؤسس كتيبة تحمل اسم "كتيبة الدفاع الجوي" تضم عناصر هذه المجموعة وعناصر أخرى وتزود بعشرات القواذف من الجيل الأول لصارخ QW ذو المدى 3.5 كم ارتفاعاً.
كما تقرر البدء بالجبهة الجنوبية في محافظة درعا بشكل مبدئي وبعد إثبات جدارتها يمكن تطوير الكتيبة من حيث العدد وتزويدها بصواريخ QW من الجيل الثاني (مداه بالارتفاع 5 كم) ومن ثم الجيل الثالث (مداه بالارتفاع 8 كم).
عادت المجموعة وتم إنزالها في محافظة درعا وانتظار السلاح الذي دربوا عليه والذي من المنتظر أن يحصلوا عليه خلال أيام قليلة، وتم الانتظار أسبوعاً ثم أسبوعين ثم ثلاثة ثم عرف لاحقاً أن هذا السلاح تحديداً حظرت الولايات المتحدة الأمريكية تزويده للجيش الحر لأسباب أمنية بحجة وصول هذا السلاح الخطير إلى أيدي "الجماعات الاسلامية " (كداعش وجبهة النصرة).
الأسباب الموجبة الأمريكية لحظر مضاد الطيران
وبحسب المصادر فإن جملة من الأسباب الامنية والعسكرية تدفع الولايات المتحدة لحظر هذا النوع من السلاح يأتي على رأسها "تهديد أمن الطائرات الإسرائيلية التي تخرق الأجواء السورية بشكل سافر منذ عقود، فضلاً عن تهديد أمن الطائرات الأمريكية التي تحلق في سوريا (حتى قبل تشكيل التحالف الدولي).
وكذلك، سيشكل تزويد الفصائل بالمضاد ووقوعه بيد جماعات إسلامية تهديداً لأمن طائرات دول الجوار كالأردن جنوباً وتركيا شمالاً، مع خشية حقيقية من سيطرة القوى الإسلامية المتطرفة على هذه الأسلحة واستخدامها ضد المصالح الأمريكية.
مناورات الحرّ.. ورفض أمريكي
حاولت قيادة الجيش الحر وبعض الفصائل المناورة على قرار الحظر الأمريكي، واللجوء إلى الحوار لتقديم تطمينات، فقدمت عدة اقتراحات للجانب الأمريكي في كل من عمان وأنقرة بحضور وفود من الدول الداعمة، أبرزها كان تطمين الولايات المتحدة ودول الجوار وضمان عدم وصول السلاح الجديد إلى أيدي الجماعات المتطرفة التي تتذرع بها الولايات المتحدة للعدول عن حظر توريد الصواريخ المضادة للطيران إلى فصائل الجيش الحر.
كما قدمت الفصائل أيضاً اقتراح وضع كل جماعة من كتيبة الدفاع الجوي الجديدة تحت حماية إحدى فصائل الجيش الحر الكبيرة وذات الهيبة في المكان الذي تتمركز فيه وبإمرة قائد الفصيل، وأن يكون النظام الحديث أمريكيا من طراز "ستنغر" ويتم تزويده بأجهزة تحديد موقع من خلال شريحة إلكترونية يزوّد بها كل قاذف.
أما الاقتراح الذي أدهش الأمريكان، فكان أخذ بصمات أيدي العناصر الرماة والرماة الاحتياط (رامي لكل قاذف) التي ستستخدم هذه الصواريخ وتخزينها في ذاكرة القواذف، وأخذ بصمة عين للرامي ومعاونه فقط لكل قاذف وتخزينها في ذاكرة القاذف لضمان عدم قدرة أحد على استخدام القواذف في حال قتل أي من الرماة أو مساعديهم.
أبدى الأمريكان اهتماماً جدياً بهذه المقترحات، ولكن بعد أقل من شهر جاء الردّ بعدم الاستجابة ما دفع الجيش الحر لتقديم الاقتراح الأخير وهو إرسال دول أصدقاء الشعب السوري طواقم مختصة للعمل تحت حماية الحر من أجل استخدام السلاح الجديد.
ولكن الجواب من قبل الجانب الأمريكي كان كالجواب السابق برفض كل هذه المقترحات "الجديرة بالاهتمام" من أجل تغطية فصائل الجيش الحر وحماية المناطق المحررة من ضربات طيران بشار الاسد.
وبين أخذ ورد مرت الأسابيع والشهور وظهر على السطح التحالف الجوي الغربي العربي في شهر ايلول سبتمبر 2014 الذي تقوده الولايات المتحدة بحجة مكافحة إرهاب تنظيم الدولة وأصبح الحديث عن المطالبة بتزويد فصائل الجيش الحر بسلاح متطور مضاد للطائرات شبه مستحيل بالنسبة لواشنطن خاصة في ظل اتهامات غربية لبعض الفصائل بتسريب أو بيع أسلحة إلى التنظيمات الإرهابية من وجهة النظر الأمريكية.
من خلال ما سبق يمكننا القول إنه تزويد الثوار بمضاد طيران، يتعثر بالعديد من العوائق الحقيقية يكاد يكون أبرزها حضور طيران متعدد الجنسيات في الأجواء السورية سواء كان التابع للتحالف الدولي أو اسرائيل، ولا يعدو قرار الكونغرس برفع الحظر عن تزويد الثوار بمضاد طيران قبل أيام إلا قراراً سياسياً خالياً من المضامين العملية.
أما في حال ظهرت مفاعيل هذا القرار (ولا يتوقع ان تظهر مفاعيله قبل تسلم ترمب قيادة الولايات المتحدة بشكل رسمي) فهذا يعني أن هناك فصلاً جديداً وبشكل جديد من الصراع العسكري فوق الأراضي السورية يكون الهدف منه إغراق روسيا بشكل كامل في سوريا (كما حدث في أفغانستان) وجعلها تندم على اليوم الذي تدخلت به في الملف السوري.