قالت صحيفة “بوليتيكو”، إن روسيا، تواصل التحكم بحركة المساعدات الإنسانية، للسوريين، وتعتبر المساعدات التي تصل إلى مناطق المعارضة إهانة لحليفها بشار الأسد، وعلى أمريكا فعل شيء لإنهاء تجويع السوريين.
وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته صحيفة “عربي21” الإلكترونية: إن الحرب السورية المستعصية منذ عقد لم تمنح صناع السياسة الفرصة لفرض سياسات تغير من الوضع، لكن إدارة جوزيف بايدن لديها في الصيف المقبل هذه الفرصة، لكي تتأكد من تدفق المساعدات الإنسانية دونما معوقات لملايين السكان في شمال سوريا والذين باتوا بحاجة للمساعدة أكثر من أي وقت مضى.
وأضافت: “إلا أن هذه الفرصة لن تكون مجانية، فعلى الرئيس بايدن إلى جانب وزير خارجيته أنتوني بلينكن ومديرة يو أس إيد سامنثا باور القيام بجهود صلبة لتغيير الحسابات الروسية من الآن وحتى تموز/يوليو. وهذا يعني البحث عن طرق أخرى غير سوريا والشرق الأوسط للضغط على روسيا وزيادة التكاليف المحتملة لقطع الدعم الإنساني عن سوريا”.
ودعم بوتين بشار الأسد منذ 10 أعوام، عندما بدأ المتظاهرون السلميون بالدعوة للإصلاح وكان الرد هي قسوة لا ترحم. وعندما دخلت سوريا في حرب زاد بوتين من الدعم العسكري والمستشارين ثم شن في 2015 عملية عسكرية واسعة بهدف إنقاذ الأسد.
وأعطت الحرب في سوريا بوتين الفرصة لتعزيز موقع روسيا كلاعب مهم في الشرق الأوسط وحماية حليف وبالضرورة هزيمة الجهود الأمريكية الرامية لتغيير الأنظمة في الدول العربية. وفي عام 2021 لا أحد لديه شك في أن أيا من هذه الأهداف لم يتحقق، فقد عملت روسيا مع حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني لدعم الأسد. وحصلت على الدعم الدبلوماسي من الصين، التي تحتفظ بحق النقض في مجلس الأمن وظلت ترفض دعم الغرب للتغيير الديمقراطي في الخارج. بالإضافة لعلاقات دبلوماسية خاصة بها مع بشار الأسد.
وطالما أشار الدبلوماسيون الروس والصينيون إلى أن تحركاتهم التي تستهدف نقل الإغاثة عبر الحدود هي انتقام من الأمريكيين والأوروبيين لفرضهم عقوبات ضد الأسد. إلا أن عناصر الحرب في سوريا تم توثيقها بشكل واسع مقارنة مع استراتيجية الحصار- التجويع الروسية التي لم توثق بشكل كبير.
وعبر قطع المواد الحيوية عن ملايين السكان تريد روسيا تحقيق هدف واحد وهو إجبارهم على الإستسلام لنظام قصفهم وقتلهم وأغار عليهم واستخدم الغاز الكيماوي ضدهم لعقد من الزمان. وكانت الرافعة لكل هذه الجهود هي مجلس الأمن.
وبحلول 2014 توقفت الأمم المتحدة عن إحصاء الجثث بعد سنوات من الهجمات الوحشية والحصار والقصف السجادي لمجتمعات المعارضة المعادية له. وأدى حجم العنف وغذى أزمة إنسانية واسعة اقتضت ردا إغاثيا ضخما، لكن النظام لم يكن راغبا بوصول المساعدات لمناطق المعارضة. ولم ينجح أو استحال التنسيق بين منظمات الإغاثة والحكومة المضيفة في إيصال المساعدات لمناطق المعارضة.
وهو ما دفع مجلس الأمن نحو تصويت نادر في 2014 يسمح للمجتمع الدولي نقل المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة وبعد إبلاغ دمشق ولكن بدون الحصول على موافقتها. وعارضت حكومة الأسد، إلا أن المجلس وضع جانبا مسائل السيادة وسمح باستخدام المعابر الحدودية الأربعة لنقل المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة.
فقد أيقن مجلس الأمن في حينه أن ملايين السوريين سيموتون جوعا بدون إغاثة عبر المعابر الحدودية. وتحولت جهود الإغاثة التي قادتها الأمم المتحدة لاحقا إلى عملية ضخمة وفرت فيها كل شيء من حليب الأطفال والماء والغذاء واللقاحات والسكن للمشردين. وبحلول 2021 عبرت حوالي 44.000 شاحنة للمساعدات الإنسانية لمناطق المعارضة عبر نقاط العبور التي سمحت بها الأمم المتحدة. ورد المجتمع الدولي وبقوة العمليات الإغاثية فيما حاول الأسد منع وصولها لمن يحتاجها أكثر.
وفي بعض الحالات لم يعط النظام إذنا لمرور الشاحنات، وفي حالات أخرى صودرت الشحنات، وأخذ منها الثمين والمهم مثل حليب الأطفال. وتم تخريب ما تبقى مثل ملء أكياس الطحين بالزجاج وبقايا الطيور. ومع ذلك نجحت المساعدات الحدودية بتخفيف الآثار التي تركها تجاهل نظام الأسد للقانون الإنساني الدولي. وقد تغير هذا عندما بدأت خطوط القتال بالتجمد في سوريا ولم يستطع خليط من قوات محلية وأجنبية ومليشيات التقدم. ونظرا لحالة الجمود على خطوط القتال، بدأت روسيا بالبحث عن طرق أخرى لمساعدة نظام الأسد.
وأخذت موسكو بالاعتماد على أوراقها في مجلس الأمن للضغط باتجاه منع وصول المساعدات لمناطق المعارضة، وحتى المناطق التي استعادها النظام بالعنف من المعارضة لم تعد تحصل على مساعدات إنسانية. وفي جنوب سوريا، مثلا والذي ظل خاضعا للجماعات المعارضة حتى منتصف 2018، أصبحت الظروف المعيشية سيئة وبدأ السكان بالاتصال مع أبنائهم أو أقاربهم الذين يعيشون في الخارج وجمع المال منهم والمشاركة في إعادة خطوط المياه أو التيار الكهربائي.
واتخذت روسيا أول خطوة في استراتيجية الحصار والتجويع في كانون الثاني/يناير 2020 عندما استخدمت الفيتو لإغلاق معبر اليعربية مع العراق. وعنى هذا فقدان 2.5 مليون نسمة في شمال- شرق سوريا المساعدات الإنسانية والطبية. واضطر سكانها الذين تسيطر عليهم قوات “سوريا الديمقراطية” للاعتماد على مساعدات قليلة من معبر فيشخابور وأقل عبر الأمم المتحدة من دمشق.
ولفت إلى أنه وبعد ستة أشهر، استطاعت روسيا وبدعم من الصين إغلاق كل المعابر باستثناء معبر باب الهوى الذي منح تمديدا لمدة عام. وجاءت هذه التسوية بعد تدخل تركيا التي تشترك بحدود مع شمال- غرب سوريا ولا تزال عالقة في علاقة حب وكره مع موسكو. وسينتهي التمديد في الصيف حيث هدد الدبلوماسيون الروس مرارا بنيتهم رفض تمديد آخر. وفي الوقت الحالي يعتمد 4.5 ملايين نسمة على المساعدات الإنسانية. وتبلغ نسبة فقر التغذية بين الأطفال إلى واحد من أربعة أطفال وظهرت عليهم علامات الهزال.
وتراجعت مستويات الحياة بشكل حاد نظرا لقلة المساعدات التي تعبر باب الهوى. ومع انتشار كوفيد-19 في شمال- غرب سوريا وبغياب المؤسسات الصحية لتوفير العناية فإن إغلاق المعبر المحتمل يعني أن اللقاحات التي ستصل المنطقة عبر برنامج منظمة الصحة العالمية كوفاكس لن تصل. وحذر مسؤول المساعدة في الأمم المتحدة مارك لوكوك في إيجاز له لمجلس الأمن الدولي أنه لو نفذت روسيا ما تريده فستتحول الأزمة الإنسانية في شمال سوريا “من رهيبة إلى كارثة”.
وستكون تداعيات إغلاق المعبر أبعد من الأزمة الإنسانيةـ وتعني استئناف الأعمال القتالية. ورغم وقف إطلاق النار الهش، إلا أن الروس والنظام زادوا من الضغط العسكري وقصفوا المستشفيات والطرق الرئيسية ومحطات الوقود والمخازن وأماكن وقوف الشاحنات. وهذه التحركات لا تعتبر خرقا لوقف إطلاق النار بل ومحاولة لتخفيض مستويات الحياة والتحضير لعملية عسكرية شاملة.
وآخر مرة اندلع فيها العنف هرب مليون شخص، مما أسهم في أكبر كارثة لجوء نحو أوروبا. بالإضافة لهذا، فتدهور الظروف المعيشة يعني عودة التطرف واستغلال الجماعات الجهادية للوضع. ولأن روسيا واعية بما سينجم عنه إغلاق المعبر الأخير، فقد منعت منظمات المجتمع الدولي واللجنة الدولية للصليب الأحمر من الحديث أمام مجلس الأمن.
وتعطي تشكيلة مجلس الأمن لروسيا نفوذا على المساعدات الإنسانية أكبر من حجمها وما تقدمه من مساهمات. فهي لا تقدم للدعم الإنساني إلا نسبة 1% مقارنة مع 90% تقدمها أمريكا ودول الإتحاد الأوروبي. ومع ذلك لدى موسكو قدرة على اختطاف القرار وزيادة تدهور الأوضاع الإنسانية. لكن أمريكا وأوروبا لديهما نفوذ من خلال عقد لقاءات غير رسمية لمناقشة الظروف الإنسانية وتبادل الرأي في الموضوعات الحساسة.
ومع أنها تعقد بناء على دعوة من أعضاء مجلس الأمن إلا أنها ليست عرضة للمراجعة أو المنع من الأعضاء الآخرين. وعقد لقاءات كهذه ستعطي واشنطن منبرا من أجل التأكيد على أهمية المساعدات الإنسانية.
وقال الموقع إنه يجب على أمريكا وحلفائها التعاون على مستويات عالية لمنع الصين وروسيا من استخدام الفيتو. وهناك جهود جارية وخطط بديلة للمساعدات لا تحتاج لتفويض من الأمم المتحدة. ويجب تنسيق الجهود هذه بين الرئيس بايدن ووزير خارجيته ومسؤولة التنمية الدولية الأمريكية لإظهار درجة من التشدد والجدية. ففي عام 2014 كان على باراك أوباما استخدام الشدة مع بوتين لكي يسمح بمرور المساعدات الإنسانية.