ينظر الباكستانيون إلى العالم النووي عبد القدير خان على أنه “البطل القومي الكبير” الذي جعل بلده يمتلك قنبلة نووية وبرنامجًا متكاملًا يدعم قدراته العسكرية إقليميًا ودوليًا في ظل التنافس والعداء المتواصل مع الجارة الهند.
وكان خان، الذي تُوفي اليوم الأحد عقب إصابته بفيروس كورونا المستجد، محور اهتمام على الصعيدين الداخلي والخارجي، حتى بعد مرور 17 عامًا على أكبر ضجة أحدثها حين أقرّ عام 2004 في بثّ تلفزيوني مباشر ببيع أسرار نووية لإيران وكوريا الشمالية وليبيا، قبل العدول عن تلك التصريحات.
ويعد خان، الذي يُلقّب داخل باكستان بـ”أبي القنبلة الذرية الإسلامية”، من المؤسسين الأوائل للبرنامج النووي لبلاده، بل إنه العقل المدبّر للبرنامج الذي أطلقه بمساعدة رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك ذو الفقار علي بوتو.
وترك خان بصمة واضحة في برنامج التسلح النووي الباكستاني منذ سبعينيات القرن الماضي بعد قيام الجارة الهند بتنفيذ أول تجربة نووية.
ما قبل البرنامج النووي
أخذ العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان على عاتقه مهمة بناء برنامج نووي لبلاده، يمنحها القدرة على “منافسة” خصومها، واكتساب قدرات نووية في المنطقة. وفي هذا الإطار، خاض خان مراحل تعليمية وعملية مختلفة خارج باكستان، للوصول إلى تلك المرحلة.
وتوضح مسيرة خان، المولود في مدينة بوبال الهندية عام 1936، المسار الذي سلكه قبل التفرّغ نهائيًا لتأسيس برنامج نووي لباكستان.
سافر خان في ستينيات القرن الماضي إلى ألمانيا لاستكمال دراسته في جامعة برلين التقنية، وأكمل دورة تدريبية في علوم المعادن. كما نال درجة الماجستير عام 1967 من جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا.
وحاول خان العودة مرة أخرى إلى باكستان في تلك الفترة للحصول على وظيفة في مصانع حديد كراتشي، لكن طلبه قوبل بالرفض بسبب “قلة خبرته العملية”. ولاحقًا، أكمل دراسته، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة لوفين البلجيكية عام 1972.
واستفاد خان من عمله في شركة “FDO” الهندسية الهولندية، لاكتساب المهارات والمعلومات حول الأسس لبناء برنامج نووي. وكانت شركة “FDO” على صلة وثيقة بمنظمة اليورنكو، وهي منظمة بحثية أوروبية مهتمة بتخصيب اليورانيوم من خلال نظام آلات النابذة (التفاصيل المستخدمة في تلك الآلات النابذة تعتبر سرية لأنها قد تستخدم في تطوير القنبلة النووية).
وقال الصحافي البريطاني سايمون كوبر، في تحقيق نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” عام 2020: إن خان عمل في الشركة الهولندية، التي كانت تصمّم أجهزة طرد مركز فائقة لتخصيب اليورانيوم، لكنها لم تنتج قنابل ذرية في ذلك الوقت.
وشكّل عمل خان في هذه الشركة وتجربته في التعامل بنجاح مع نظام الآلات النابذة، الأساس الذي بنى عليه لاحقًا برنامج باكستان النووي.
قوة عسكرية
بعد التجربة النووية للهند عام 1974، اعتبر خان أن بلاده تحتاج إلى برنامج نووي خاص بها. فكتب رسالة إلى رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك ذو الفقار علي بوتو قائلًا: “حتى تبقى باكستان دولة مستقلّة، فإن عليها إنشاء برنامج نووي”.
وكانت رسالة خان بمثابة الانطلاقة العملية لتأسيس برنامج باكستان النووي، بخاصّة بعدما دعاه رئيس الوزراء عام 1975 للعودة إلى باكستان لإدارة برنامجها النووي. وفي العام التالي، غادر خان هولندا عائدًا إلى بلاده.
وتمكّنت باكستان، بفضل البحوث التي أشرف عليها عبد القدير خان، من تحقيق نقلة نوعية على صعيد بناء ترسانة من الأسلحة المتطوّرة، وبرنامج نووي ذي كفاءة عالية.
واستغرق بناء مفاعل كاهوتا النووي ستة أعوام. وعام 1974، أطلقت مفوضية الطاقة الذرية الباكستانية برنامج تخصيب اليورانيوم. وبعد عامين، انضم خان إلى تلك المفوضية، لكنه لم يتمكّن من إنجاز أي شيء. وفي يوليو/ تموز من العام ذاته، أسس خان معامل هندسية للبحوث في مدينة كاهوتا، والتي تم تسميتها لاحقًا بمعامل خان البحثية تيمنًا به.
وامتدّت أنشطة معامل خان البحثية لتشمل برامج دفاعية مختلفة منها تصنيع صواريخ، وأجهزة عسكرية أخرى كثيرة، وأنشطة صناعية، وبرامج وبحوث تنمية.
الكشف عن البرنامج النووي
وبعد أن تمكّنت إسلام أباد من صناعة القنبلة النووية، أثار الكشف عن برنامجها النووي ردود فعل غربية حيث مُورست ضغوطات على الحكومة الباكستانية، ورفعت دعوى قضائية في هولندا ضدّ خان بتهمة سرقة وثائق نووية سرية، قبل أن تُسقط محكمة أمستردام العليا التهم.
وكانت التجارب النووية لباكستان عام 1998، بمثابة تأشيرة دخول إسلام أباد إلى النادي النووي. واحتفت باكستان ببطلها النووي في تلك الفترة بشكل غير مسبوق، على الرغم من توتر علاقاته ببلده لاحقًا على خلفية ما كشف عن “بيعه أسرارًا نووية” لإيران وكوريا الشمالية وليبيا.
وتعد علاقة خان بالسلطات الباكستانية متقلّبة منذ فترة طويلة، حيث وضع قيد الإقامة الجبرية منذ عام 2004، ويتمّ فحص أي زائر لمنزله سلفًا. كما أثارت قضية “بيعه أسرارًا نووية” غضب الجيش أثناء حكم الرئيس السابق برويز مشرف. ولطالما وجّه خان رسائل للسلطات الباكستانية يحثّهم فيها على رفع الإجراءات الأمنية التي فرضتها عليه.
وفي أغسطس/ آب الماضي، أدخل خان إلى المستشفى بعدما ثبتت إصابته بفيروس كورونا المستجد، ثم أعيد إلى المنزل قبل أن تتدهور حالته الصحية ويتوفّى صباح الأحد.
نبذة عن حياة خان
ولد خان في 1 أبريل/ نيسان 1936 في مدينة “بوبال” عاصمة ولاية “ماديا براديش”، وسط الهند، وكان من بين من هاجروا إلى باكستان عام 1947 مع عائلاتهم.
وحصل على شهادته في الهندسة من إحدى جامعات هولندا عام 1967، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة المعدنية من بلجيكا.
وأصبح العالم الراحل بطلا قوميا، ليس فقط في باكستان ولكن في العالم الإسلامي أيضا، عندما قدمت باكستان في مايو/ أيار 1998 ردا مناسبا للهند من خلال إجراء تجاربها النووية.
وبعد التجارب، أصبحت باكستان القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي، والدولة السابعة التي تمتلك أسلحة نووية، وهو ما مكنها من إبقاء العدوان الهندي تحت السيطرة.
وكان خان أول باكستاني يحصل على 3 جوائز رئاسية، حيث حصل على وسام التميز مرتين، وهلال الامتياز مرة واحدة.
المؤلفات والجوائز
- نشر عبد القدير كتاب “القنبلة الإسلامية” بالإنجليزية، عام 1981، كما نشر حوالي 150 بحثا علميا في مجلات علمية عالمية.
- حصل عبد القدير خان على 13 ميدالية ذهبية من معاهد ومؤسسات مختلفة.
- منح وسام “هلال الامتياز” عام 1989.
- حصل على “نيشان الامتياز” وهو أعلى وسام مدني تمنحه دولة باكستان في عام 1996.
- أعلنته جامعة “سير سيد” (Sir Syed) للهندسة والتكنولوجيا “خريجا متميزا” اعترافا بـ”خدماته الجليلة ومساهماته القيمة في البحث العلمي وتطبيقاته العملية المفيدة للبشرية” في عام 2003.