الرئيسية » لغز الكائنات الفضائية.. المنطقة 51 التي تحافظ أمريكا على سرِّيتها

لغز الكائنات الفضائية.. المنطقة 51 التي تحافظ أمريكا على سرِّيتها

في الأعلى كُتب بخط عريض باللون الأحمر “المنطقة 51″، وفي الأسفل مباشرة “تحذير: منطقة ممنوعة، استخدام القوة المميتة مصرح به هنا”.

هكذا برزت لوحة أمام منعطف ترابي يتفرع من خط سريع في صحراء نيفادا القاحلة، يقود هذا الطريق غير المعبّد إلى البوابة الأمامية من أرض يكاد لا يُرى بها شيء، حيث لا أثر لمخلوق حي ولا كائن. ولكن إذا ما توغّل أحدهم في هذا المنعرج الرملي الطويل سيجد نفسه محاطا بكاميرات مراقبة لا تفوتها شاردة ولا واردة.

وإذا ما تمعن أحدهم ما بين الكثبان والتلال الصخرية، سيرى عربة بيضاء على رأس تل من طراز “بيك أب” تراقب عن بعدٍ بمشهد غامض مثير للرعب.

 

ويشير السكان المحليون إلى أن هذه المنطقة تخضع للرقابة الدقيقة، فلا سلحفاة ولا أرنبا بإمكانه اجتياز السياج المحيط خلسة دون رصده، ويقول آخرون إن مستشعِرات ذكية زُرعت على مسار الطريق لتشديد الحراسة الأمنية أكثر.

نطاق الاختبار والتدريب في نيفادا.. المنطقة السرية

ولا عجب في ذلك، إذ إن هذه البقعة النائية المعروفة بـ”منطقة 51″ تعد قاعدة عسكرية تابعة لجهاز القوات الجوية الأمريكي (USAF)، بالإضافة إلى أنها تقع ضمن أكبر المنشآت الحكومية في الولايات المتحدة والمعروفة باسم “نطاق الاختبار والتدريب في نيفادا” (Nevada Test and Training Range) والتي أُجريت عليها تجارب القنبلة النووية لمشروع “مانهاتن” أحد أعظم البرامج السرية في التاريخ الحديث، بتفجير 105 قنابل نووية فوق الأرض و828 قنبلة أخرى داخل أنفاق تحت الأرض.1

وعادة ما يطلق لفظ “المشاريع السوداء” (Black Projects) كناية عن البرامج العسكرية السرية للغاية غير المفصح عنها من قبل الحكومة للعلن، ويطلق على الميزانية المخولة بدعم هكذا مشاريع بـ”الميزانية السوداء” (Black budget)، وتحتفظ هذه المشاريع بسريتها إلى حين انقضاء مهمتها والتأكد من عدم وجود أي تهديد أمني لاحقا.

وقد تبلغ درجة السرية أن يخفى الأمر عن مناصب رفيعة في الدولة، كحال نائب الرئيس الأمريكي “هاري ترومان” إذ لم يعلم بمشروع “مانهاتن” النووي إلا بعد وفاة الرئيس الأمريكي آنذاك “فرانكين روزفلت” في عام 1945، وبعد تقلده لمنصب الرئاسة تفاجأ “ترومان” بوجود البرنامج النووي وكان في عهده استخدام أول قنبلتي دمار شامل في الحرب.2

والأمر ينطبق على بقية المشاريع السرية التي لم يُكشف منها سوى جزء يسير، وقد نالت “المنطقة 51” نصيبها من هذه البرامج العسكرية.

حرب باردة.. نقطة انطلاق نحو التجسس

ما إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها حتى انقشعت أعمدة الدخان عن سماء أوروبا وتنفس العالم أخيرا الصعداء، وأطيح بالحزب النازي وتقاسم الحلفاء العاصمة برلين، وبدت أن الحكاية قد انتهت. إلا أنها بدأت للتو متمثلة بصراع بين أعظم قوتين في العصر الحديث، حرب باردة لم تنطفئ شرارتها يوما.

اشتد الاحتدام بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا على عدة أصعدة، وكان للحرب المعلوماتية والتجسس النصيب الأكبر من ذلك الصدام. ففي عام 1954 طلب الرئيس الأمريكي “دوايت أيزنهاور” موقعا سريا لتشييد برامج الاستطلاع من مسافات مرتفعة للتجسس على البرنامج النووي للاتحاد السوفياتي، وهو ما تكفلت به وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) التي سرعان ما وقع اختيارها على المنطقة المسماة “51” المحاطة بكثبان رملية يصعب الوصول إليها على مسافة 120 ميلا تفصلها عن مدينة لوس أنجلوس.

لقد تم بناء مدرج هبوط طويل بالإضافة إلى عدة منشآت كبيرة، وبدأ العمل على أول مشروع طائرة تجسس “يو 2” (U-2). إذ كانت تبحث الحكومة الأمريكية حينها عن طائرة بقدرة تحليق على ارتفاعات عالية تصل إلى 70 ألف قدم (22 كيلومترا) كي تتجنب رادارات الكشف والصواريخ المضادة للطائرات، بالإضافة إلى قدرة التحليق على مسافات طويلة تصل إلى 4500 كيلومتر دون توقف. وقد نجحت بالفعل القوات الجوية في مهمتها في غضون أشهر في تحقيق تحفة هندسية لم يسبق لها مثيل، لكن قوات الاتحاد السوفياتي تمكنت من إسقاط إحدى طائرات هذا الطراز فوق الأراضي الروسية بينما كانت الطائرة تقوم بعملها الاستطلاعي في عام 1960، وهو ما دفع الأمريكان إلى العودة مرة أخرى بمشروع آخر لصناعة طائرة بمواصفات أعلى لا يمكن الكشف عنها ولا يمكن إسقاطها، وذلك على أن يتم خلال 20 شهرا فقط، والأهم من ذلك كله أن يكون الأمر في غاية السرية وإلا لخرج من إطار الحرب الباردة.

وبالفعل تمكنوا من صناعة طائرة التجسس الشهيرة “إس آر 71 بلاك بيرد” (SR-71 Blackbird) التي كال مصممها “كيلي جونسون” كل أنواع المديح عليها قائلا إنها تحلق على ارتفاع وسرعة كبيرين يعجز أي شيء عن اللحاق أو الإمساك بها.3

وكما بدا فإن “منطقة 51” كانت معسكرا وورشة لمشاريع هائلة يصعب التستر عليها، لكن الحكومة استطاعت كبح تسرب أي معلومة، ولم يأت ذكر هذه المنطقة المحظورة على الملأ إلا قبل 30 عاما، ولم تزل المؤسسات الرسمية تتشبث بخصوصية هذه المنطقة على نحو شديد، فكل حديث رسمي يتعلق بها إنما هو أطراف حديث فحسب.

فيا ترى هل من شيء آخر مازال مستورا لا يمكن الإفصاح عنه، أو بالأحرى هل من شيء أعظم من البرامج السرية لتطوير طائرات التجسس أو حتى إنشاء المفاعلات النووية؟ إن كان لا، فلم كل هذا الاحتراز؟ هذا ما يثيره الفضوليون.

غموض يثير الفضول.. سبيل قصص الأساطير

يعلق مؤرخ الفضاء والمؤلف “بيتر ميرلين” والمهتم بـ”المنطقة 51″ طيلة العقود الثلاثة الأخيرة مفترضا أن الجانب المحظور من هذا الفضاء هو ما يدفع الحس الفضولي لدى الناس إلى محاولة كشفه. وعلى الرغم من معرفتنا بعدة برامج سرية جرت هناك، فإن هناك الكثير من ما يجري حتى هذا الوقت لم نسمع به إطلاقا.4

ومؤخرا في عام 2019، قام أحد مستخدمي منصة “يوتيوب” من أصل هولندي هو وزميله، باقتحام الحدود الخارجية للقاعدة العسكرية، غير مكترثين باللائحة التحذيرية عند البوابة الأمامية. وغايتهما كانت كشف اللغز المرتبط بهذه المنطقة الغامضة. لكن سرعان ما تم إيقافهما بتحذيرات شديدة اللهجة ومن ثم احتجازهما ومصادرة جميع الأجهزة الإلكترونية التي كانت معهما.

وحكم على الشابين بالسجن مدة عام كامل، لكن علّق الحكم لاحقا مع تغريم كل منهما 2280 دولارا دون منحهما الحق في استرداد أي من أدواتهما وأجهزتهما.5

هكذا بدا الأمر في حزمه ليس فيه أي سبيل للتهاون، بل إنه في العام نفسه أطلق النار على رجل وأسقط قتيلا بعد محاولته دخول القاعدة العسكرية السرية للغاية. والأمر باعتقاد المشككين لم يكن يرتبط بأن هذه البقعة تديرها قاعدة عسكرية تابعة للقوات الجوية الأمريكية، وإنما بما تم الإبلاغ عنه من قبل شهود عيان عن وجود مجسمات مثيرة تحلق على مقربة من القاعدة.

عصر الأطباق الطائرة.. تحليق مع الأقراص المدوّرة

في صبيحة الرابع والعشرين من يونيو/حزيران عام 1947 أثار طيّار خاص يدعى “كينيث أرنولد” (Kenneth Arnold) أمرا غريبا للغاية لم يسبق أن تطرق إليه أحد من ذوي الحرف المعتبرة، إذ قال إنه أثناء تحليقه قرب سلسلة جبال كاسكيد غربي أمريكا ظهر أمامه تسعة أجسام تشبه الأقراص المدورة تصطف جنبا إلى جنب وتحلق بين قمم الجبال. لم يستطع “أرنولد” تصديق عينيه ولكنه خمن أن هذه الأجسام كانت تحلق بسرعة 2735 كيلومترا في الساعة.

وحين عاد بطائرته إلى المطار، لم يتوان عن إخبار زملائه بما شاهده من “أطباق طائرة” (flying saucers) والذي إليه تعزى هذه التسمية، فانتشر الخبر كانتشار النار في الهشيم ولم يهدأ هاتف الطيّار عشية ذلك اليوم، مع إنكار القوات الجوية لهذه الرواية التي لم تدم طويلا.

اضطرت السلطات الأمريكية لاحقا الخوض في هذا المنزلق خشية أن تصدق هذه الرواية، ليس خوفا من كائنات فضائية، وإنما تحسبا من العدو السوفياتي المتربص. ومن هنا قامت وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) بتكليف “المركز الوطني للاستخبارات الجوية والفضائية” (NASIC) بالتحقيق في الأمر.

الكتاب الأزرق.. مشروع لفك طلاسم الأجسام الطائرة

تبعا لما سبق تأسس مشروع “الكتاب الأزرق” (Project Blue Book) الذي مرّ بعدة تسميات قبل أن يستقر على اسمه الحالي. وبدلا من استخدام اسم “الأطباق الفضائية”، استعان المشروع بتسمية أدق وأوسع هي “أجسام طائرة غير معروفة” (Unidentified Flying Object) واختصارها الشهير (UFO) المستخدم بكثرة في الأوساط العلمية والفنية.

بحلول عام 1952 وصل عدد الإبلاغات إلى 1225 حالة، ودون شك منها ما هو مستوحى من حادثة الطيار “أرنولد”، إذ باتت قصص الأطباق الفضائية مادة دسمة للصحف الصفراء حينئذ، كما أن الأحداث تزامنت مع سطوع فريق من المشككين بالروايات الرسمية، معتقدين أن أمرا ما يحاك في الكواليس وفي الأقبية المظلمة ضد شعوب العالم.

ومع مراجعة معظم الحالات التي تم الإبلاغ عنها، تبين أنّ 10% منها كان بسبب وجود جرم سماوي كنجم أو كوكب، وذلك بناءً على وصف المدعين لموقع الحادثة ووقتها. وفي شهر أبريل/نيسان من ربيع 1964، ادعى ضابط شرطة في إحدى مدن ولاية نيو مكسيكو بأن “شخصين” كانا يقفان بجانب جسم متوهج قبل أن يستقلاه ثم يطير بهما إلى الأعلى متواريا عن الأنظار، وتعد هذه الحادثة من أكثر القصص شهرة كونها وُثقت من قبل رجال أمن، وتعرف بحادثة “لوني زامورا” (The Lonnie Zamora incident).6

واكتفت منظمة الكتاب الأزرق بوصف هذه الحادثة على أنها مجهولة، ومن ضمن الذين قاموا بفحص ودراسة الحادثة، محرر وكاتب في مجلة “أسبوع الطيران” (Aviation Week) يدعى “فيليب كلاس” (Philip Klass) الذي قام بتأليف عدة كتب تتناول قضايا مشابهة. وقد أشار “كلاس” إلى أن العديد من المشاهد يمكن تفسيرها بالظواهر الطبيعية كالبلازما والبرق والسحب المدورة الشكل.7

كائنات فضائية أم طائرات تجسس أمريكية؟

لم يكن مألوفا بالنسبة لأحد أن يرى طائرات تحلق على ارتفاعات عالية، خاصة الطيارين الذين يمتلكون خبرة كافية في تحديد المسافات التي يمكن للطائرة التحليق بها. فكانت رؤية طائرات التجسس مثل “يو 2” وغيرها تطير فوق “المنطقة 51” وتهبط في مدرجها تثير الريبة. وهذا ما يرجح احتمالية ان تكون المنطقة 51 تخبئ كائنات فضائية محتجزة في معسكرها السري ذاك.

ودون شك، استغلت الحكومة الأمريكية موجة الإشاعات الكبيرة والمؤمرات التي أحاطت “المنطقة 51” للتغطية على برامج طائرات التجسس إبان الحرب الباردة، وهذا ما يفسر سبب تكتمها الطويل دون الإدلاء بتفسيرات منطقية لبعض الحالات كمشاهدة بالونات (Balloons) أو مناطيد كبيرة تحلق.

وقد استُخدمت المناطيد في مشروع “موجول” (Project Mogul) السري للغاية لغرض العمليات التجسسية فوق الأراضي السوفياتية، إذ كانت هذه المناطيد تحمل ميكروفونات تتنصت على الموجات الصوتية الناتجة عن تجارب انفجار القنابل النووية. وهذا ما يمنح بعض التفسير على وجود أجسام غريبة طائرة.

ولمزيد من الشفافية وبمبادرة غير متوقعة، قام جهاز الاستخبارات المركزي الأمريكي (CIA) في مطلع عام 2021 بنشر جميع الوثائق المرتبطة بعالم “يو أف أو” (UFO) للعلن. وقد تضمنت الملفات 2700 صفحة مع إتاحة الفرصة للجميع للاطلاع عليها على منصة “ذي بلاك فالت” (The Black Vault).

ولا يعلم أحد إذا كان ذلك في سبيل حل جدل طال أمده، أم أنه مراوغة جديدة فحسب كما يراه المشككون.

المصدر: الجزيرة الوثائقية