وجدت دراسة جديدة أنه من الممكن أن مياه المريخ بقيت مدفونةً تحت قشرته ولم تَضِع في الفضاء كما كان يُظَّن منذ وقت طويل. وقالت ناسا في تصريح لها أنهم وجدوا في أحد أبحاثهم أن المريخ كان في السابق رطبًا بشكل يكفي لتغطية كامل سطحه بمحيط مائي بعمق من 100 إلى 1500 متر، وأنه يحتوي ما يعادل نصف كمية المياه التي يحتويها المحيط الأطلسي في كوكب الأرض. وبما أن الحياة موجودة نظريًا أينما وُجدت المياه على الأرض، فإن تاريخ المياه على المريخ يزيد احتمال أنه كان يومًا ما موطنًا للحياة، وربما لا يزال يستضيفها حتى الآن.
لكن المريخ اليوم بارد وجاف، ظن العلماء سابقًا أن الإشعاع الشمسي والرياح الشمسية جرّدت الكوكب الأحمر من الهواء والماء بعد أن فقد مجال حمايته المغناطيسي. وأن كمية الماء التي لا يزال المريخ يحتفظ بها في غلافه الجوي والجليد لا تكفي إلا لتغطيته بطبقة من الماء عمقها يتراوح من 20 إلى 40 متر.
لكن الدراسات الأخيرة ترجح أن المريخ ما كان ليفقد كل مياهه في الفضاء، وكشفت بيانات مهمة لمسبار مافن Maven -الذي يدرس غلاف المريخ الجوي وتطوره المتقلب- التابع لناسا، ومارس إكسبريس التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، أن معدل فقدان المريخ لمياهه سيجعله يخسر محيطًا بعمق 3 إلى 25 متر في مدة 4.5 مليار سنة.
اكتشف العلماء أن أغلب كمية المياه التي كانت موجودة بالماضي في المريخ بقيت مخبأةً في القشرة الخارجية للكوكب الأحمر ومخزنةً في البنى البلورية للصخور تحت سطحه، ونشر العلماء تفاصيل النتائج التي وصلوا إليها في مجلة ساينس ومؤتمر علوم الكواكب والأقمار في 16 مارس 2021.
طوّر الباحثون نموذجًا للكوكب الأحمر يستطيع تقدير كمية المياه التي كانت موجودةً في البداية على المريخ، والكمية التي فقدها مع الوقت، وذلك باستخدام البيانات المستمدة من المركبات على سطح المريخ والمركبات التي تدور في مداره والنيازك القادمة منه أيضًا، وشمل هذا النموذج الآليات المحتملة وراء خسارة المياه إلى الفضاء واندماجها الكيميائي في المعادن.
تتضمن إحدى الطرق التي يقدّر بها العلماء كمية المياه التي فقدها المريخ في الفضاء تحليلَ مستويات الهيدروجين داخل غلاف المريخ الجوي وصخوره. فكل ذرة هيدروجين تحتوي على بروتون واحد داخل نواتها، لكن يمتلك بعضها نيترونًا إضافيًا مشكلًا نظائر تسمى بـ الديتريوم، وهروب الهيدروجين العادي من جاذبية الكوكب أسهل من هروب الديتريوم الأثقل.
وعليه، بوسع الباحثين تقدير كمية الهيدروجين العادي الذي قد يكون فقده الكوكب الأحمر بمرور الوقت، وذلك بمقارنة مستويات الهيدروجين الأخف وزنًا مع مستويات الديتريوم الأثقل في عينات المريخ، وبما أن كل جزيء ماء مكون من ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين واحدة، فإن هذه التقديرات لفقدان الهيدروجين في المريخ تعكس كمية المياه في المريخ، إذ فكّك الإشعاع الشمسي الماء على المريخ إلى جزيئات هيدروجين وأوكسجين.
وجد العلماء في الدراسة الجديدة أن التفاعلات الكيميائية تسببت بتخزين نسبة من 30% إلى 99% من مياه المريخ في المعادن ودفنها في قشرة الكوكب. وأن أي مياه متبقية فُقدت في الفضاء تفسر سبب نسب الهيدروجين إلى الديتريوم في المريخ.
وإجمالًا، يقترح العلماء أن المريخ فقد من 40% إلى 95% من مياهه في أثناء فترة نوشيان 4.1 إلى 3.7 مليار سنة مضت، وبحسب النموذج، كمية المياه على الكوكب الأحمر وصلت إلى مستوياتها الحالية منذ 3 مليارات سنة مضت.
وقالت ايفا سكيلر عالمة الكواكب في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والكاتبة المسؤولة عن الدراسة لموقع (سبيس دوت كوم): «أصبح المريخ الكوكب القاحل الجاف الذي نعرفه اليوم، منذ 3 مليارات سنة مضت»
وأشارت سكيلر إلى أن التقديرات الجديدة لكمية المياه المدفونة في قشرة المريخ تندرج ضمن مجال واسع من القيم بسبب عدم اليقين بشأن معدل فقدان المريخ للمياه في الفضاء بالماضي البعيد، وأوضحت أن المركبة بيرسيفيرانس روفر التي حطت على المريخ في فبراير 2021، قد تصحح هذه هذه التقديرات، وقالت: «بما إن المركبة وصلت إلى واحدة من أقدم أجزاء القشرة المريخية فقد تساعدنا على تحديد طريقة خسارة المياه من القشرة بدقة أكبر بكثير».
ومع أن كميات كثيرة من المياه لا يزال المريخ يحبسها في داخل قشرته، فإن هذا لا يعني أن أي رواد فضائيين مستقبليين سيجدون سهولةً في استخراج الماء لمساعدتهم على العيش هناك، قالت سكيلر: «إجمالًا المياه في قشرة المريخ ليست كثيرةً جدًا، ويجب تسخين كثير من الصخور للحصول على كميات قليلة من الماء».
المصدر: “أنا أصدق العلم”