سلطت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية الضوء على جهود إيران الحثيثة لنشر المذهب الشيعي وسط السنة السوريين.
وتحدثت المجلة في تقرير لها ترجمته صحيفة “عربي21” عن أساليب الإيرانيين في جذب السنة السوريين نحو التشيع أو على الأقل تخفيف آرائهم نحو الشيعة على العموم.
وتقول المجلة إن إيران تحاول جعل تأثيرها دائما في سوريا.
ويؤكد التقرير أن نظام البعث لحافظ الأسد كان الأول الذي أعطى شرعية لآية الله الخميني و”ثورته الإسلامية” في إيران، لكنه كان حذرا من السماح لإيران بتوسيع نفوذها في سوريا كما فعلت في لبنان عبر حزب الله.
لكن حالة اليأس التي أصابت نجله وخليفته بشار أعطت التوسعيين في إيران الفرصة التي كانوا ينتظرونها. ودخلت القوات الإيرانية سوريا للدفاع عن الأسد ضد المعارضة المسلحة وكذا فعل حزب الله اللبناني، بل وجندت الميليشيات من أفغانستان والعراق وباكستان للدفاع عن نظامه.
ومع مرور الوقت، جندت إيران ميليشيات محلية بذريعة حماية المزارات الشيعية ووطدت علاقتها مع الجهاز العسكري وبخاصة الفرقة الرابعة التي يقودها واحد من أبناء حافظ الأسد، وهو ماهر.
وبعد مرور عقد على الحرب باتت الجماعات التي تدعمها إيران تسيطر على ضواحي دمشق وتحرس البلدات الإستراتيجية على الحدود السورية- اللبنانية وهي حاضرة بأعداد كبيرة قرب الحدود السورية مع الاحتلال الإسرائيلي ولديها عدة قواعد في حلب وأقامت منذ هزيمة تنظيم الدولة عام 2018 عددا من المعسكرات قرب الحدود السورية- العراقية.
ولم تقم إيران بتأمين قوس التأثير عبر السلاح في كل من العراق وسوريا ولبنان، بل وفي السنوات الأخيرة وبعد انخفاض وتيرة المعارك عملت إيران على تشجيع السنة في سوريا على التشيع أو تخفيف مواقفهم من منافسيهم الشيعة.
وتحدثت “فورين بوليسي” مع عدد من السوريين الذين يعيشون داخل مناطق نظام الأسد وتحولوا للتشيع حيث قالوا إن الأوضاع الاقتصادية جعلت من الصعوبة عليهم تجاهل الامتيازات التي تقدمها إيران.
وتوفر هذه الأموال النقدية للمحتاجين السوريين مع جرعة ثقيلة من التثقيف في المدارس الدينية ومنح لأطفالهم للدراسة في الجامعات الإيرانية وعناية صحية مجانية ورزم طعام ورحلات إلى المزارات الدينية للتشجيع على التشيع.
وهذه الإجراءات الصغيرة ليست مكلفة بدرجة كبيرة ولكنها تعطي إيران فرصة للتأثير على الفقراء السوريين. وقامت إيران بتجديد المزارات القديمة وبنت أخرى، وكأنها تحاول إعادة كتابة تاريخ سوريا الديني، والتي ظلت دولة ذات غالبية سنية بأقلية شيعية.
وقال عدد من الناشطين والسكان المحليين والمحللين إن إيران تحاول تقديم نفسها كقوة ناعمة من أجل بناء قاعدة دعم لها طويلة الأمد بين السنة بهدف الاحتفاظ بتأثيرها والسيطرة على الجماعات الوكيلة لها كما فعلت في العراق ولبنان.
وساعد نظام الأسد الميليشيات الإيرانية من خلال قراره سيء الذكر “أمر 10” والذي يسمح بموجبه ببيع ممتلكات اللاجئين السوريين في الخارج. وقد اشترت الميليشيات بيوت السوريين وصادرتها في حالات أخرى. بل وقام أفرادها بجلب عائلاتهم من لبنان والعراق للإقامة الدائمة في سوريا.
ويقول الخبراء إن الاختراق الثقافي والديمغرافي يهدف لزيادة أعداد الشيعة في سوريا ومساعدة إيران على تأكيد قوتها نيابة عنهم. ولو كان عدد كبير من الشيعة في سوريا، فستزعم إيران أنها تمثل مصالحهم في أي اتفاق نهائي للتسوية وتطالب نيابة عنهم منحهم مناصب سياسية وفي الجيش والمؤسسات الأخرى للدولة.
وتضيف المجلة أن إيران تريد ممارسة التأثير على الداعمين لها داخل المنظومة الحاكمة وليس الرئيس المدين بالفضل لها والذي قد يتراجع دعمه لها حالة عقد صفقات مع روسيا والإمارات العربية المتحدة اللتين تحاولان إعادته إلى الجامعة العربية.
وعلى خلاف العراق ولبنان، فسوريا هي دولة ذات غالبية سنية مما يعني أن مهمة إيران ستكون صعبة، لكن لا شيء يردعها على ما يبدو.
وقالت الصحيفة إن أحمد، 24 عاما من بلدة الميادين في محافظة دير الزور، شرق سوريا فر أثناء الحرب إلى بلدة الباب قرب تركيا، لكن صديقا له أخبره أن كل مشاكله ستحل لو انضم إلى كتائب السيدة زينب. وقال: “أخبرني صديقي في الميادين أنني أستطيع العودة والانضمام إلى الإيرانيين ولن يتحرش أحد بي أو بعائلتي”.
ويعمل أحمد كحارس للمزار في جنوب دمشق ويحصل على 100.000 ليرة سورية شهريا، وكان بحاجة لمال أكثر لكي يوفره لغسيل الكلى الذي يحتاجه والده.
وفي شباط/ فبراير عرض أحد قادة الميليشيات عليه بأن يضاعف راتبه لو تحول من السنة إلى الشيعة، ووافق أحمد حالا. وقال: “قبل فترة عقدنا اجتماعا مع قائد الميليشيا الذي قال إنه سيتم ترفيعنا ونحصل على أموال لو تشيعنا واستمعنا لبعض المحاضرات في السيدة زينب”، و”قلت نعم، مع 20 آخرين لأننا بحاجة للمال، لو أصبحت شيعيا فسأحصل على 200.000 ليرة سورية وأنا بحاجة للمال لعلاج والدي ولا يهمني الدين”.
وحكى تيم الأحمد، من مدينة درعا الجنوبية نفس القصة عن صديق انضم إلى ميليشيا تابعة لإيران ثم تشيع لاحقا. وقال: “رفعوه وأعطوه شقة”، و”يحصل على علاج صحي مجاني، وعبوات غاز شهرية رغم الأزمة الاقتصادية في سوريا”.
وقال الأحمد إن صديقه حصل فجأة على منافع غير متوفرة لبقية السوريين مثل إذن من الأمن للتنقل داخل سوريا “بدون تحرش”.
وتظل محافظة دير الزور المكان الأكثر نشاطا للإيرانيين، فقد شهدت مدينة البوكمال على الحدود العراقية نشاطات تبدو غير ضارة ولكن فيها تلاعب، وفي الفترة الماضية قامت إيران بإعادة بناء المتنزه الذي دمره تنظيم الدولة وسمته “متنزه الأصدقاء”، ذلك أن النظام السوري يطلق على إيران “الدولة الصديقة”.
وفي كل أسبوع تقوم الميليشيات بتنظيم نشاطات في المتنزه حيث يتم إخبار الناس، الأطفال بخاصة عن أئمة الشيعة وأن إيران هي القوة التقية التي تواجه إسرائيل والإمبريالية.
وقال الناشط صياح أبو وليد من البوكمال: “كل الألعاب البريئة ما هي إلا حيلة لتغيير عقول الأطفال وعائلاتهم وجرهم نحو التشيع”.
وحولت الميليشيات النادي الرياضي في المدينة إلى مطبخ ومطعم، والملعب البلدي إلى قاعدة عسكرية لها، كما يقول أبو وليد.
وافتتحت إيران عددا من المدارس والجمعيات الخيرية والمزارات ولم تجد مقاومة كبيرة للتوسع في دمشق وحلب، إلا أنها حاولت إغراء قادة العشائر في دير الزور للتوسع في المحافظة. وعادة ما يهتم قادة العشائر بمصالحهم ودعم القوة الصاعدة أيا كانت. ورد أعضاء قبيلة البقارة بإيجابية لأن أحد قادتها وجد منفعة من التقارب مع إيران.
وعلى الجانب الآخر من الحدود تقوم كتائب عصائب الحق، التي تعمل ضمن الحشد الشعبي بحماية المصالح الإيرانية. ونظرا لعدم اهتمام روسيا بدير الزور فلا تجد إيران أي منافس لها لإنشاء معسكرات فيها.
ويرى الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، والمقيم في أمريكا، أن نشاطات إيران وحضورها يبذر بذور التمرد في المستقبل، و”هناك إمكانية لمواجهات ضد الغزو الفارسي”. وقال بربندي إن “الإيرانيين وحزب الله ذهبوا أولا إلى مناطق العلويين مثل اللاذقية لكن العلويين مجتمع مفتوح عندما يتعلق الأمر بالدين والأعراف الاجتماعية ويحبون الشراب، وأخبر العلويون الإيرانيين، مع السلامة وحظا سعيدا. ووجد الإيرانيون سهولة في التلاعب بالسوريين الذين تأثروا بشدة من الحرب، وبالتالي توسعهم في المناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة سابقا”.
ويقول نوار شعبان من مركز عمران للدراسات الإستراتيجية إن إيران تبني ببطء وبشكل ثابت علاقات مع السوريين من كل الطبقات الاجتماعية. و”اشترت إيران عقارات في دير الزور والمناطق التي يسيطر عليها الأكراد عبر وكلاء محليين”، و”نسجوا شبكة عنكبوت في سوريا ولديهم ناس في كل مكان، في الجيش والحكومة وحتى بين التجار السنة والمسيحيين”.
ورغم العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب على إيران ضمن سياسة أقصى ضغط، إلا أنها ظلت تدعم الأسد.
وفي زيارة لكاتبة التقرير إلى دمشق في آب/أغسطس للمشاركة في المعرض التجاري، كانت معظم الأكشاك وعددها 31 هي إيرانية تعرض كل شيء من الطاقة إلى البسكويت والصابون.
وبعد عامين أعلن عن إنشاء غرفة التجارة المشتركة السورية- الإيرانية، وفي الشهر الماضي زار وفد إيراني دمشق لزيادة بصمات إيران الاقتصادية في سوريا.
ويخشى المراقبون أن تقوم إيران التي لم تتوقف عن دعم النظام بضخ المال للميليشيات والجمعيات الخيرية لدفع التشيع حال انضم جوزيف بايدن للاتفاقية النووية. فبعد عامين على توقيع الاتفاقية النووية، زادت إيران من دعمها لحزب الله.
ولا توجد إحصائيات حول عدد السوريين الذين غيروا طائفتهم للتشيع أو من خففوا موقفهم من الشيعة، لكن التأثير العسكري والاقتصادي والميليشياوي في سوريا يخلق الظروف لظهور خطوط صدع جديدة في بلد هش على كل الجبهات. وحينها من السهل الحديث عن مفاقمة إيران التوترات الطائفية في المنطقة.