تتزايد الحاجة مع التوجه العالمي نحو صناعة السيارات الكهربائية، وطي صفحة السيارات التي تعمل بالوقود، إلى توظيف عمال يمتلكون مهارات جديدة مختلفة تمامًا عن سابقيهم، وفقًا لما قالته الرابطة الأوروبية لصناعة السيارات، ما يهدد وظائف ملايين العمال في هذا القطاع، ويثير مخاوف من إمكانية حدوث عمليات تسريح جماعي.
ويصل عدد العاملين بشكل مباشر وغير مباشر في قطاع السيارات إلى نحو 14.6 مليون شخص، أو نحو 7% من القوى العاملة في أوروبا. كما يمثل قطاع السيارات أيضًا نحو 8.5% من وظائف التصنيع الأوروبية.
أوضحت الرابطة الأوروبية لصناعة السيارات: “كان القطاع ينتج قبل ظهور هذا الاتجاه نحو 10% من إجمالي الناتج المحلي، بالإضافة إلى حصوله على حصة تبلغ نحو 40% من إنفاق الدول على البحث والتطوير. كما لعب قطاع السيارات دورًا رئيسيًا في التجارة، حيث تصل صادرات العالم من منتجات السيارات القادمة من أوروبا إلى أكثر من 50%”.
يخطو قطاع السيارات بجد نحو تحقيق طموحات المناخ لعام 2030 بتقليل انبعاثات الكربون، والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وتعمل شركات السيارات على تسريع جهودها لإنتاج المزيد من السيارات الكهربائية وتوزيعها، والتي أظهرت الدراسة أنها تتسبب في كم أقل من غازات الاحتباس الحراري وملوثات الهواء مقارنة بمثيلاتها من السيارات التي تعمل بالبنزين أو الديزل.
إلا أن هذا التوجه ينبغي أن يكون مدعومًا بإطار عمل لتحسين المهارات والتدريب، وهو ما يفتقر إليه قطاع السيارات الكهربائية. وأشارت الرابطة في هذا الشأن قائلة: “يتطلب الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050 تقوية سريعة للأدوات الموجودة في القطاع”، وأضافت إن التحول في قطاع سيارات الركاب وحده سيتطلب صقل مهارات وإعادة تدريب نحو 2.4 مليون عامل.
تشير منظمة العمل الدولية إلى أن التحديات التي يواجهها قطاع السيارات تحتاج إلى تضافر جهود الحكومات وأصحاب العمل والعمال للوصل إلى نتيجة لائقة مستدامة، وتعزيز الانتقال العادل إلى عمل مستقبلي يساهم في التنمية المستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
الوظائف المهددة
أكد اتحاد عمال السيارات UAW أن التحول لسيارات تعمل بالكهرباء عوضًا عن الوقود يهدد مستويات العمالة. ووفقًا لدراسة أجراها الاتحاد: “يرجع السبب وراء هذا إلى أن محركات السيارات الكهربائية أقل تعقيدًا بكثير. وجدت عملية تفكيك لسيارة Chevy Bolt بتكليف من الاتحاد أن مجموعة نقل الحركة في السيارة الكهربائية تحتوي على أجزاء متحركة أقل بنسبة 80% من مجموعة نقل الحركة المماثلة لمحرك الاحتراق الداخلي ICE. وحيث إن التكنولوجيا والتصميم سيعملان على توظيف مجموعة نقل الحركة للسيارة الكهربائية على نحو أفضل، فإن عدد الأجزاء المستخدمة سيصبح أقل”.
يشير الاتحاد إلى أن هذه التكنولوجيا ستقلل من كمية العمالة والوظائف المرتبطة بإنتاج السيارات. “وحتى إذا اختارت الشركات المصنعة للمعدات الأصلية إنتاج محركات كهربائية داخلية، وهو ما يظل سؤالًا مفتوحًا، ستقل الوظائف في شركات صناعة السيارات”.
أقرت شركة فورد لصناعة السيارات بهذه الاستنتاجات عندما أخبرت مستثمريها أن الناتج المبسط من المركبات الكهربائية يمكن أن يؤدي إلى تقليل استثمار رأس المال بنسبة 50% وخفض ساعات العمل لكل وحدة بنسبة 30% مقارنة بإنتاج محرك الاحتراق الداخلي. وأضافت: “تكمن الحقيقة في أن بناء سيارة كهربائية يتطلب جهدًا أقل بنحو 30% من تلك التي تعمل بواسطة محرك احتراق داخلي. ما يعني أننا سنحتاج إلى تقليل الوظائف”.
كما أشار الرئيس التنفيذي لشركة فولكس فاجن، هربرت ديس، في عام 2019، إلى أن تحول سيارات فولكس فاجن للمركبات الكهربائية سيؤدي إلى خفض نسبة العمالة، وفقًا لتقرير صادر عن صحيفة AutoNews. وأضاف: “في الواقع، يتطلب بناء سيارة كهربائية جهدًا أقل بنحو 30% من تلك التي تعمل بواسطة محرك الاحتراق الداخلي. ما يعني أننا سنحتاج إلى تقليل الوظائف، وسيكون من الصعب تحقيق ذلك من خلال التقلبات والتقاعد الجزئي فقط”.
سيساعد تحول سيارات فولكس فاجن إلى المحركات الكهربائية في تطوير منتجات الشركة من حيث السرعة والرشاقة والبرمجيات. وأضاف ديس: “ستعتمد الابتكارات المستقبلية في السيارة على البرمجيات بنسبة 90%. لقد كانت دورة التخطيط في قطاع السيارات التقليدي تستغرق 7 سنوات، لكنها ستحتاج الآن إلى وضع خطط في غضون أسابيع أو أيام فقط”.
صناعة السيارات تعتمد على الكهرباء
قال رئيس شركة بي إم دبليو BMW، أوليفر زيبسي، في بيان: “تعتمد مكافحة الاحتباس الحراري على قدرتنا على تقليل البصمة الكربونية للسيارات على مدار عمرها بالكامل. لهذا السبب، نضع لأنفسنا أهدافًا تمتاز بالشفافية والطموح لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على نحو فعال، والتي تدعمها مبادرة الأهداف القائمة على العلم”.
أعلنت شركة بي إم دبليو الألمانية، الاثنين، نيتها إنتاج نحو 10 ملايين سيارة كهربائية بالكامل ضمن خطتها لتقليل بصمة سياراتها الكربونية بحلول عام 2030. مؤكدة: “يمثل التنقل الكهربائي الطريق لتحقيق الحياد المناخي”، ولهذا فإن نصف مبيعات بي إم دبليو العالمية ستكون من السيارات الكهربائية بحلول عام 2030.
لمواكبة الطلب المتسارع على السيارات الكهربائية، عززت بي إم دبليو طلبات خلايا البطارية. وقالت الشركة إن لديها الآن عقودًا بقيمة 26.52 مليار دولار للبطاريات هذا العام، مقارنة بنحو 14.2 مليار دولار سابقًا. تقدر فوربس القيمة السوقية لشركة بي إم دبليو بنحو 69.8 مليار دولار اعتبارًا من 9 سبتمبر/ أيلول 2021.
أعلنت شركة تويوتا، الرائدة في مجال السيارات الكهربائية من خلال سيارتها Toyota Prius hybrid، أنها ستطلق 70 طرازًا جديدًا بحلول عام 2025، وستقدم لعملائها مجموعة من الخيارات الجديدة بما في ذلك بطارية تعمل بالكهرباء، وخلية وقود الهيدروجين، ومولدات هجينة تعمل بالغاز والكهرباء. كشفت تويوتا في أبريل/ نيسان هذا العام، عن مفهومها الجديد للسيارات الكهربائية متمثلًا في طراز BZ4X في معرض شنغهاي للسيارات، وأعلنت أن هذا الطراز سيتم طرحه في الصين واليابان في وقت لاحق من هذا العام.
بينما أعلنت شركة بنتلي البريطانية لصناعة السيارات الفاخرة، التي يبلغ عمرها قرنًا من الزمان، في نوفمبر/ تشرين الثاني، أنها ستصبح كهربائية بالكامل بحلول عام 2026، سواء في شكل مولد هجين أو بطارية كهربائية. قال الرئيس التنفيذي للشركة، أدريان هولمارك: “بحلول عام 2030، لن يكون هناك المزيد من محركات الاحتراق الداخلي”، مضيفًا أن مستقبل بنتلي سيكون كهربائيًا بالكامل. وأكد: “نحن لا نعمل على إنتاج سيارة كهربائية واحدة فقط بل على إنتاج عائلة كاملة من السيارات الكهربائية”.
كانت شركة فولكس فاجن من أوائل شركات صناعة السيارات التي تلتزم باتفاقية باريس للمناخ في 2018، وأطلقت في عام 2020 جيلًا جديدًا من السيارات الكهربائية الكاملة في طراز عائلة I.D. اشتملت النماذج الأولى للشركة على طراز I.D. Compact04 وطراز ID CROZZ04 SUV. سيأتي طراز فولكس فاجن التالي في السلسلة في شكل شاحنة I.D. BUZZ04 عديمة الانبعاثات والمخطط لها في 2022. وتهدف فولكس فاجن إلى أن تكون ميزانيتها العمومية محايدة لثاني أكسيد الكربون بحلول 2050.
رؤية إيجابية
ومع ذلك، لا يبدو المستقبل قاتمًا تمامًا، حيث يتطلع صانعو السيارات لتوظيف مزيد من العمال في فرقهم المستقبلية لصناعة السيارات الكهربائية.
تخطط شركة تيسلا، المملوكة للملياردير إيلون ماسك، لتوظيف أشخاص جدد في فريق عمليات الطاقة للتجارة والتسويق لدعم مشاريع صانع السيارات الكهربائية الخاصة بالبطاريات والطاقة المتجددة، وفقًا لما ورد في منشور كبير مهندسي برامج التحسين في تيسلا، جوليان لامي، على LinkedIn.
قال لامي في منشوره: “أعلن بناء فريق جديد في تيسلا يركز على عمليات تجارة الطاقة والتسويق. سيقود الفريق أداء مجموعة تيسلا العالمية في مجال البطاريات ومشاريع الطاقة المتجددة، كما سيعمل على بناء الخبرة في أسواق الطاقة، ودعم تطوير منصة تداول الطاقة الآلية Autobidder الخاصة بشركة تيسلا”.
كانت شركة السيارات الكهربائية أعلنت الشهر الماضي أنها توسع فرقها القائمة على العلاقات القانونية والخارجية في الصين. كما وسعت الشركة، التي تعمل من كاليفورنيا، عملياتها لتشمل مرافق تخزين الطاقة الشمسية المنزلية والبطاريات الكبيرة، والتي تمثل حاليًا جزءًا صغيرًا من إجمالي إيراداتها. كذلك، تقدمت تيسلا مؤخرًا بطلب لبدء تسويق الكهرباء في تكساس.
وبالمقارنة، أعلنت جنرال موتورز في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أنها ستوظف 3 آلاف موظف جديد للتركيز على تطوير البرمجيات لعلميات البحث والتطوير وتوزيع المركبات الكهربائية. وقالت الشركة إن الوظائف ستركز في الغالب على الهندسة والتصميم وتكنولوجيا المعلومات.
وأكد رئيس جنرال موتورز، مارك رويس، في بيان للشركة: “من المهم أن نستمر في توظيف وإضافة مواهب متنوعة بينما نعمل على تطوير وتنمية خبراتنا في مجال البرمجيات. ويعكس هذا التزامنا بمواصلة تطوير البرامج التي نحتاج إليها لقيادة السيارات الكهربائية، وتعزيز تجربة العملاء، بحيث نمتلك قوة عاملة تعتمد على الخبرة في مجال البرمجيات”.
أشار التحالف الأوروبي لإنتاج البطاريات، إلى أن هناك حاجة إلى نحو 800 ألف عامل ماهر لتحقيق طموحات الاتحاد الأوروبي في مجال التنقل الإلكتروني.
المصدر: فوربس الشرق الأوسط