المذنبات والكويكبات كلاهما نوعان من الصخور التي تنتشر في الفضاء، لكن الفروق بينهما واضحة جدا، فعادة ما تنهمر المذنبات من النظام الشمسي الخارجي، ولها مدارات بيضاوية طويلة. كما أنها مليئة بالجليد الذي يبدأ في التسامي (sublimation)، أي تحول من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية دون المرور بالحالة السائلة، وهي إحدى حالات عملية “التغزية” (Outgassing)، والتي تعني تحرير أبخرة محتبسة أو متجمدة أو ممتصة عندما يقترب المذنب من الشمس، مما يؤدي إلى تكوين هالة مليئة بالغبار والضباب (تسمى الذؤابة)، وتتميز كذلك بذيولها الشهيرة.
أما الكويكبات فتوجد في حزام الكويكبات الرئيسي، بين المريخ والمشتري، في مدارات تشبه إلى حد كبير مدارات الكواكب، ويعتقد أيضا أنها جافة وصخرية إلى حد ما، لذا فهي لا تميل إلى إظهار تغزية خلابة كالتي ترى في أقربائها الأكثر غرابة.
مزيج من الخصائص
في بحث علمي جديد لمعهد علوم الكواكب (Planetary Science Institute) بقيادة عالم الفلك هنري هسيه Henry Hsieh، والذي نشر بيان صحفي عنه في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري على موقع المعهد، يقول الباحثون إنه قد تم اكتشاف صخرة فضائية حديثا توجد في حزام الكويكبات الرئيسي -مثل ملايين الكويكبات الأخرى.
وقد أطلق عليها (248370) 2005 كيو إن 173، لكن يبدو أن لديها كلتا الخصائص، حيث تدور حول الشمس في شكل شبه دائري كالكواكب، مع أنها مثل المذنب، فحينما تم رصدها في يوليو/تموز الماضي ظهرت عليها علامات تغزية عند أقرب نقطة لها من الشمس (الحضيض)، وظهر لها ذيل طويل، ما يجعلها مزيجا نادرا من الاثنين، وهو نوع من الأجسام نسميه كويكبا نشطا، أو مذنب الحزام الرئيسي.
وحسب التقرير الذي نشره موقع “ساينس ألرت” (Science Alert) حول الاكتشاف، فإن 248370 ما هي إلا واحدة من 20 أو نحو ذلك من هذه الأجسام التي نادرا ما تُرى -من بين أكثر من 500 ألف جسم معروف في الحزام الرئيسي- يُشتبه في أنها من مذنبات الحزام الرئيسي، والجسم الثامن فقط الذي تأكد انتماؤه لهذا النوع، وقد اكتشف علماء الفلك أن هذا الجسم كان قد نشط أكثر من مرة.
يقول هسيه في بيان المعهد “يشير هذا السلوك بقوة إلى أن نشاطه يرجع إلى تسامي المادة الجليدية، فمن الممكن اعتبار 248370 كويكب ومذنب، أو بشكل أكثر تحديدا؛ كويكب حزام رئيسي تم اعتباره مؤخرًا مذنبا أيضا”.
ويضيف أنه “يظهر الخصائص الفيزيائية للمذنب، حيث إنه من المحتمل أن يكون جليديا ويطلق الغبار في الفضاء، على الرغم من أنه يملك أيضا مدار كويكب، وهذه الازدواجية وعدم الوضوح بين ما كان يُعتقد سابقا أنهما نوعان منفصلان من الأجسام -الكويكبات والمذنبات- هو جزء أساسي مما يجعل هذه الأجسام مثيرة جدا للاهتمام”.
ذيل رفيع للغاية
تم اكتشاف سلوك 248370 في 7 يوليو/تموز الماضي، في البيانات المأخوذة من نظام الإنذار الآلي المبكر للأجسام المقتربة من الأرض (Asteroid Terrestrial-Impact Last Alert System (ATLAS)).
كما أن تأكيد المشاهدات المأخوذة من تلسكوب لويل ديسكفري (Lowell Discovery Telescope) أظهر علامات واضحة على وجود ذيل، وأظهر الاطلاع على البيانات من منشأة “زويكي ترانتزينت” (Zwicky Transient Facility) ظهور الذيل في وقت مبكر من 11 يونيو/حزيران الماضي.
وبين 8 يوليو/تموز و14 أغسطس/آب الماضيين، تم أخذ مشاهدات جديدة باستخدام تلسكوبات مختلفة أكدت البيانات السابقة، فقد كان 248370 هناك، في حزام الكويكبات، يظهر ذيلا أنيقا.
وكشفت القياسات التي أجراها هسيه وفريقه أن نواة المذنب -وهي قطعة الصخور التي يمتد منها الذيل- يبلغ عرضها حوالي 3.2 كيلومترات، وفي يوليو/تموز الماضي كان طول الذيل أكثر من 720 ألف كيلومتر، لكن عرضه كان 1400 كيلومتر فقط، وهذا ذيل رفيع جدا مقارنة بطوله.
وأوضح هسيه أن “هذا الذيل الرفيع للغاية يدلنا على أن جزيئات الغبار بالكاد تطفو بعيدا عن النواة بسرعات بطيئة للغاية وأن تدفق الغاز المتسرب من المذنب -والذي عادة ما يرفع الغبار من المذنب إلى الفضاء- ضعيف للغاية”.
ويكمل “عادة ما تصعب هذه السرعات البطيئة هروب الغبار من جاذبية النواة، ويشير ذلك إلى أن شيئا آخر قد يساعد الغبار على الهروب، فعلى سبيل المثال، قد تدور النواة بسرعة تكفي للمساعدة على قذف الغبار الذي تم رفعه جزئيا إلى الفضاء عن طريق تسرب الغاز. على الرغم من ذلك، ستكون هناك حاجة إلى مزيد من المشاهدات لتأكيد سرعة دوران النواة”.
فهم أفضل للنظام الشمسي
ستساعدنا المشاهدات الإضافية على فهم الجسم بشكل أفضل أيضا، فبناء على فهمنا للنظام الشمسي، لا ينبغي أن يوجد 248370 ومذنبات الحزام الرئيسي الأخرى.
هذا لأنه يعتقد أن حزام الكويكبات الرئيسي كان موجودًا منذ تكوين النظام الشمسي، قبل حوالي 4.6 مليارات سنة، والذي يقع بين حوالي 2.2 و3.2 وحدات فلكية من الشمس، بينما يوجد خط صقيع النظام الشمسي -وهو النقطة التي بعدها يكون الجو باردا بدرجة كافية لتكوين الجليد في الفراغ- على بعد حوالي 5 وحدات فلكية، لذلك من غير الواضح سبب احتفاظ مذنبات الحزام الرئيسي هذه بالجليد الكافي لإنتاج نشاط تسامي المذنب.
إضافة إلى ذلك، يمكن لهذه الأجسام مساعدتنا في فهم القليل عن الأرض أيضا، ففي الأيام الأولى للنظام الشمسي كان من الممكن أن تكون اصطدامات الكويكبات الحاملة للمياه بالأرض هي إحدى الطرق التي تم بها إيصال المياه إلى الأرض، وإذا كانت مذنبات الحزام الرئيسي بها ماء، فقد نتمكن من استكشاف هذا أيضا.
فرصة أفضل للرصد
يقول الباحثون “على المدى الطويل، سيكون 248370 في وضع جيد للرصد أثناء اقترابه التالي من الحضيض حسب التوقيت العالمي في 3 سبتمبر/أيلول من عام 2026″.
وستكون المراقبة خلال هذا الوقت ذات قيمة كبيرة لمزيد من التأكيد على الطبيعة المتكررة لنشاط 248370، مع توثيق النطاق المداري الذي يحدث خلاله النشاط، وقياس معدلات إنتاج الغبار، ومقارنة مستويات نشاط الجسم من مدار إلى آخر وكذلك تأثيره على مذنبات الحزام الرئيسي الأخرى”.
يذكر أن البحث كان قد تم تقديمه في الاجتماع السنوي الـ53 لقسم علوم الكواكب في الجمعية الفلكية الأميركية (AAS) المقام بين 3-8 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتم قبوله في دورية (Astrophysical Journal Letters)، وهو متاح حاليا على موقع ما قبل الطباعة “أركايف” (arXiv) التابع لجامعة كورنيل (Cornell University).
المصدر : ساينس ألرت + الجزيرة نت