الرئيسية » “صندوق أسود للأرض” يسجل ما فعله البشر.. هذا ما يخبئه للأجيال القادمة

“صندوق أسود للأرض” يسجل ما فعله البشر.. هذا ما يخبئه للأجيال القادمة

في منطقة مخفية بمكان ما على جزيرة تسمانيا الأسترالية النائية على سهل يتناثر فيه الغرانيت وتحيط به الجبال الشاهقة، يوجد صندوق فولاذي عملاق على وشك أن يشهد ويسجل نهاية العالم التي نصنعها اليوم بأيدينا.

وإذا استطاع الذين يكتشفونه من فك رموز الرسائل التي يحتوي عليها، فسوف يحصلون عندئذ على لمحة عما تسبب في سقوط الحضارة التي كانت موجودة من قبل على كوكب الأرض.

أرشيف فولاذي ضخم لأجيال المستقبل

وصف تقرير -نشره موقع “ساينس ألرت” (Science Alert) بتاريخ السادس من ديسمبر/كانون الأول الجاري- مشروع “إيرثز بلاك بوكس” (Earth’s Black Box) بأنه عبارة عن منشأة فولاذية عملاقة أبعادها 10 أمتار في 4 أمتار في 3 أمتار على وشك أن تبنى على نتوء بعيد على الساحل الغربي لتسمانيا، وسيتم ملؤها قريبا بمحركات الأقراص الصلبة التي تعمل بألواح الطاقة الشمسية.

وعندما تشرق الشمس، سوف يقوم الصندوق الأسود بتنزيل البيانات العلمية، وستقوم خوارزمية باستخلاص المواد المتعلقة بتغير المناخ من الإنترنت.

ويوثق ويحفظ مجموعة من التحديثات والتحليلات العلمية الفورية حول القضايا المأساوية التي يواجهها العالم في يومنا هذا.

وذكر الموقع الرسمي لصندوق الأرض الأسود أنه “ما لم نغير طريقة حياتنا بشكل جذري، فإن تغير المناخ والمخاطر الأخرى الناتجة عن الأنشطة الإنسانية المدمرة ستؤدي إلى انهيار حضارتنا”.

وسوف يسجل الصندوق الأسود للأرض كل خطوة نتخذها تجاه هذه الكارثة؛ إذ يتم جمع مئات المجموعات من البيانات والقياسات والتفاعلات المتعلقة بصحة كوكبنا وتخزينها بأمان وبشكل مستمر للأجيال القادمة.

شاهد على أفعالنا

سيجمع الصندوق قياسات درجات حرارة الأرض والبحر، وتحمض المحيطات، ونسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وانقراض الأنواع، والتغيرات في استخدام الأراضي، بالإضافة إلى أشياء مثل السكان والإنفاق العسكري واستهلاك الطاقة.

وسيجمع أيضا البيانات السياقية مثل عناوين الصحف ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار من الأحداث الرئيسية مثل دورات “مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ” (Conference of the Parties). وهكذا إذا اكتشف هذا الأرشيف يوما ما الأجيال المستقبلية، فسيكونون قادرين على فهم ما حدث لنا على هذا الكوكب.

وفي تقرير نشرته “هيئة الإذاعة الأسترالية” (ABC)، صرح جيم كيرتس، المدير الإبداعي التنفيذي في وكالة التسويق “كليمينجر بي بي دي أو” (Clemenger BBDO) بأن الفكرة من الصندوق الأسود تكمن في أنه “إذا تدمرت الأرض نتيجة لتغير المناخ، فسيكون هذا الصندوق متاحا لمن بقي، ليتعلم درسا مما مررنا به”.

وأضاف أن الهدف منه هو “محاسبة القادة أيضا للتأكد من تسجيل أفعالهم أو تقاعسهم عن العمل”.

يجمع الصندوق الأسود للأرض آلاف البيانات والقياسات والتفاعلات المتعلقة بصحة كوكبنا (إيرث بلاك بوكس)

من المقرر أن يكتمل المشروع في موقعه غير المعلن عنه حتى الآن في أوائل عام 2022 -وهو تعاون بين باحثين في “جامعة تسمانيا” (University of Tasmania) ووكالة التسويق “كليمينجر بي بي دي أو” والوكالة الإبداعية “ذا غلو سوسايتي” (The Glue Society).

ووفق ما أوردته هيئة الإذاعة الأسترالية، فقد تم اختيار جزيرة تسمانيا الأسترالية النائية من بين عدة أماكن أخرى مرشحة.

بدأت عملية الأرشفة فعليا

وعلى الرغم من أن بناء الهيكل السكني نفسه سيبدأ في منتصف العام المقبل، فإن محركات الأقراص الصلبة قد بدأت بالفعل في التسجيل، بدءا من مؤتمر المناخ “كوب 26” (COP26) في غلاسكو نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وباستخدام الضغط والأرشفة، يقدر المطورون أنه ستكون هناك سعة كافية لتخزين البيانات خلال 30 إلى 50 عاما القادمة.

وفي غضون ذلك، يبحث المطورون عن طرق لزيادة هذه السعة، والمزيد من طرق التخزين طويلة المدى، بما في ذلك النقش على “ألواح فولاذية”.

وقالوا “سيمكننا هذا من أن نكون أكثر كفاءة بكثير في استخدام كل مستوى من مستويات التخزين، وسيمكننا أيضا من تخزين البيانات لمئات -إن لم يكن آلاف- السنين”.

قال جوناثان نيبون -من الوكالة الإبداعية “ذا غلو سوسايتي”- لهيئة الإذاعة الأسترالية “عندما يعرف الناس أن هناك من يقوم بتسجيل أفعالهم، سيؤثر ذلك على كل أفعالهم وأقوالهم أيضا، وهنا يكمن دورنا؛ إذا كان هناك أي شيء نستطيع أن نفعله، فسيكون من خلال تغيير طريقة تفكير الجميع”.

وفي حين أن البعض قد يقلل من شأن الصندوق الأسود للأرض باعتباره حيلة علاقات عامة مصممة لجذب انتباه الناس -وذلك على عكس حقيقته من كونه مشروعا للتوثيق العلمي الجاد- فلا شك أننا بحاجة ماسة إلى مزيد من الاهتمام والعمل بشأن هذه القضايا في عالم تتزعزع فيه الصفائح الجليدية استجابةً لمستويات غير مسبوقة من الاحتباس الحراري، وتتجه انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الاتجاه الخطأ، وتنفد المياه، وتنقرض الحيوانات بهذه السرعة التي يقول العلماء إننا بني البشر من يتسبب فيها، كانقراض جماعي سادس في كوكبنا.

ويقول صانعو الصندوق الأسود للأرض “إن الغرض من الجهاز هو تقديم حساب محايد للأحداث التي أدت إلى زوال الكوكب، ومساءلة الأجيال القادمة، وإلهام المجتمع الحالي للعمل وبشكل عاجل لتلافي النهاية المشؤومة التي نحدد نهايتها نحن”.

المصدر: ساينش أليرت + الجزيرة نت