كشفت دراسة عملية حديثة عن التأثير السلبي لظاهرة تغير المناخ على الحياة البرية، وخصوصا الطيور، الذي طالما حذر منه علماء البيئة.
ووفق الدراسة المنشورة في دورية “علم البيئة الحيوانية”، فإن قدوم الربيع في وقت سابق لأوانه في معظم أنحاء أميركا الشمالية بسبب التغير المناخي، دفع الكثير من الطيور إلى وضع بيضها قبل الأوان خلال العام.
وذكر الباحثون في الدراسة أنه من بين 72 سلالة طيور جرى فحصها في أنحاء شيكاغو وضع ثلثها تقريبا البيض قبل موعده بنحو 25 يوما مقارنة بما كان عليه الوضع قبل 100 عام.
وتشمل السلالات المتأثرة من الطيور حمام الحداد، وطائر العاسوق الأميركي وباز كوبر، وفقما نقلت “رويترز”.
ولم يجد العلماء حتى الآن أي سمات مشتركة واضحة بين هذه السلالات مثل الحجم أو وضع الهجرة قد تفسر تغير موعد وضع البيض.
لكن جون باتس المشرف على قسم الطيور في المتحف الميداني للتاريخ الطبيعي في شيكاغو وقائد فريق البحث، قال إن “غالبية الطيور التي درسناها تتغذى على الحشرات التي تغير سلوكها الموسمي بدورها بفعل المناخ”.
وأضاف: “تأثر دورات حياة النباتات والحيوانات بتغير المناخ والاضطرابات الموسمية مسألة أصبحت أكثر أولوية وأهمية في أذهان الناس”.
ويعتقد علماء أن تلك التغيرات قد تكون ضمن أسباب كثيرة للانخفاض الحاد في عدد الطيور منذ السبعينيات، إذ كشفت دراسة في دورية “ساينس” في 2019 أن الولايات المتحدة وكندا فقدتا قرابة ثلث الطيور بهما أو نحو 3 ملايين طائر.
وتتفق نتائج هذه الدراسة مع ما خلصت له دراسات مماثلة أجريت في العقود الماضية في المملكة المتحدة واكتشفت أيضا أن وضع الطيور للبيض كان يتم قبل أوانه جنبا إلى جنب مع التغيرات المسجلة في موسم الزراعة.
اقرأ أيضاً: التغيرات المناخية تدفع بقناديل البحر لغزو الشواطئ
دفع ظهور قناديل البحر في شواطئ بحر آزوف في شبه جزيرة القرم كثيرين إلى الحذر وسط مخاوف من أن تعكّر هذه الكائنات الرخوية موسم السباحة بلسعاتها المؤلمة.
ويرجع العلماء هذه الظاهرة إلى ارتفاع ملوحة المياه وانخفاض أعداد السلاحف البحرية التي تتغذى على هذه المخلوقات.
وظهرت أسراب من قناديل البحر العملاقة في مشهد غير اعتيادي على السواحل في شبه جزيرة القرم، ويصل قطر بعض هذه المخلوقات البحرية إلى 40 سنتيمترًا.
وأصبحت القناديل تزعج سكان المنطقة والسياح، وتقول أليونا بلايس وهي سائحة من موسكو: “من الصعب السباحة هنا فإذا كنا نرغب بذلك بشدة علينا أن نتحمل لسعات قناديل البحر المزعجة”.
ويؤكّد سيرجي أليوموف، باحث في المعهد الروسي لبيولوجيا البحر أن الاحتباس الحراري يتسبب في تغيرات بالتوازن العام للمياه في البحار والمحيطات، ومنها بحر آزوف.
ويضيف أليوموف: “أما السبب الثاني لهذه الظاهرة فهو هطول الأمطار في مستجمعات المياه”.
ما هي فرضيات ظهور القناديل بهذه الأعداد؟
وتستوطن معظم هذه القناديل البحر الأسود وعندما تتوفر لها الظروف المناسبة تنتقل إلى بحر آزوف، إلّا أن فرضيات كثيرة تجعل ظهورها في أوقات غير اعتيادية بأعداد تتجاوز الآلاف.
ومن عمان يتحدث أحمد سلايمة مدير برنامج تكنولوجيا البيئة والتغير المناخي في الجامعة الأردنية، عن مدى تأثير التغير المناخي على الحياة البحرية وظهور القناديل بأعدادها الكبيرة هي أحد هذه المشاكل الناجمة عنها.
ويقول في حديث إلى “العربي”: “سمعنا عن قمم عالمية اجتمعت للبحث في قضية التغير المناخي التي أصبحت تؤثّر على جميع نواحي الحياة.. فارتفاع حرارة الأرض نتيجة النشاط الصناعي، خصوصًا في العقدين الأخيرين تسبب في ذوبان الكتل الجليدية في المناطق القطبية وسقوط الأمطار في بعض الأماكن بغير موسمها وارتفاع منسوب البحار”.
ويشرح مدير برنامج تكنولوجيا البيئة والتغير المناخي أنه نتيجة ذلك، أصبحت درجات حرارة المياه التي كانت في السابق منخفضة نسبيًا ولم يكن فيها قناديل بحر، أصبحت الآن مع التغير المناخي درجة حرارتها مرتفعة وبالتالي أدى ذلك إلى قدوم هذه المخلوقات البحرية”.
ويضيف سلايمة: “تؤدي هذه الظاهرة بالتالي إلى فساد موسم الصيف والسياحة”.
الخلل في التوازن البيئي
وفي سياق متّصل، تطرق سلايمة إلى مسألة التوازن البيئي الذي تقوم عليه الكرة الأرضية، مشيرًا إلى أنّ الإنسان ساهم في الإخلال بهذا التوازن.
وسبب هذا الخلل وفق مدير برنامج تكنولوجيا البيئة والتغير المناخي بالجامعة الأردنية، ينسب إلى “عمليات الصيد الجائر للسلاحف، التي تعدّ من المسببات بشكل بظهور قناديل البحر على شواطئ جديدة”.
كما يشير إلى أن صيد السلاحف يؤثّر بشكل مباشر على أماكن وجود قناديل البحر السابقة، “وقدوم هذه المخلوقات حاليًا إلى بعض الأماكن الجديدة حتى في دول شمال إفريقيا وغزوها لسواحل تونس والجزائر يعزى إلى موضوع التغيّر المناخي”.
ما هي الحلول الممكنة لهذه الظاهرة؟
يأمل علماء الأرض بالعودة إلى التوازن البيئي من خلال الحفاظ على السلاحف البحرية التي تتغذى على هذه القناديل، فوجودها يساهم في الحد من تداعيات الاحتكاك البشري معها والتأثر من لسعاتها التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة، وفق سلايمة.
ويشدّد الخبير البيئي على أن الحل لا يمكن أن يكون فرديًا، فمواجهة أزمة تغير المناخ تتطلب جهودًا عالمية عبر تعهد الدول بتقليل انبعاثات الغازات السامة كثاني أكسيد الكاربون عبر الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.